ثمة أمر غريب ومنتشر في الشرق الأوسط. إنه النظرة إلى إيران والإيرانيين. في هذا البلد، يعيش ملايين الكذابين وهم مستعدون لقتل الآخرين لا سيّما أهل السنّة!
لا يعرف الإيرانيون أنهم أناس خطيرون إلی درجة تدفع البعض إلى توصية الآخرين بعدم الاقتراب منهم أو حتی الحديث معهم. لو سألتم الإيرانيين العاديين: لماذا تكذبون علی أهل السنّة وتجيزون قتلهم، لبقوا صامتين متعجبين وهم ينظرون إليكم بابتسامة مصحوبة باستغراب شديد.
لم أكن أعرف أنني أنا أيضاً كذاب حتی سمعت صديقاً سعودياً يقول حرفياً: "أقسم بالله العظيم أن كل الروافض، قاصداً الإيرانيين بالتحديد، يكذبون علی أهل السنّة بشكل ممنهج وهذا من مذهبم".
رأيت سعودياً آخر أتابعه على "تويتر" ينشر تغريدات يومياً ضد الإيرانيين متهماً إيّاهم بأنهم روافض يقتلون أهل السنّة كلما أتيحت لهم الفرصة، حتی أنهم لا يرحمون أنفسهم إذ يقومون بقتل أنفسهم في عاشوراء. ونشرت فتاة سعودية مثقفة ومتعلمة صورة دامية لحفنة من أناس قاموا، للأسف الشديد، بالتطبير وقالت إن هؤلاء هم الشيعة في إيران.
لا أدري منذ متی تُروّج مثل هذه الشائعات ضد إيران والإيرانيين. لكنني أدري أن إيران تختلف تماماً عن الصورة المنتشرة عنها في العالم العربي. يؤيدني من زار إيران ولو لمرة واحدة. قالت لي صديقة مصرية زارت إيران أكثر من مرّة، كونها صحافية، إن الإيرانيّ يختلف عمّا كنت أتوقعه. وأضافت: "حتی شوارعها أثارت استغرابي لنظافتها فما بالك بشعبها؟".
قلت لها: نحن متهمون بأننا متشددون ضد أهل السنّة وبأننا لا نترك لهم فرصة لكي يعيشوا في إيران براحة بال. ويقول البعض إن الإيرانيين يقتلون أهل السنّة في المنطقه. لكني لا أدري لماذا لم نقتل حتى الآن أهل السنّة في إيران. فقد بلغت نسبة سكان إيران من السنّة 7 في المئة وهم أولی بالقتل من السنّة خارج إيران، إذا ما مشينا مع هذه الأقوال والتصوّرات.
يقول الكاتب المصري فهمي هويدى في كتابه "إيران من الداخل": كنت في موقف صعب عندما قررت الكتابة عن إيران بشكل محايد إذ كان ذلك بمثابة المغامرة والسباحة ضد التيار وبلغَت الصعوبة ذروتها عندما عجزت عن القول إنه، في الحرب العراقية ضد إيران، العراق هو المعتدي علی إيران. ويضيف هويدى أن ذلك كان بمثابه تجاوز الإشارة الحمراء، "لكني بعد مرور 10 سنوات، بعد أن قام العراق بغزو الكويت، تمكنت من استخدام كلمة الاعتداء".
المهم في آراء هويدى هو تساؤله: "إذا كانت الحقيقة في مسألة العدوان في الحرب العراقية الإيرانية قد ظلت محجوبة عن الناس في خطابنا الاعلامي والسياسي طوال عشر سنوات، فكم من الحقائق الأخری المهمة لا تزال في طور الخفاء والكتمان؟ وكم من الخطايا يرتكبها الإعلام بحق الناس، عندما يلوّن الحقائق ويطوعها لتخدم الأجواء، ولا أقول الأهواء، السياسية المتقلبة؟".
وأنا أيضاً أتساءل: كيف يمكن الكشف عن حقيقة إيران للرأي العام العربي والتي ظلت متخفية طوال ثلاثه عقود؟
قلت لصديقتي السعودية: "كنت أتمني أن تدرسي في إيران"، فأجابتني مستغربة: "كيف يمكن ذلك والأمان غير متوفر؟". سكتت وأدركت أن صورة إيران عند العرب، خاصة السعوديين، هي بلد غير آمن وطائفي وشعبها كذّاب ومتآمر على أهل السنّة ويقتلهم! لكن شتان ما بين إيران العرب وإيران الواقع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...