شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ذهب ليحقق في تهريب الأسلحة بين تونس وليبيا فاعتقلته السلطات…غموض يكتنف قصة منصف قرطاس

ذهب ليحقق في تهريب الأسلحة بين تونس وليبيا فاعتقلته السلطات…غموض يكتنف قصة منصف قرطاس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 30 مارس 201905:23 م

اعتقلت السلطات التونسية الثلاثاء منصف قرطاس، الموظف الأممي الذي أوفدته الأمم المتحدة للتحقيق في انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وتهريب السلاح على الحدود التونسية الليبية. قرطاس يحمل الجنسيتين التونسية والألمانية، قالت تونس إنها اعتقلته بتهمة التجسس فيما قال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق إن قرطاس يتمتع بالحصانة الأممية. ويقول فرحان إن قرطاس عضو مجموعة خبراء لجنة العقوبات على ليبيا منذ 2016، أوقف لدى وصوله إلى تونس يوم 26 مارس/آذار الجاري، لافتاً إلى أنه مشمول باتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها المعتمدة عام 1946.

الأمم المتحدة تستنكر

أعلن مكتب الأمم المتحدة بتونس في بيان أنه على اتصال بالسلطات التونسية لمعرفة أسباب توقيف قرطاس مشدداً على أن قرطاس يتمتع بالحصانة الدبلوماسية كونه خبيراً مفوضاً للمنظمة.

وطلب مكتب منّسق الأمم المتحدة في تونس في رسالة وجهها إلى الخارجية التونسية، تحديد مكان قرطاس وإيضاح أسباب إيقافه، وإطلاع المنظمة على وضعه الصحي.

وأكدت وسائل إعلام تونسية محلية أن مكان قرطاس غير معلوم حالياً، بعد مشاهدته آخر مرّة في مطار تونس قرطاج التي وصلها الثلاثاء على متن الخطوط الإيطالية، ثم اعترضه قرابة 12 شخصاً خلال مغادرته المطار مرتدين ملابس مدنية، وهذا ما صعّب تحديد هوياتهم.

كذلك طالبت "هيومن رايتس ووتش" السلطات التونسية بـ "التفسير الفوري للتوقيف الصادم لقرطاس" و"تمكينه من التواصل مع محام"، مذكرةً تونس بـ"واجبها المتمثل في التعاون مع تحقيقات لجنة خبراء الأمم المتحدة".

ويصل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تونس، السبت 30 مارس، للمشاركة في جلسة افتتاح القمة العربية التي تنعقد الأحد، بالإضافة إلى اجتماعات على هامشها. ومن المتوقع أن يثير قضية توقيف قرطاس مع السلطات التونسية.

السلطات التونسية ترد

أفادت الداخلية التونسية في بيان الجمعة، أن أجهزتها أوقفت، مساء يوم الثلاثاء 26 مارس الجاري، شخصين يحملان الجنسية التونسية، أحدهما قرطاس، على خلفية الاشتباه في تخابرهما مع أطراف أجنبية، إثر متابعة ميدانية وفنية انطلقت منذ سنة 2018 وبعد التنسيق مع النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس، على حد زعمها.

وأضافت الداخلية التونسية في بيانها: "إثر التوقيف، ضبطت العديد من الوثائق السرية المتضمنة معطيات وبيانات دقيقة وشديدة الحساسية من شأنها المساس بسلامة الأمن الوطني، بجانب تجهيزات فنية محظور استعمالها في تونس ويمكن استغلالها في التشويش واعتراض الاتصالات".

عدا عمله في الأمم المتحدة، يعمل منصف قرطاس باحثاً بمركز جنيف للنزاعات والتنمية وترسيخ السلم، ومنسق مشاريع برامج الدراسات في الأسلحة الخفيفة في ليبيا وفي شمال إفريقيا، بحسب المواقع الصحافية التونسية.

