منذ ما يزيد عن عامين ونصف، دقت طبول الحرب في سورية، فقررت مجموعة من الشباب السوري، تميزهم روح الفريق والإيمان بأن لدى كل عضو منهم ما يستطيع تقديمه، تمثيلاً أو غناءاً أو رقصاً أو عزفاً، أن تطلق مشروعاً أسمته “مشروع ومضة / Music Theatre Dance”.
عزمت الفرقة على أن تواجه صوت طبول الحرب بالموسيقى، الرقص، المسرح، والتمثيل. ما تقدمه عبارة عن أحد أنواع المسرح التفاعلي، الذي يعتمد نجاحه على المؤدّين والمتلقين في آن معاً، ويستند على نوعين من المسرح، مسرح المضطهدين الذي أسسه البرازيلي أوغوستو بول Augusto Boal ويظهر غالباً في فترة الحروب والأزمات، بالإضافة إلى المسرح الخفيّ الذي ظهر في سورية لأول مرة من خلال مشروع ومضة الثقافي نفسه. ذلك الأخير يعتمد على مبدأ الفلاش موب Flash Mob، أو التجمع الخاطف الذي يقوم على ظهور مجموعة بشكل مفاجئ في مكان عام لتقديم عرض يكون غالباً غير اعتيادي. بالطريقة نفسها، يظهر أعضاء الفريق فجأة في أحد الشوارع أو في مكان ما غير متوقع، في ساعات الذروة ليفاجؤوا السوريين ويزرعوا الفرح على وجوههم، بعدما أضناهم الخوف واعتادوا على مفاجآت دويّ القذائف، التفجيرات وصوت الرصاص. أعضاء ومضة يتحدون هذه الأصوات المؤلمة بأنغام القانون، الإيقاع، الغناء، الترومبيت والعديد من الآلات الموسيقية التي تحلم في أن تعلو أصواتها فوق صوت طبول الحرب.
يعرّف آري جان سرحان وخالد رزق، المشرفان الفنيان للفرقة، والآنسة نغم ناعسة صاحبة فكرة “ومضة” المشروع بأنه “مشروع ثقافي غير ربحي، موجّه للإنسان السوري في كل المناطق السورية، بغض النظر عن توجهه السياسي".
كان أول ظهور للمشروع في 28 يوليو 2013 في منطقة الشعلان المكتظة في دمشق، وكانت ومضة موسيقية فقط ظهرت بشكل مفاجئ وقدمت أغنية “كلمة حلوة كلمتين، حلوة يا بلدي”
يصف المشرفون على الفرقة الظهور الأول لها “بمثابة امتحان يقيّمه المارة الذين يعتبرون العنصر الهام في المسرح التفاعلي”. نجحت الفكرة، إذ التم المارة على الموسيقيين وتفاعلوا معهم بشكل ملحوظ، وحقق فيديو الومضة الأولى حتى اليوم 150 ألف مشاهدة على موقع يوتيوب، مما شجع القائمين على المشروع على الظهور مرة ثانية بعد أسبوعين في سوق الصالحية الدمشقي مؤدّين نفس الأغنية. بدأوا بعد ذلك التحضير للومضة الثالثة التي كان تاريخها مقرراً في 21 أغسطس 2013 في شارع الحمراء بدمشق، ويُقدّم خلالها أغنية “موطني” إلا أن الحدث المفاجئ، ضربَ منطقة الغوطة بالسلاح الكيماوي، دفع المشرفين على الفرقة لتأجيل العرض لفترة أربعة أيام، وإعطائها اسم “ومضة كيماوية”.
أهديت هذه الومضة إلى جميع شهداء سورية وارتكزت على الموسيقى التي تتخللها مشاهد حركات مسرحية. تم كذلك إطلاق فيديو كليب للمخرج الدرامي السوري مصطفى برقاوي، تضمن مشاهد من هذه الومضات السورية لاقى رواجاً عند المشاهدين، يقول فيه: "ما دفعني لدعم مشروع ومضة هو ملاحظتي لحالة الاستقطاب السياسي التي يعيشها المجتمع السوري وإيماني أن الحالة الإنسانية تبقى الأرقى والأنقى، لذا وجدت في مشروع ومضة، ومضة إنسانية تبحث عن فسحة أمل لإعادة الأمان للشارع السوري، الذي بدأ بافتقاده منذ بداية الأحداث".
اليوم ما زال مشروع ومضة الثقافي يتابع تحضيراته لتقديم الومضة الرابعة والتي من المقرر أن تفاجئ المارة في أحد شوارع دمشق قبل أيام قليلة من عيد الأضحى. بدأ فريق العمل بالتحضير لبروفات العمل داخل إحدى قاعات المعهد العالي للموسيقى في دمشق. ستقدم الومضة أغنية وطنية للفنان زكي ناصيف يؤديها مغني الأوبرا السوري إياد حنا، وستشمل العديد من الفنون، الرقص، التمثيل والغناء. تتطلب هذه الومضة تحضيرات أكبر من الناحيتين التقنية والفنية، وسيكون الكوريغراف ليارا عيد والتمثيل لمجد مشرف الذي جذبته فكرة المشروع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وأحبَّ أن يشارك بتجسيدها، بالإضافة إلى مشاركة لجين اسماعيل الذي حضر الومضة الأولى، وجذبه تفاعل الناس في الشارع مع الحدث فطلب الانضمام إلى المشروع. إضافة إلى كلّ من، يزن الخليل، محمد حمادة وساندي نحاس، التي كانت مغنية في الومضات السابقة، ولكنها ستشارك هذه المرة في التمثيل. أما عن الموسيقيين المشاركين فهم محمود كنفاني والياس عبود (إيقاع)، نزار عمران (ترومبيت)، سامح حداد (كونتر باص)، ريموندا نعنع (قانون)، وسام الشاعر (أوكورديون) ومشرف الصوت ايدمون دردريان.
التحديات التي تواجه مشروع ومضة هي بالدرجة الأولى تحديات مادية، فأي عرض يحتاج لعناصر جذب، كأي عمل فني، ما يتطلب المزيد من النفقات (على الملابس، والمتطلبات التقنية والفنية الخاصة التي تجعل العرض أكثر إبهاراً). التحدي الثاني هو التلهف من القائمين على مشروع ومضة لمعرفة ردود فعل الحضور، وهو عنصر لايقل أهمية عن قوة أداء الفريق. معيار نجاح أي عرض يعتمد على تفاعل الجمهور، وهنا تستحضر نغم موقفاً تعرضت له حين طلبت منها سيدة من الجمهور خلال العرض الأول أن تستبدل كلمة "حلوة يا بلدي" بكلمة عيشي يا بلدي... أما التحدي الثالث فهو التحدي الأمني. إن ظهور هذا العرض في الشارع هو بحد ذاته مغامرة، إذ قد يتعرض أي شارع لقذيفة هاون أو تفجير لسيارة مفخخة مركونة في أحد أطرافه، ذلك عدا عن التحدي الأمني الحكومي المتعلق بصعوبة التجمهر منذ بداية الأحداث، برغم محاولة المشرفين على المشروع الحصول على كافة المستندات والموافقات القانونية قبل عرض أي ومضة.
تختتم نغم ناعسة، صاحبة فكرة المشروع اللقاء بالقول: إن محفزها الدائم قبل التحضير لأي خطوة في مشروعها الأقرب إلى قلبها، قول الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز: "هناك دوماً يوم الغد، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين