لطالما تميز شهر رمضان عربياً بالمسلسلات الدرامية التي تغرق الشاشات، غالباً ما تكون خليطاً بين مواد اجتماعية، أو تناقش علاقات وتعقيدات عائلية، لتصل أحياناً حد الكوميديا والفكاهة بالتنوع.
إلا أن الواجهة السياسية لدراما رمضان بدأت بالظهور منذ زمن ليس ببعيد، لمحاكاة التطوارت السياسية في العالم العربي الذي شهد على مدى السنوات الماضية تحديات وتغيّرات عديدة، مثل مسلسلي “ولادة من الخاصرة” و “بقعة ضوء”.
الجديد واللافت هذه السنة إعلان شبكة “أم بي سي” عبر موقع صحيفة “نيويورك تايمز" الأميركي، عن مسلسل ستعرضه بعنوان “غرابيب سود”.
يتناول الإنتاج، الذي يعرض للمرة الأولى، الحياة تحت كنف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، من خلال سلسلة من الحلقات تمتد على مدى شهر كامل، يأمل من خلالها القائمون تسليط الضوء على عدة جوانب اجتماعية وسياسية، تغيّرت مع انتشار التنظيم في العالم العربي، بعكس إنتاجات عربية أخرى خلال السنوات الماضية كانت قد تطرّقت إلى موضوع “الدولة الإسلامية” ولكن بشكل مقتضب.
لطالما سخّر “داعش” تقنيات سينمائية سردية عالية الجودة لإغراء المزيد من الشبان والشابات إلى الانضمام لصفوفه و”الجهاد في سبيل الإسلام”، بحسب تعبير التنظيم، إلا أن محاربة “داعش” قد لا تكون بالسلاح التقليدي فحسب، فهل تنطلق الحرب العربية السينمائية على الإرهاب؟
نظرة خاطفة على “برومو” المسلسل تعيد الذاكرة إلى كل ما سبق أن شاهدناه من إنتاجات “داعش”، تعيدنا أشهُراً إلى الوراء، إلى الرصاص والنار ومخيمات التدريب، الأطفال والشبان، إلى الخطف والقتل والنحر والتهديد والإعلام وغيرها.
ولكن ماذا عن المُشاهد الذي لم يتابع تلك الفيديوهات من قبل؟
ستكون هذه المرة الأولى بالتأكيد التي سيستطيع المواطن العربي تكوين صورة سينمائية واضحة عمّا يقوم به التنظيم في أماكن تواجده، وعن كيفية إدارتها، وعن سياساته التي تسببت حتى اليوم بحروب وهجمات إرهابية وخطف لمواطنين وصحافيين وتهجير آلاف العائلات من الموصل العراقية إلى الرقة السورية.
دراما رمضان لهذا العام تقدّم في "غرابيب سود" موضوعاً صعباً سيجبر المشاهدين على مواجهة مخاوف وأسئلة لابدّ منها.
هل تنطلق الحرب العربية السينمائية على الإرهاب مع "غرابيب سود"؟بعكس إصدارات التنظيم، هذا الإنتاج العربي سينمائي بحت، لن يخاطر بحياة الناس، ولن يعتدي على أي شخص على أرض الواقع، إنما يحاول الوصول إلى منزل كل عربي ليعكس الخطر الذي يمثّله وجود “داعش”. اختيار عنوان المسلسل لافت حيث أنّ كلمة "غرابيب"، ومفردها غربيب، تعني أشد أنواع السواد، يضيف لها العنوان تأكيداً في كملة “سود”، والتي توصّف بدورها لون التنظيم المعتمد. ولكن هل سيصدّر “الإنتاج الأسود” طاقة سلبية خلال شهر رمضان؟ ليس بالضرورة، فهو لن يكون مشابهاً للفيديوهات التي يبثها التنظيم عادة والتي يتهرب المواطن من مشاهدتها، المسلسل قاسٍ بالتأكيد والواقعية التي عكسها برومو العمل تثبت ذلك، ولكن في الإنتاج أيضاً محاكاة واضحة للوضع والحياة تحت سيطرة التنظيم، وهذا أمرٌ يصعب التهرّب منه. وعلى الرغم من قساوته، قد يلفت نظر المشاهد العربي الذي يسعى لمتابعة إنتاج درامي، كما جرت العادة في رمضان، ليعكس له هذه السنة جزءاً من الواقع الذي يخشى مشاهدته. قد يكون المسلسل بادرة لإعادة تصويب النقاش عن “داعش” تحديداً، وعما تسبب به وجود هذا التنظيم من ويلات وجرائم، وقد أبعد تصنيفه المستمر “بالإرهابي” و “الشرير” المواطن عن إمكانية نقاش خطره أو حتى كيفية التصدى له كلّ بحسب قدراته. فدراسة التطرف ومحاولة فهم نتائجه مجتمعياً لم تكن يوماً من المحرّمات، إلا أن الخوف المبطّن الذي يرافق كلمة “داعش” يبعد المواطن العربي باستمرار عن إمكانية فهم وربط وجود التنظيم بردود الفعل المرافقة: فيما يخص الهوية ونظرته إلى العالم والمستقبل، بالإضافة إلى شعوره بالانتماء للأمة التي باتت تمثل العنف والحروب للعديد من الأشخاص. الإنتاج خطوة كبيرة وإيجابية لا بد أن يحاول من خلالها المجتمع كسر المحظور “التابو” سينمائياً، ذلك أن مواجهة ومناقشة الشر، لا تعني بالضرورة الموافقة على وجوده، بل تعني ببساطة محاولة فهمه والتوعية لمقاربة سبل محاربته، كلٌ على طريقته، انطلاقا من المنزل والتربية العائلية إلى المدرسة فالجامعة والمحيط والأصدقاء. وبحسب المنتجين، للمرأة أدوار بارزة في “غرابيب سود”، ليس فقط لأنها من المتابعين الأساسيين للقناة، بل لأن وجودها في المسلسل أضاف حبكة درامية متقنة للإنتاج، كون المرأة عنصر حاضر في يوميات “داعش” الذي احتجز الآزيديات سابقاً، والذي عمد باستمرار إلى خطف عدد من النساء بهدف تزويجهنّ لقادة التنظيم. أما بالنسبة لعناوين الحلقات، فبعضها سيكون مألوفاً لمتابعي الأخبار، حيث أن معظمها، بحسب الـ”نيويورك تايمز”، سيجسّد أحداثاً حقيقية حصلت على أرض الواقع. وعن بعض أهداف العمل تقول الممثلة السعودية مروة محمد “من أهدافه أن يستفيق البعض ليتذكروا ويفهموا أن أفعال داعش لا تمثل الإسلام”. في إشارة واضحة إلى اهتمام القناة أيضاً بتوضيح اللغط الذي تسبب به وجود “داعش” فيما يخص الإسلام، وهي نظرة تأمل القناة بإيصالها للغرب بواسطة نسخة باللغة الانكليزية قد تعمل على إنتاجها في مرحلة لاحقة. ولكن هل سيُتابع التنظيم هذا الإنتاج الرمضاني؟ أم هل سيحاول الضغط من أجل إيقافه كما فعل تنظيم القاعدة خلال عرض مسلسل “الطريق إلى كابول” في رمضان 2004، حيث هدد الشركة المنتجة وفريق عمل المسلسل، ما أدى يومها إلى توقف عرضه على القنوات الأرضية والفضائية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين