عندما أعلن رئيس الحكومة العراقية السابق حيدر العبادي في يوليو 2017 تحرير مدينة الموصل من داعش، اعتقد العراقيون أن بلادهم فرغت من كل عناصر التنظيم الذي سيطر لأكثر من ثلاث سنوات على ثلثي البلاد. لكن الحقيقة كانت عكس ذلك.
بعد أكثر من شهر بقليل من إعلان النصر على داعش، جرت "صفقة" نقل عناصر من التنظيم من جرود القلمون السورية القريبة من الحدود اللبنانية إلى الحدود العراقية-السورية، ما ولّد مخاوف لدى العراقيين من احتمال عودة هؤلاء الإرهابيين إلى بلدهم من جديد، واتهموا حينذاك حزب الله وحلفاءه بمحاولة جعل العراق "مكباً لنفايات العالم".
وفي الفترة القريبة الماضية، استلم العراق عناصر من داعش قاتلوا في سوريا بشكل رسمي، بموجب اتفاقات بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من واشنطن، وهو ما يطرح تساؤلات عدة: لماذا يستقبل العراق كل هذا العدد من عناصر داعش الذين قاتلوا في سوريا؟ ولماذا الأجانب منهم أيضاً؟
في حقيقة الأمر، تكتظ المعتقلات العراقية بعشرات آلاف المعتقلين والسجناء، وتغصّ المحاكم العراقية بأعداد كبيرة من القضايا المحلية المتعلقة بالإرهاب وغيره. فكيف سيتعامل العراق مع القادمين الجدد؟
لماذا يستقبل العراق الدواعش؟
حتى الآن، تُبرّر الحكومة العراقية عبر قنواتها الرسمية وغير الرسمية عملية استلام المئات من مقاتلي داعش العراقيين أو الأجانب الذين كانوا يُقاتلون في سوريا من خلال المادة القانونية التاسعة من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 والتي تنص على معاقبة كل مَن ارتكب "جريمة ماسة بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي أو ضد نظامها الجمهوري أو سنداتها المالية المأذون بإصدارها قانوناً أو طوابعها أو جريمة تزوير في أوراقها الرسمية".
لكن لا يبدو أن الأمر يتعلق بالمادة القانونية فحسب، ويرجّح كثيرون أن العراق يتعرّض لضغوط دولية، أو يُغرى بوعود، مقابل استلام مقاتلي داعش العراقيين والأجانب الذين كانوا يُقاتلون في سوريا، ويخشون من أن تلعب سجون العراق نفس الدور الذي لعبه سابقاً معتقَل غوانتانامو الشهير، أو تتحوّل المحاكمات فيه إلى آلية لـ"تحييد" الإرهابيين، وهو المصطلح الذي شاع مؤخراً لوصف عمليات قتلهم.
وبما أن العراق غير مؤهل لاستقبال مئات المعتقلين، لا على مستوى قدرة استيعاب السجون ولا على مستوى حجم السلطة القضائية، ولا يمتلك أيّة أدلة لإدانة مَن يستلمهم، غير تهمة أنهم اعتُقلوا من قبل قوات سوريا الديمقراطية بسبب انتمائهم لداعش... تزيد الشكوك حول أسباب ودوافع استقبالهم.
يقول مصدر في الحكومة العراقية لرصيف22 إن "العراق لم يتعرّض لأيّة ضغوط لاستلام مقاتلي داعش الأجانب والعراقيين من سوريا، لكن بعض هؤلاء كان يُقاتل في العراق وارتكب جرائم بحق العراقيين وضد القوات الأمنية العراقية وبعد ذلك غادر للقتال في سوريا، لذا يجب أن يُحاكَموا في العراق".
وعن الذين لم يرتكبوا أي جُرم في العراق، يعود المصدر إلى المادة التاسعة من قانون العقوبات العراقي، ويضيف: "عراقيون ارتكبوا جرائم في بلد آخر، وقانوننا يسمح بمحاكمتهم في العراق، ونحن لدينا الآليات الكافية التي نستطيع من خلالها تحقيق محاكمات عادلة".
لكن النائب العراقي حسين اليساري يُعبّر عن رفضه لاستلام العراق مقاتلي داعش الذين كانوا يُقاتلون في سوريا، ويرى أن هؤلاء "قنابل موقوتة"، ويقول لرصيف22: "كان الأحرى بالحكومة العراقية رفض استلامهم، فهم يشكّلون خطراً على الوضع العام في البلاد".
وبرّرت خلية الإعلام الأمني التابعة لرئاسة الحكومة العراقية استلام عناصر داعش من قوات سوريا الديمقراطية بأن هذه العملية ستؤدي إلى تفادي إطلاق سراحهم من قبل القوات الكردية المدعومة من واشنطن عبر ضمان تسلمهم من قبل القوات الأمنية العراقية.
