عندما وصل شارل لويس نابليون بونابرت إلى السلطة كأول رئيس منتخب للجمهورية الفرنسية في العام 1848، كان يبلغ من العمر 40 وبضعة أشهر. ومنذ ذلك الوقت، حافظ على لقبه كأصغر رئيس سنّاً في تاريخ فرنسا.
مع فوزه بالنسبة الأعلى من أصوات الناخبين، انتزع إيمانويل ماكرون هذه الصفة، وأصبح الرئيس الفرنسي الأصغر سنّاً إذ يبلغ من العمر 39 عاماً.
هكذا التحق الرئيس الشاب بنادي رؤساء الدول الذين لم يبلغوا الأربعين، في وقت تجدد السؤال حول حقيقة الرابط بين سن من يتولون المناصب السياسية الرفيعة وبين فعاليتهم وقربهم من الجمهور وتطلعاته.
هنالك في العالم اليوم خمسة رؤساء فقط لا تتخطى أعمارهم الأربعين، بعضهم يتولى رئاسة دول مؤثرة في المشهدين السياسي والاقتصادي، وبعضهم يتولى دولاً صغيرة أو غير ذات تأثير فعلي. من هؤلاء، فضلاً عن ماكرون:
1- فانيسا دامبروزيو
تعتبر سان مارينو، خامس أصغر دولة في العالم، حيث تمتد على مساحة لا تتعدى الـ61 كيلومتراً. وهي جمهورية صغيرة تحيط بها الأراضي الإيطالية، وتقع على بعد بضعة كيلومترات من سواحل ريميني. يمارس حاكمان السلطة في البلاد، رجل وامرأة هي فانيسا دامبرويزو البالغة الـ28 عاماً.2- كيم جونغ أون
ورث كيم جونغ أون مقاليد السلطة في كوريا الشمالية في ديسمبر العام 2011، بعد وفاة والده. حينذاك، كان عمره 28 عاماً، أما اليوم فقد بلغ الـ34، وهو القائد الأعلى للجيش، والقائد الأعلى للجمهورية الشعبية، ورئيس حزب العمل الكوري ورئيس مجلس شؤون الدولة.3- تميم بن حمد آل ثاني
في العام 2013، تنازل أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني عن الحكم لابنه تميم، ليصبح أصغر حاكم عربي. هو اليوم في الـ36، أب لتسعة أطفال. وعرف الأمير باهتماماته الرياضية، كما يشرف على ملف مونديال الذي تستضيفه قطر العام 2022 ، ويملك نادي باريس سان جرمان لكرة القدم. وكان الأمير تميم قد عين ولياً للعهد العام 2003، وتسلم مناصب حساسة، منها قيادة القوات المسلحة، فضلاً عن الإشراف على خطط قطر المستقبلية.4 - جيغمه خيسار نمجيل وانغشاك
تربع ملك بوتان، وهي مملكة في جنوب آسيا تقع في الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا، على العرش منذ العام 2006، وتسلم السلطة رسمياً العام 2008. ويحكم جيغمه خيسار نمجيل وانغشاك البلد الواقع بين الصين والهند وهو في عمر الـ37، إلى جانب زوجته جيتسون بيرما. وتلقب الصحافة الزوجين بـ"كيت وويليام الهيمالايا"، نسبة إلى الأمير البريطاني وليام وزوجته كيت. لكن هل يعني شباب الرئيس فعاليته حكماً؟ وكيف تغيرت النظرة إلى السياسة باعتبارها تتطلب خبرة وحنكة كبيرتين، على حساب الصورة التي باتت تفترض شباباً يوحي بالحيوية والاندفاع؟ وهل ربط شباب الحاكم بقدرته المرتفعة على التغيير دقيق فعلاً؟تندرج عوامل كثيرة في إطار الإجابة عن هذه الأسئلة