وعاد المتحدث باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس سفيان السليطي، السبت، للتأكيد أن قرطاس "لا يتمتع بالحصانة الأممية مثلما تقول الأمم المتحدة"، موضحاً في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن اعتبار عدم تمتعه بالحصانة جاء نظراً للاتهامات المنسوبة إليه والتي لا تتعلق بتحقيقه لمصلحة المنظمة، على حد قوله.

أضاف السليطي: "لم يأت قرطاس إلى تونس في مهمة أممية. استعمل جواز سفره التونسي وليس الأممي، فضلاً عن أنه مكلف بمهمة أممية في ليبيا وليس في تونس، ما ينفي عنه الحصانة التي توفرها له اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها"، التي استشهدت بها المنظمة.

ولفت إلى أن "قرطاس والموقوف الآخر معه، سمح لهما بالتواصل مع محاميهما، وهما محل بحث قضائي من قبل النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب منذ أواسط سنة 2018"، لافتاً إلى أنه سيتم توضيح المزيد من المعطيات حسب تقدم الأبحاث في هذا الملف مع مراعاة سرية التحقيقات والتحريات.

ما علاقة توقيف تونس الخبير الأممي منصف قرطاس بـ"التحقيق الصادم" الذي يعده حول تهريب الأسلحة بين تونس وليبيا الذي قد يدين شخصيات تونسية سياسية نافذة؟
 تقول صحيفة "لا تريبون دي جنيف" إن الخبير الأممي التونسي منصف قرطاس كان يحقق في تورط تركيا وقطر بتهريب السلاح إلى ليبيا وتروي كيف خرقت الدوحة وأنقرة حظر التسليح الأممي. لماذا تعتقله تونس؟

تهريب الأسلحة

تقول صحيفة "لا تريبون دي جنيف" إن قرطاس كان يحقق في تورط تركيا وقطر بتهريب السلاح إلى ليبيا عبر تونس والعكس، وكيف خرقت الدوحة وأنقرة حظر التسليح الأممي الذي كان مفروضاً على ليبيا.

وتعيد حادثة توقيف قرطاس إلى الواجهة قضية تهريب الأسلحة في فترة حكم الترويكا في تونس (الائتلاف الحاكم المكون من ثلاثة أحزاب الذي حكم تونس من نوفمبر2011 حتى نوفمبر2014)، حين عثرت الاستخبارات التونسية على العديد من مخازن الأسلحة وتورطت بها شخصيات بارزة.

ولم يستبعد مراقبون أن يكون لتوقيف قرطاس واتهامه بالتجسس علاقة بـ"التحقيق الصادم" الذي يعده حول تهريب الأسلحة (بين تونس وليبيا) الذي قد يدين شخصيات تونسية سياسية نافذة في الحكم حالياً، بحسب وسائل إعلام تونسية ونشطاء تونسيين عبر مواقع التواصل.

وأعرب سامي بن سلامة، الناشط السياسي والعضو السابق للهيئة العليا للانتخابات في تونس، عن استغرابه احتجاز قرطاس المكلف رسمياً بالبحث في قضية تهريب الأسلحة بين تونس وليبيا، رغم صفته الدبلوماسية.

واعتبر بن سلامة، في منشور له عبر حسابه على فيسبوك، أن هَم التونسيين في الموضوع ألا يكون الأمر مرتبطاً بمعركة تكسير العظام في قمة هرم السلطة، لافتاً إلى أنه من الضروري "توضيح الموضوع للرأي العام، لأنّ الصمت يفتح المجال أمام تصديق روايات وشكوك بشأن وجود أمن مواز وقضاء تحت الطلب".

كذلك أقر حسن الغضباني، محامي قرطاس، في تصريح لإذاعة موزاييك الجمعة، بخطورة القضية، معتبراً أن ما يتداول بشأن القضية غير صحيح، مشدداً على أن القضية لا تزال في مرحلة البحث والتحقيق، داعياً الجميع إلى التحري والتريث ريثما تنتهي التحقيقات الأولية. لكنه نفى أن تكون التهمة ذات صلة بما حدث إبان حكم الترويكا.

