قبل ثلاثة أعوام، لم يكن أحد قد سمع باسم إيمانويل ماكرون في فرنسا. ولكن خلال وقت وجيز، استطاع أن يخترق عالم السياسة، بدايةً كمستشار للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ثم كوزير للاقتصاد في الحكومة الاشتراكية، ثم كزعيم لحركة سياسية مغمورة أسماها "إلى الأمام" (أون مارش).
وبعد نحو عام حمله هذا المشروع الجديد والطموح إلى قصر الإليزيه ليصير الرئيس الثامن للجمهورية الفرنسية، وأصغر رئيس جمهورية في تاريخ فرنسا ،إذ عمره 39 عاماً.
قد يبدو الأمر سهلاً، ولكن قبل ماكرون لم يكن أحد يحلم في ارتقاء سلم السياسة الفرنسية دون دعم الأحزاب التقليدية من اليمين واليسار. استطاع خطاب ماكرون الوسطي والمعتدل خلق الإجماع من حوله وخاصة لدى العرب والمسلمين الذين صوتوا له بنسبة 92%.
نواة مشروع ماكرون الرئاسي
مشروع حركة "أون مارش" نضج في رأس ماكرون عندما كان وزيراً للاقتصاد. فقد اعتمد على مجموعة من الأصدقاء المقربين، خاصة من المصرفيين والتكنوقراط الذين تعرّف عليهم خلال سنوات الدراسة، أو الذين اقتنعوا بأفكاره منذ البداية، ومن بين هؤلاء عرب:الأخوان اللبنانيان مراد
برنار مراد من مواليد بيروت عام 1975، من أب لبناني مسيحي ماروني وأم مغربية يهودية. عيّنه رجل الأعمال الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراهي، على رأس مجموعته الإعلاميّة ("نيوز أند كو" التي أصبحت تسمى "أس أف آر برس" وتضم ليبراسيون، بي. أف. أم. تي في، ليكسبريس، i24 News) قبل أن يستقيل ويلتحق بماكرون. أما جون جاك مراد، 51 عاماً، فهو بروفيسور متخصص بأمراض القلب ويحظى بشهرة عالمية، وهو مَن رسم خيوط برنامج الصحة الذي دافع عنه ماكرون، لكنه غادر المركب سريعاً بسبب تداخل المصالح، وذلك بعدما كشفت جمعية طبية أنه كان يقدّم النصائح للمرشح ويتقاضى أجراً كمستشار لشركة "سرفييه" لتصنيع الأدوية.المغربي منير المحجوبي
فرنسي من أصول مغربية، عمره 33 عاماً. يُعتبر العقل المدبّر لحملة الإعلام الرقمي التي أعطت ماكرون زخماً في أوساط الشباب. شهدت مسيرة المحجوبي قفزة نوعية. فهو ابن عاملة مغربية مهاجرة واستطاع بفضل تفوقه وذكائه إقناع مرشحة الانتخابات الرئاسية الفرنسية السابقة سيغولين رويال والرئيس فرانسوا هولاند بالمساهمة في حملتيهما الانتخابيتين عامي 2007 و2012.الجزائرية بريزة خياري
من مواليد مدينة أم البواقي في الشرق الجزائري عام 1964. انطلقت رحلتها السياسية من قاعدة الحزب الاشتراكي إلى أن عُيّنت نائبة في مجلس الشيوخ الفرنسي، قبل أن تتولى مهمة نائبة رئيس المجلس. منحها الرئيس الفلسطيني مواطنة الشرف وكانت في طليعة من دعم ماكرون وأقصاها الحزب الاشتراكي من صفوفه بمجرد إعلانها دعم المرشح الشاب، فردّت بأن العمل مع ماكرون هو آخر معاركها السياسية وأن ما أغراها في هذا الشاب هو شجاعته ورفضه بعض السياسات الاشتراكية.انتخابات تشريعية بأسماء عربية
لا يكفي الرئيس الفرنسي الجديد الفوز بالانتخابات الرئاسية لتطبيق برنامجه. للقيام بذلك، عليه الحصول على أغلبية برلمانية. وبما أنه وعد بالتغيير والتجديد فمن المستحيل أن يعتمد على النواب السابقين، ولذلك قدّم لائحة من المرشحين الشباب، معدل أعمارهم لا يتجاوز 46 عاماً ونصفهم ينتمون إلى المجتمع المدني، ولم يسبق لهم ممارسة السياسة. من بين الأسماء الجديدة، أكثر من عشرين اسماً لفرنسيين من أصول عربية، معظمهم من أصول مغربية أو جزائرية: تسعديت هود (جزائرية، 49 عاماً)، فضيلة خطابي (مغربية، 46 عاماً)، ليلى عايشي (جزائرية، 47 عاماً)، أمال لخرافي (مغربية، 30 عاماً)، عزيز الصقلي بوعزبزة (مغربي)، بلخير بلحداد (جزائري، 45 عاماً)، فاطمة ماسو (جزائرية)، محند حامومو (جزائري، 52 عاماً)، أنيسة خضر (مغربية)، مليكة معلم (جزائرية)، حليمة منهوج (42 عاماً)، بلال واضح (جزائري، 45 عاماً)، خديجة مذنيب (مغربية، 34 عاماً)، ماريك فتوح، منير محجوبي، خالد بن عبد الرحمن، جميلة حداد، جون جباري، حيزية خلفي وشهرزاد بولقرون.