ملف العمالة الأجنبية في العالم العربي يجد بين الحين والآخر عنواناً له على الصفحات الأولى للوسائل الإعلامية، لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي. ما بين انتهاكات حقوق الإنسان تارة، والمحاولات التي تنتهجها الحكومات لتحسين رصيدها في ما يتعلق باليد العاملة الوافدة إليها تارة أخرى، يدور الحديث حول هذه الموارد البشرية التي تشكل حجر أساس في اقتصادات عدد لا بأس به من الدول العربية.
في دول الخليج اليوم ما يقدر بـ 10 ملايين عامل منزلي (6 ملايين عاملة و4 ملايين عامل) لا يشملهم أي قانون للعمل. بينما يعمل الكثيرون منهم في بيئة ملائمة تراعي حقوقهم، يتعرّض آخرون لأشكال عدّة من الانتهاكات، ويعيشون في بيئة من العبودية لا تتماشى مع حقوق الإنسان، ولا مع الشريعة الإسلامية التي تنظم حياة سكان الدول الخليجية.
في منتصف العام 2011، وافق أعضاء مجلس التعاون الخليجي على تبني الاتفاقية 189 ”اتفاقية منظمة العمل الدولية للعمالة المنزلية“ في المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في جنيف، على أن يسري مفعولها ابتداء من الخامس من سبتمبر 2013. لم تقم الدول الأعضاء بالتصديق على الاتفاقية بعد. ولكنها في كل الأحوال لم تشهد في العامين المنصرمين سوى تحسنٍ خجول في قوانينها المتعلقة بالعمالة الأجنبية، لا سيما البحرين والسعودية، ما يجعلها بعيدة كل البعد عن ما تصبو إليه الاتفاقية 189.
تلزم الاتفاقية الحكومات بتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ومنها الحريات النقابية والقضاء على العمل الإلزامي. هي توجب كذلك الدول الملتزمة بها اتخاذ تدابير تضمن للعمّال المنزليين حماية فعّالة من جميع أشكال الإساءة والعنف، وتضمن حصولهم على عقد عمل واضح يحدد شروط وساعات العمل والإجازة، كما تضمن حقهم في الاحتفاظ بوثائقهم الشخصية والخروج من المنزل بعد ساعات العمل التعاقدية والسكن في ظروف ملائمة. بالإضافة إلى ذلك، تشير الاتفاقية إلى ضرورة تأمين سبل تتيح إلى العمال إيداع الشكاوى في حال تعرضهم لأي انتهاكات. كل هذه القوانين وغيرها تتماشى بشكل كبير مع ما يتضمنه الميثاق العربي لحقوق الإنسان، ولا تتضارب إطلاقاً مع تعاليم الإسلام، مصدر التشريع الأول في عدد من الدول العربية، لا سيما الخليجيّة منها. ينظر الإسلام إلى علاقة ربّ العمل وعمّاله كعلاقة أخوة ومساواة لا كعلاقة عملاء أو علاقة ولي بأتباعه. كما يلزمُ المستخدم بأن يدفع لهم أجراً يتماشى مع الواقع الاقتصادي الذي يعيشون فيه، وأن يؤمن لهم ولعائلتهم العيش الكريم. تلزم النصوص الدينية أيضاً احترام ديانة العامل أو العاملة أياً كانت، غير أنّ مراجع إسلاميّة عدّة اليوم تحرّف ذلك وتنتقد الذين يستخدمون عمّالاً من غير المسلمين، معتبرة أنهم دخلاء على المجتمعات العربية، ويزرعون فيها الفتن. مع ذلك، تبقى تفاصيل صغيرة في الاتفاقية متضاربة مع ما تتقبله المجتمعات الإسلامية، كالبند المتعلّق بإعطاء العامل أو العاملة حريّة التنقل بعد دوام العمل وفي أيام الإجازة، إذ تمنع العاملات غالباً من الخروج من المنزل، لغير الضرورات القصوى، مراعاةً للشريعة كما يراها الكثير من الفقهاء.
قامت البحرين من جهتها بمراجعة لقانون العمل في عام 2012 قدّمت فيه بعض تدابير الحماية للعمالة المنزلية، أنصفتهم في ما يتعلق بالإجازة السنوية، لكنها لم تنظر في ساعات العمل التي ما زالت تخالف القوانين الدولية، ولا في الحدّ الأدنى للأجور، لجعله يتناسب مع المستوى المعيشي في البحرين.
يستبعد العمال المنزليون من قوانين العمل في قطر والإمارات والكويت وعمان، لكن الدول الأربع قد قدمت حتى الآن بوادر حسنة لتحسين أوضاعهم. بحسب المنظمة، تدرس دول مجلس التعاون الخليجي تبني عقد موحد للعمالة المنزلية يضم بنوداً ليوم راحة أسبوعي وإجازات سنوية ومرضية مدفوعة الأجر، ويمنح العمال حق الاحتفاظ بجوازات سفرهم، ما قد يعود بنتائج إيجابية على وضع العمالة المنزلية، غير أنها ترى أن العقد يتسم بالقصور ولا “يعوض عن الإصلاح القانوني الشامل اللازم لإنهاء استغلال العمالة المنزلية”. لا بدّ على الدول الست، برأي المنظمة، التخلص من نظام الكفالة للعمال الأجانب والمسارعة في التصديق على ”اتفاقية منظمة العمل الدولية للعمالة المنزلية“ بكافة بنودها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...