ربط كثيرون بين صعود ماكرون المفاجئ وبين توق الفرنسيين إلى التعامل مع وجه جديد شاب، بعدما خاب أملهم من التيارات السياسية التقليدية، في طليعتها اليمين واليسار. هكذا يبدو العالم اليوم معقداً في تفسيره، لكن الأكيد أن الشكل التقليدي للزعيم السياسي تراجع على حساب اعتبارات أخرى تجسد اليأس من كل تقليد، وتولي العمر اهتماماً كبيراً. في أحد لقاءاته، اعترف ماكرون أن النظام السياسي الحالي يعاني من "خلل وظيفي"، في حين صرح الرئيس السابق فرانسوا هولاند قائلاً "أعتقد أن ماكرون، وتحديداً لأنه كان من خارج الحياة السياسية التقليدية، أدرك أن الأحزاب الحاكمة ولدت نقاط ضعفها بنفسها، وفقدت جاذبيتها الخاصة، وباتت (...) بالية، متعبة، هرمة". هكذا، أدرك الوزير الشاب، الذي كان جزءاً لفترة قليلة من السلطة التقليدية، سريعاً أنه لن يستطيع الوصول من خلالها، فاستقال في مطلع 2016 من منصبه كوزير في حكومة هولاند، وأسس حركته "إلى الأمام!". وقد تخطى عدد المنتسبين إليها الـ 200 ألف. حمل ماكرون خطاباً ليبرالياً، وقدم نفسه كشاب من خارج اليمين واليسار. وبرغم أن ذلك عرّضه لاتهامات عديدة اعتبرته "فقاعة" أو "رمادياً" أو "طفلاً مدللاً"، نجح في ضرب التركيبة التقليدية، لكنه بقي على حياد منها ومن إيديولوجياتها، ما جعل خطابه ضبابياً إلى حد ما.أي شباب؟
ولكنه تساءل: هل يُعدّ الشباب المحرك الفعلي للتغيير أم أدوات في أيدي القادة التقليديين الذين يستغلونهم لمصلحتهم، لما يحملونه من مزايا وعيوب. ثم يجيب أن السؤال لا يحتمل النفي أو الإيجاب فقط، بل يحتاج لبحث عميق. منذ ظهور التلفاز، فرضت الصورة تأثيرها البالغ على عالم الدعاية السياسية، ولعبت دوراً حاسماً في صعود نجم سياسي أو سقوطه. ولأن الطاقة والحيوية عاملان أساسيان في إقناع الجمهور بالقدرة على التغيير، تكرّس مفهوم الشكل كورقة قوة في يد السياسيين، ما جعلهم يلجأون إلى عمليات التجميل لشراء الشباب، لا سيما في تلك الدول القائمة على التوريث. في غمرة ذلك، كانت الإيديولوجيات التقليدية تخسر أوراقها بعدما عجزت عن تحقيق ما وعدت به، والنخب التقليدية تؤكد فشلها في مواكبة خطاب جيل الشباب، بينما يصعد جيل جديد بمعايير وقيم مختلفة، وبقدرة وأدوات أكبر على صناعة ثورات وغيرها جعلت مشاركته في الحياة السياسية أمراً واقعاً، تردده الدراسات ووسائل الإعلام. ولكن يبدو أن كلام أونتي ما زال ساري المفعول إلى اليوم، فهو كان قد تساءل "الشباب؟ أي شباب؟"، منتقداً صبغة التعميم التي تنزع لتبجيل هذه الكلمة، من دون فهمها جيداً. يقول مؤسس "لوموند ديبلوماتيك" إن هذه الكلمة شديدة الاختلاف بين الدول والإيديولوجيات والمجتمعات.حماسة أم تهور؟
في الجانب السياسي، ثمة عنصر مشترك واسع بين السياسيين الشباب وأولئك من الجيل المعمر، قد لا يطبق في كل مكان، لكنه واضح المعالم، وهو أن الشباب يبدون أكثر ميلاً للمستقبل ويهتمون بالماضي بشكل أقل، كما لا يمانعون من المس بتابوهات السياسة القديمة. وهم يمتلكون قدرة أكبر على التعامل مع التكنولوجيا بكل تطبيقاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية، ويمتلكون رؤية أكثر براغماتية. الولادة في عصر الرحلات الفضائية والتهديد النووي والتجسس والقرصنة الإلكترونية والتواصل العالمي، لا يمكن أن تُعدّ عابرة في تشكيل الشخصية وبناء الرؤية. تربط ورقة لجامعة "هارفرد"، حملت عنوان "السياسيون الشباب والكهول"، الفرق بين الشباب والكهول في مواقع السلطة بثلاثة أسباب. الأول هو أن الشباب تنتظرهم مسيرة سياسية طويلة نسبياً، ولذلك فهم أكثر حذراً في التعامل مع منصبهم ممن وصلوا إلى نهاية المسار، والثاني