يٌنشر هذا المقال بالتنسيق مع "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجيّة" ضمن ملف نشره بعنوان "ذكرى دامسة: اليمن بعد أربع سنوات على التدخل العسكري بقيادة السعودية".
***
مع دخول الحرب في اليمن عامها الخامس، من المنطقي أن نتساءل: لماذا لم ينتصر التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في الحرب، رغم امتلاكه أحدث المعدات العسكرية البالغة قيمتها مليارات الدولارات، وضمه لقوات من عدة دول، وتمتعه بدعم فني أميركي وبريطاني؟
يتطلب الجواب دراسة الجوانب العسكرية والسياسية.
أولاً، الحوثيون: بعد 15 عاماً من الحرب – أولاً ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومنذ عام 2015 ضد التحالف – اكتسبت فرقة حرب العصابات الصغيرة خبرة وقوة عسكرية كبيرة، وقد مكنها ذلك من امتلاك اليد العليا ضد قوات صالح المدربة جيداً خلال حروب صعدة، ثم من اغتيال صالح في كانون الأول: ديسمبر 2017، عندما انفصمت عرى التحالف الذي جمعهما، فضلاً عن قيامها بعمليات توغل متكررة داخل الأراضي السعودية أثناء النزاع الحالي. نظراً لعدم امتلاكها أي سلاح جوي [حيث جرى تدميره خلال الساعات الأولى من التدخل العسكري السعودي في آذار/ مارس 2015]، فقد طورت جماعة الحوثيين قدرات طائرات مسيّرة، بالإضافة إلى توسعتهم نطاق مخزونهم من صواريخ سكود الشرق-أوروبية الموروثة من نظام صالح.
هناك أدلة دامغة في الحقيقة على استفادة جماعة الحوثي من نصائح ومساعدات حزب الله اللبناني والنظام الإيراني في التحسينات التقنية لقوتها الصاروخية والاستراتيجية، ومع ذلك، لم يجعلهم هذا بأي حال يصلون إلى مستوى التفوق المتاح للتحالف السعودي، سواء على مستوى العدّة أو العدد، إلا أن الجماعة ما تزال بعيدة كل البعد عن الهزيمة: فإذا نظرنا إليها على المدى الطويل، فقد نمت بين 2004 و2019، من فرقة حرب عصابات صغيرة إلى جيش جرار.
ثانياً، التحالف العسكري بقيادة السعودية: هنا يمكننا أن نبدأ بالعناصر غير اليمنية، فقد حصرت السعودية تدخلها إلى حد كبير في الغارات الجوية، والبالغ عددها حتى الآن ما يقرب من 20 ألف غارة، وقد سقط وأصيب خلالها عشرات الآلاف من المدنيين، وبعض هذه الغارات ساهم في كارثة العلاقات العامة التي عانت منها دول التحالف، مثل بعض الغارات الشهيرة التي استهدفت جنازات وحفلات زفاف وأسواقاً ومرافق طبية وتعليمية. هل هناك قوات برية سعودية في اليمن؟ نعم، ولكنها ليس على الجبهات العسكرية الرئيسية، فهي تتدخل للتوسط بين الميليشيات المحلية المدعومة إماراتياً وتلك الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في عدن في الفترة 17-2018، وفي سقطرى عام 2018، وفي الآونة الأخيرة، انتشرت بعض القوات السعودية في المهرة، والتي هي موضع شد وجذب حالياً بين عدة جهات – سلطنة عمان والسعودية والإمارات وسماسرة السلطة المحليين – وكل ذلك بالكاد له علاقة بالحرب ضد الحوثيين.
بعد سقوط أكثر من 50 جندي من القوات البرية الإماراتية بمأرب في أيلول/ سبتمبر 2015، خفضت الإمارات بشكل كبير من عدد مواطنيها على الأرض، مستخدمةً قوات سودانية وكولومبية بشكل أساسي كـ”وقود مدافع” بتوجيه إماراتي، وكلهم على جبهات محافظات الجنوب والمعارك الجارية في منطقة تهامة على طول ساحل البحر الأحمر.
أما بالنسبة للقوات اليمنية، فإن تحالفاتها وولاءاتها تمتد على الطيف السياسي اليمني الواسع، وبينما يمكن اعتبار عددا قليلا جداً منهم من الموالين للرئيس هادي، فإن جميع الفصائل السياسية الأخرى ممثلة تقريباً. أهم هذه الفصائل هي التابعة لحزب الإصلاح الموالي لنائب الرئيس علي محسن – الحليف الوثيق للرئيس الراحل صالح حتى مارس 2011– والتي تعمل في محافظة مأرب، وعلى الجبهات الشمالية قرب الحدود السعودية، وكذلك في محافظات تعز والبيضاء وشبوة.