المقاتلون الأجانب
يقول مصدر استخباري عراقي لرصيف22 إن "عناصر داعش الذين تسلمهم العراق حتى الآن من قوات سوريا الديمقراطية من غير العراقيين، يصل عددهم إلى 13 مقاتلاً، غالبيتهم يحملون الجنسية الفرنسية"، لكنه في ذات الوقت لا يستبعد أن تكون هناك أعداد أخرى في الدفعات المُنتظر استلامها لاحقاً".
بدوره، يؤكد المُعلّق على الشؤون الأمنية والمقرّب من الأجهزة الاستخبارية العراقية فاضل أبو رغيف على مسألة الأعداد ويقول إن "العراق استلم 13 مقاتلاً أجنبياً، جميعهم يحملون الجنسية الفرنسية، ثلاثة منهم من أصول فرنسية، بينما العشرة الآخرون من أصول عربية".
ويضيف لرصيف22 أن "رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي أمر بعدم استلام أي مقاتل أجنبي بعد الآن، لكن هذا القرار ليس قطعياً".
ويتطابق تبرير أبو رغيف مع التبرير الحكومي حول استلام هؤلاء المقاتلين: "لا تمتلك قوات سوريا الديمقراطية سجوناً، وليس لديها هيئة قضائية، وهي غير قادرة على التحقيق مع المعتقلين وكانت لديها نية بإطلاق سراحهم، لذا بادر العراق إلى استلامهم ومحاكمتهم حتى لا يعودوا إلى العراق بسلاحهم".
وبحسب معلومات أبو رغيف، فإن العراق "قد يستلم العشرات من المقاتلين الأجانب من قوات سوريا الديمقراطية خلال الدفعات المقبلة"، لكنه لم يكشف عن جنسياتهم بالتحديد.
ويُحاكم العراق حالياً الفرنسيين الـ13. وخلال مؤتمر صحافي جمعه قبل أيام مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لم يستبعد رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح أن يصدر القضاء العراقي حكماً بإعدامهم.
وقال الرئيس الفرنسي في وقت سابق إن "محاكمة مقاتلي تنظيم الدولة من الفرنسيين الذين أسروا في العراق وسوريا يجب أن تتم في الدول التي يواجهون فيها اتهامات".
محاولات إعادة المقاتلين الأجانب وأسرهم
تعمل بعض الدول الأوروبية على سحب الجنسية من عدد من مواطنيها الذين قاتلوا في صفوف داعش، وهذا موقف يُناقض مواقفها السابقة، عندما كانت تعمل على استعادة الإرهابيين الذين يحملون جنسياتها ومحاكمتهم في بلدانهم.
يرجّح كثيرون أن العراق يتعرّض لضغوط دولية، أو يُغرى بوعود، مقابل استلام مقاتلي داعش العراقيين والأجانب الذين كانوا يُقاتلون في سوريا، ويخشون من أن تلعب سجون العراق نفس الدور الذي لعبه سابقاً معتقَل غوانتانامو الشهير
في الفترة القريبة الماضية، استلم العراق عناصر من داعش كانوا يقاتلون في سوريا، ما يطرح تساؤلات عدة: لماذا يستقبل العراق كل هذا العدد من عناصر داعش الذين قاتلوا في سوريا؟ ولماذا الأجانب منهم أيضاً؟
وصرّحت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه بأن بلادها "لن تتخذ أي إجراء في الوقت الحالي بشأن استعادة المقاتلين الفرنسيين الذين حاربوا في صفوف تنظيم داعش باعتبارهم أعداء الأمة ويجب أن يمثلوا أمام العدالة سواء في سوريا أو العراق"، وذلك بعد دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الدول الأوروبية إلى التحرك واستلام المقاتلين الذين يحملون جنسياتها.
وكانت الوزيرة الفرنسية قد قالت في يناير 2018، أن بلادها تعارض عقوبة الإعدام وأنها ستتدخّل بحال إصدار أحكام بالإعدام بحق فرنسيين يحاكَمون فى العراق وسوريا.
ويقول مصدر استخباري عراقي لرصيف22 إن "هناك ما يُقارب 400 مقاتل غير عراقي لدى قوات سوريا الديمقراطية، وهؤلاء يتم التفاوض على استلامهم الآن بسبب رفض بلدانهم ذلك".
وتواجه الحكومة العراقية مصاعب بشأن وضع المقاتلين الأجانب وأسرهم في العراق، فهي تحاول أن تُقنع دولهم باستلامهم وتُقدم لهم إثباتات ذات صلة بملفاتهم، ولكنها لم تلقَ أي تجاوب سوى من روسيا التي تستلم بين حين وآخر دفعات من أطفال وزوجات المقاتلين.
ويبدو أن الحكومة العراقية وحدها مَن سيواجه معضلة المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا، فدولهم لم تعد ترغب باستقبالهم حتى وإنْ بقيت "مُشككة" بنزاهة وعدالة القضاء العراقي، ومخاوفها من عودتهم أكبر من مخاوفها على سلامة الآليات القضائية التي ستُتبع خلال محاكماتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...