مرتبط بالأول إذ يميل الشباب إلى تبني سياسات طويلة المدى وأكثر إستراتيجية، أما الثالث فهو بديهي ومرتبط بفكرة أن الشباب أكثر حيوية وإنتاجية. لكن هذه الأسباب عينها، التي تحتسب عادة لمصلحة الشباب، قد تحمل أيضاً بذور فشلهم، إذ يصبحون أكثر ميلاً لمراعاة الظروف حفاظاً على موقعهم، وأكثر تسرعاً أحياناً في اتخاذ القرارات رغبةً بإنجازات سريعة من دون الاهتمام بتلك الجذرية التي تؤسس لتغيير طويل المدى، وكل ذلك من أجل إثبات قدراتهم إعلامياً. في مسألة اختلاف الدول والأنظمة التي ذكرها أونتي، فهي الأكثر أهمية في مقاربة مشاركة الشباب، وبالتالي الاحتفاء بها. عندما تسلّم بينيتو موسوليني منصب حاكم إيطاليا العام 1922 لم يكن قد تجاوز الـ40 من عمره، فهل يمكن مقارنته بماكرون الذي وصل إلى السلطة في العمر نفسه؟ وهل ينفع الكلام عن العنصر الشاب في السلطة في مقارنة بين شباب كيم جونغ أونغ وشباب جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا؟ وماذا عن وصول أمير قطر؟ ثمة شقّان يمكن الحديث عنهما في هذا الإطار. يتعلق الشق الأول بالتوريث، معلناً أو مُقنّعاً. تكثر الأمثلة في هذا الإطار، منها كوريا الشمالية، بينما تحظى منطقة الشرق الأوسط بحصة كبيرة من نماذج التوريث. من ملك الأردن عبدالله إلى بشار الأسد مروراً بحكام الإمارات العربية المتحدة ثم قطر وصولاً للسعودية حيث يلعب ولي العهد محمد بن سلمان دوراً محورياً في الحكم. كما ينسحب الأمر على العديد من النواب والوزراء والمسؤولين، الذين يتم الترويج لوصولهم تحت عنوان المشاركة الشبابية، لكنهم آتون من عائلات سياسية عريقة، ويكاد دورهم الفاعل في المناصب التي يتولونها يكون معدوماً. يقدم لبنان مثالاً واضحاً عن التوريث المُقنّع، إذ تولى العديد من المسؤولين الزعامة (السياسية والاجتماعية) في فترة شبابهم مثل وليد جنبلاط وسليمان فرنجية، كإرث عائلي من الآباء. كذلك يكشف المشهد السياسي الراهن صورة شبيهة عن وصول نواب ووزراء، بقيت أدوارهم السياسية خجولة، لكن انتماءهم لعائلات سياسية، لا قدراتهم، ما فتح المجال أمامهم. وفي الشق الثاني، تبرز مشكلة القوالب السياسية التقليدية التي تسيّر هؤلاء الشباب، ولا تنحصر هذه المشكلة في منطقة الشرق الأوسط فحسب. وفق ما ذكر أونتي، فثمة احتمال أن يكون الشباب أداة في يد السياسيين المحنكين للاستفادة منهم وتوظيفهم، بينما تلعب ظروف المرحلة التي يأتون فيها دوراً في تحديد هذا التوجه. من هذا المنطلق، تحدثت دراسة بريطانية، محورها القيادة في مرحلة سقوط الأشكال السياسية التقليدية، عن أولئك الشباب الذين يأتون إلى السلطة عبر أحزاب تقليدية، فتكون وظيفتهم تلميع صورة هذه الأحزاب من دون إحداث تغيير جدي. وفي جولة على بعض الدول العربية، يبدو أن أفكار الشباب سرعان ما تبلغ سن الشيخوخة بعد وصولهم إلى السلطة، فيفشلون في إحداث أي خرق يذكر. علماً أن الثقافة السائدة في كل بلد تلعب دوراً أساسياً في شخصية شبابها. وعليه، تنصح الدراسة من يطالبون بإشراك الشباب بضرورة السعي إلى تغيير الثقافة عموماً، فضلاً عن تغيير شكل الحياة السياسية بأكمله، قبل ترداد كلام براق عن دور الشباب في الحياة السياسية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...