لماذا لم ينتصر التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في الحرب، رغم امتلاكه أحدث المعدات العسكرية البالغة قيمتها مليارات الدولارات، وضمه لقوات من عدة دول، وتمتعه بدعم فني أميركي وبريطاني؟
يحق للمراقبين واليمنيين على حد سواء أن يسألوا ما إذا كانت هذه مجرد إشارات إلى وجود تنافس سياسي أم أن هناك مصالح أخرى وراء إدامة الحرب، مثل إثراء أمراء الحرب على مختلف الجبهات.
أما المجموعة الثانية الأكثر أهمية الآن فهي قوات طارق صالح – ابن شقيق الرئيس السابق – والمدربة والمجهزة بشكل جيد جداً، وهي تعمل جنباً إلى جنب مع قوات التحالف في تهامة وكان لها إسهام كبير في التقدم الحاصل مؤخراً نحو مدينة الحديدة منذ منتصف عام 2018.
المجموعة الثالثة هي مجموعات متعددة من السلفيين الجنوبيين، الذين يدينون بالولاء لقادتهم المتحالفين مع الإمارات، وينشطون الآن حتى خارج الجنوب، على الرغم من إحجامهم أحياناً عن المشاركة في “الشمال”، وهؤلاء المقاتلون السلفيون يقاتلون في أقصى الشمال أيضاً، حيث يخضعون رسمياً لقيادة علي محسن لكن ولاءهم له مشكوك فيه. وقد حققوا في تهامة تقدماً سريعاً وغير منسق وسيء التخطيط في اتجاه الشمال، مما جعلهم عرضة لهجمات الحوثيين المضادة.
أدى ضغط الأمم المتحدة والولايات المتحدة وغيرهما إلى وقف هجوم التحالف على الحديدة أواخر عام 2018، وبعد ذلك توصلت الأطراف المتحاربة إلى اتفاق أصبح يعرف باسم اتفاق ستوكهولم، وكان الرأي العام العالمي والجهات الإنسانية الفاعلة قد اعترضا بشدة على هجوم الحديدة، والذي كان من المتوقع على نطاق واسع أن يتحول إلى كارثة إنسانية لملايين اليمنيين الجائعين، ومع ذلك، فإن قيادة التحالف لا تزال مقتنعة بأن من شأن الاستيلاء على الحديدة أن يجبر الحوثيين على الاستسلام، وهم لذلك ما يزالون متمسكين بهذا الهجوم، وهو ما يساعد في تفسير سبب انهيار الاتفاق في الوقت الحالي.
بينما تركز اهتمام العالم على الحديدة، لم تحظ المعارك الأخيرة بين قوات الحوثي وقبائل حجور في محافظة حجة بالاهتمام الكافي، ومع تركز الاهتمام الإعلامي على معاناة المدنيين الناتجة عن هجوم الحوثيين على قبيلة كانت حتى محايدة وقت قريب، تبددت الأهمية السياسية والعسكرية لهذه المعركة. فلو تم تقديم الدعم الكافي لقبائل حجور، لأمكن للتحالف إحراز تقدم كبير وقطع جميع الطرق الرئيسية من صعدة إلى صنعاء، وبالتالي تقسيم قوات الحوثي إلى منطقتين منفصلتين وغير متصلتين، وهو إنجاز سياسي وعسكري كبير. لكن يبدو أنه لم يكن للمساعدات العسكرية السعودية المنقولة جواً إلى القوات المناهضة للحوثيين أي تأثير يذكر، في حين تجاهلت حكومة هادي عروض المساعدة من قوات طارق صالح والقوات السلفية الأخرى في تهامة بعد عصيانها لأوامر إعادة الانتشار من حضرموت إلى المهرة. والنتيجة أن الحوثيين يسيطرون الآن على هذه المنطقة، ويستخدمون أساليبهم الوحشية المعتادة ضد السكان والقيادات المحلية، فيما ضاعت فرصة تحقيق اختراق عسكري كبير.
هذا المثال الأحدث للانقسامات والتنافسات داخل الأطراف اليمنية للتحالف الذي تقوده السعودية يشبه أمثلة كثيرة أخرى، وهو ما كان حقيقة يومية لسنوات في تعز والبيضاء. كذلك تضاف الاختلافات بين الشريكين الإماراتي والسعودي [انظر: عدن وسقطرى والمهرة في العامين الماضيين] إلى التنافس بين انفصاليين جنوبيين مدعومين إماراتياً وبين حكومة هادي، مما يستلزم أحياناً وساطة سعودية.
ما سبق يساعد في شرح عدم إحراز أي تقدم في الحرب، ويحق للمراقبين واليمنيين على حد سواء أن يسألوا ما إذا كانت هذه مجرد إشارات إلى وجود تنافس سياسي أم أن هناك مصالح أخرى وراء إدامة الحرب، مثل إثراء أمراء الحرب على مختلف الجبهات، ولكن في الذكرى الرابعة للحرب، تظل الحقيقة الأساسية أن الملايين يعانون ويموتون بسبب قسوة قلوب قياداتهم على الأقل.
***
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.