تعرفوا إلى العرب الذين ساعدوا ماكرون على الوصول إلى الرئاسة... هل نجدهم في البرلمان الفرنسي؟مصطفى لعبيد، 48 عاماً من أصول مغربية، يعيش في مدينة ران بمنطقة البروتاني ويعمل في جمعية تنشط في مجال مواجهة الإقصاء في الضواحي الفقيرة، قال لرصيف22: "أنا أعمل في المجتمع المدني منذ 20 عاماً. التقيت بجميع ممثلي الأحزاب من اليمين إلى اليسار ولم يقترح أحد منهم الاستماع إلى مشاريعي لأنهم يبحثون دائماً عن الأمثلة الفاشلة في أوساط العرب بغرض تكريس الأفكار المسبقة عن المهاجرين والعرب". وأضاف: "لكن التقيت وقتاً قصيراً بإيمانويل ماكرون فلقيت أفكاري تجاوباً منه واقترح أخذ بعضها وأدخل جزءاً منها في مشروع حركته السياسية". ويعتبر لعبيد أن معارضة ماكرون لقانون سحب الجنسية الفرنسية وتصريحاته حول العلمانية وممارسات الاستعمار الفرنسي في الجزائر، بعثت بريقاً في عيون الفرنسيين العرب المهمشين في ضواحي المدن وأعطتهم إحساساً بأن هذا الرجل السياسي الأبيض يحترمهم ويستمع إلى مطالبهم. تسعديت هود، واسمها بين الأسماء العربية في قوائم ماكرون، هي ابنة عامل نظافة جزائري وصل مهاجراً إلى فرنسا في الستينيات من القرن الماضي. هي الخامسة من بين تسعة إخوة، وتقدمت مرشحة على قائمة ماكرون في مدينة "درو" وسط فرنسا. تسعديت، أخت جميلة هود التي قُتلت في هجمات باريس عام 2015، قالت لرصيف22 إنها تألمت كثيراً لاغتيال أختها لكن أكثر ما آلمها هو خطاب بعض السياسيين الفرنسيين، وبالأخص من اليسار، من الذين طالبوا العرب والمسلمين بأن يعتذروا لأن متطرفين قاموا بهجمات باسم الإسلام". انخرطت تسعديت منذ البداية في حركة "أون مارش" وتعتبر "أن الفرنسيين العرب لديهم الكثير مما يمكن تقديمه إلى فرنسا لكن الجمهورية التي علّمتهم في مدارسها شعار: حرية، مساواة، أخوة تنظر إليهم من فوق كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية". الرئيس الفرنسي الجديد وعد بتطبيق مبادئ علمانية جمهورية معتدلة لا يتم فيها التحامل على فئة من المجتمع، خاصة من أصول أجنبية، كما وعد بالاعتراف بجرائم فرنسا في مستعمراتها السابقة وفتح مجال العمل معه للفرنسيين من أصول عربية. لكن الطريق أمام الفرنسيين من أصول عربية لن يكون سهلاً، فهناك خشية من أن يتم الضغط على ماكرون. فإلى جانب الطاقات العربية في طاقمه، هناك أيضاً طاقم من المدافعين عن سياسة إسرائيل أمثال لورانس حاييم المكلفة بالإعلام، والتي طلبت من حركة ماكرون سحب ترشيح الصحافي الفرنسي والمنتج كريستيان غيران بسبب تغريدات معادية للصهيونية. كما يوجد في طاقمه "أورور برجيه" التي تعتبر نفسها صديقة لإسرائيل وحثت الحركة على التنصل من "محمد ساعو"، أحد أبرز الأشخاص الفاعلين في "أون مارش"، لا لشيء سوى لأن لديه صداقات وعلاقات مع الائتلاف المناهض للإسلاموفبيا الذي يوثق الانتهاكات المعادية للإسلام والمسلمين ويتهمه البعض بقربه من أفكار الإسلاميين واعتماد خطاب يقدّم المسلمين كضحايا في فرنسا، ما يؤدي إلى كراهية الجمهورية. وساعو، 37 سنة، هو بروفيسور تاريخ وجغرافيا ولديه تأثير خطابي على الشباب واستطاع أن يزيد عدد المنتسبين إلى حركة ماكرون إذ كان ينشط من 400 إلى 4000. واتهمه بعض إعلام اليمين المتطرف بأنه يساند المتطرفين بسبب تغريدة قديمة له عقب الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو قال فيها إنه ليس شارلي ولكنه يرفض العنف. وبرغم أن ماكرون قال إن ساعو شخص جيد ومعتدل فقد خاف من الجدل وافترق عنه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.