أزمة السلاح في تونس

وغرقت ليبيا، الجارة الشرقية لتونس، منذ إطاحة نظام معمر القذافي في 2011، في حالة من الفوضى وانتشرت بها مجموعات مسلحة متصارعة وسلطات سياسية متنافسة. وتشير الأرقام إلى أن في ليبيا قرابة 20 مليون قطعة سلاح وتحول الأوضاع الأمنية المنفلتة الجهات المختصة دون رصد "موضوعي وحيادي" لأزمة السلاح في البلاد.

واستغلت عناصر وجماعات إرهابية فترة الانفلات الأمني عقب الثورة التونسية لتهريب الأسلحة عبر الحدود البرية التونسية البرية وتخزينها في المدن المختلفة، حيث استخدمت لاحقاً في الحوادث الإرهابية التي نفذت بالبلاد حسب مصادر إعلامية وسياسية.

وحذر قرطاس، في حوار لموقع الجريدة التونسية في يناير/كانون الثاني 2013، تونس من أزمة "حيازة الأسلحة"، داعياً سلطاتها إلى تشديد الرقابة على الحدود مع ضرورة التنسيق الدولي من أجل استكشاف المكامن التي يخزن فيها السلاح والمسالك التي يمر عبرها.

كما طالب قرطاس حينذاك الدولة باسترجاع السلاح الذي نُهب من المراكز الأمنية إبان الثورة عبر تكثيف حملات التفتيش، مشدداً على أن ما يحدث في الجارتين ليبيا والجزائر، بجانب مالي، له انعكاسات مباشرة على استقرار الأوضاع الأمنية في تونس.

وأوضح قرطاس، في تقرير صادر في أبريل/نيسان 2014، أن المعابر الحدودية في تونس من أهم النقاط الإستراتيجية لتهريب الذخيرة والسلاح والعناصر الجهادية، لافتاً إلى وجود مرشدين (رادارات بشرية) يقومون بأعمال المراقبة والتحكم ويوجهون المهربين في الأوقات المناسبة والآمنة للتهريب على طول الحدود مع الجزائر وليبيا.

وفي تقرير صادر عام 2017، كان قرطاس أحد موقعيه، أكدت لجنة خبراء الأمم المتحدة أن "أسلحة وذخائر تم تسليمها إلى مختلف الأطراف المتحاربة (في ليبيا)، وتورطت في الأمر دول أعضاء في الأمم المتحدة"، بينها تونس.

وتحتوي مخازن الأسلحة التي عثر عليها في تونس على مواد متفجرة وصواعق كهربائية وذخيرة وقذائف "آ ربي جي" وصواريخ وألغام أرضية وقنابل يدوية، فضلاً عن قطع الكلاشينكوف وكواتم الصوت والمسدسات. ولفتت صحيفة "الصباح" التونسية، نهاية 2016، إلى أن مدينة بنقردان الواقعة أقصى الجنوب الشرقي للبلاد والقريبة من الحدود الليبية تمتلك النسبة الكبرى من تهريبات الأسلحة الآتية من ليبيا.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، أكد تحقيق استقصائي لموقع “إنكيفادا" التونسي أن سوق الأسلحة باتت نشطة، بشكل فعّال، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة فيسبوك، انطلاقاً من ليبيا.

أضاف الموقع أن الأسلحة تنتقل من مجموعات ليبية إلى المعسكرات الجهادية في جبال الشعانبي (وسط غرب تونس)، بينها أنظمة دفاع جوية محمولة وصواريخ "آر بي جي" ورشاشات متطورة وقنابل وذخائر من عيارات مختلفة، تكمن خطورتها في قدرتها على استهداف الطيران المدني.

وأشار التحقيق إلى أن هذه الأسلحة هُربت إلى التراب التونسي عبر الحدود التونسية الجزائرية غرباً والحدود الليبية شرقاً على مدار السنوات السبع الأخيرة، لافتاً إلى أن "الأسلحة الخفيفة تعد أغلى ثمناً، لسهولة تهريبها" وهذا ما يجعلها مقتصرة على الجماعات المسلحة التي تحظى بتمويل هام مثل القاعدة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image