ظهرت في المدة الأخيرة على العديد من المواقع صور صادمة لشاب يحمل خنجراً ويمتطي جواداً، وأخرى له وهو يقف مبتسماً أمام جثمان قُطع رأسه. شكّلت الصور صدمة للذين عرفوا هذا الشاب، الذي لطالما أحبّ الحياة وموسيقى "الراب". في ما يلي، شهادة من عمرو مدحت عن الفترة التي عايش فيها إسلام يكن، مواكباً تطوره وتحوله المرعب إلى الإسلام المتطرف. كان مدحت ويكن عضوين في مجموعة واسعة دعوية تجتمع في مسجد الرحمة بمدينة نصر في القاهرة.
"القصة بدأت منذ نحو ثلاث سنوات، عندما قرر بعض الشباب ومنهم إسلام من سكان مصر الجديدة ومدينة نصر، التجمّع بشكل دوري في إحدى المساجد لقراءة القرآن والذكر ومحاولة التقرب من الله. وفّرت هذه الاجتماعات عناصر المعادلة الناجحة لخلق شاب يميل إلى التطرف "شاب متحمس + معلومات ركيكة عن الدين + إخوة يوافقونه على أفكاره". هذا ما حدث بالفعل، بدأت الفكرة تتطوّر من مجرد تجمع لقراءة القرآن في المسجد ودراسة الدين، إلى العمل على جذب الزملاء في الجامعة أو في العمل، ومن ثمّ الخروج بشكل منظم إلى أماكن تجمع الشباب ودعوتهم إلى الله وتذكيرهم بآيات الله، قبل دعوتهم إلى حضور دروس الدين في المسجد.
على الرغم من أن الدروس كانت مغلّفة بكلمات ظريفة وأمثلة مضحكة، وتتولّاها مجموعة من الشباب، فيمكن وصفها بأنها "سمّ في العسل". كانت تجعلنا دوماً نعتصر ألماً وندماً على ما فعلناه ونفعله. كان درس التفسير يقارن دوماً بين أفعال الرعيل الأول من الصحابة والتابعين، وكيف كانت الأمة قوية وصاحبة كرامة في أيامهم، مقارنة بما نحن فيه الآن من هوان وضعف في الدنيا وفي الدين. كانت هذه الدروس تشحننا بنوع من أنواع الغضب على كل شيء، وتجعلنا نشعر بأن الجميع لا يريدون لنا ولا للإسلام الخير.
كنا على اقتناع تدريجي بأن العالم ينقسم ثلاثة أقسام "أعداء الدين، ومفتونين في دينهم، وإخوة". ومع كل جلسة، كان عداؤنا لأعداء الدين ولكل من يقف في سبيل تحقيق عودة الإسلام الصحيح إلى الحياة من جديد يأخذ شكلاً أكثر حدة. العدو قد يكون أباك أو أمك أو أخاك أو صديقك، "لا تأمن لأحد أبداً لعله عدو وأنت لا تدري، وابتعد عن الشباب غير المتدين المفتون في دينه، وتقرّب ولازم الصحبة الصالحة التي تعينك على دينك ودنياك". كثيراً ما كان شعور التقصير والحزن ينفجر بداخلنا، وتعتصرنا الحسرة لأن الدين منهزم ويُحارب في كل مكان.
في هذه المرحلة، كان إسلام يكن شاباً لطيفاً يميل إلى الضحك، يهتمّ بمظهره الخارجي وبلياقته. لكنه برغم اللباقة التي يتحلّى بها، كان يبدو حاداً في خطابه، أثناء المناقشات في المسجد. جاءت المرحلة التالية من الدروس الدينية لتدخل إلى عقولنا فكرة "المسلم القوي". كان يجب على الجميع التدرب والتريض من أجل تحسين حالته الجسدية، لأن المسلم القوي أفضل وأحب إلى الله من المسلم الضعيف. النية الأولى والأهم كانت بالطبع "الاستعداد للجهاد"، وهنا تحديداً يبدأ طريق التطرف الحقيقي.
بعد أن اكتملت كل تلك العناصر، تحول أغلب هؤلاء الشباب المواظبين على الاجتماع في المسجد إلى إخوة يتشاطرون هماً واحداً، لا يفهمه الآخرون، ينتظرون الجهاد بفارغ الصبر، ولكن ما يمنعهم هو توفّر الوقت والموقف المناسب لاتمام ذلك.
خلال هذه الفترة، كانت الأحداث المعاصرة في المشهد المصري تساعد بشكل من الأشكال على تعميق هذا الشعور، فلا يخفى على أحد كمية الشحن العقائدي الذي كان يستخدمه الدعاة لوصف ما يحدث في مصر: الحرب على الدين وكراهيته، الإسلام في خطر… ظهرت في الأجواء كذلك ريح المعركة المفضلة لهذا النوع من الأفكار: "الحرب السنية- الشيعية"، تلك الحرب الأزلية والتي لا تجد شخصاً منهم إلا وقد تمنى أن يسقي الأرض من دماء الروافض "كارهي صحابة رسول الله". كان يتم إسناد هذا الغضب في المسجد خلال الاجتماعات بالفتاوى القديمة والكتب الأصولية مثل كتاب "فقه الجهاد" لإبن تيمية.
في هذا الوقت، كان سهلاً تهريب الشباب المتحمسين إلى أرض الجهاد للمشاركة في رفع راية الخلافة في أرض الشام والقضاء على "الروافض قاتلي السُنة هناك". بدأ إسلام في هذه المرحلة، عوضاً عن ارتياد النادي الرياضي الذي كان يواظب عليه، تعلّمَ الفنون القتالية. وصارت نبرة الاستكبار عنده تزداد، وصار ينظر إلى المخالفين والعاصين باحتقار كبير، ولا يتوانى عن التعبير عن ذلك أمام الجميع. أذكر مشادة بيني وبينه عندما كتب في إحدى المجموعات الدعوية على موقع فيسبوك "أنا مش عارف البنات عاوزة إيه عشان تتحجب، لازم يعني ربنا يصيبهم بسرطان وشعرهم يقع عشان يتحجبوا بالعافية". بعد أن أوضحت له أن هذه الطريقة منفرة جدّاً، اعتبر أن قولي هذا صدّ عن سبيل الله.
اختفى إسلام قبل أكثر من عام، ثم ظهرت صوره وقد أصبح عضواً في تنظيم داعش، يذبح ويقتل بكل سهولة ويسر وراحة بال. إسلام ليس وحده من تحول مثل هذا التحول، فقد عاصرت في مثل هذه المجموعة شاباً آخر انتقل إلى سوريا وقُتل فيها. مات وهو يحاول التسلل بسيارة مفخخة إلى إحدى كتائب المجاهدين الآخرين كي يفجّر نفسه فيها. هناك مئات بل آلاف من الشباب مثل إسلام وغيره في مصر، يملؤهم الغضب ويشحنهم يوماً بعد يوم الخطاب الطائفي. جالست شخصياً مشايخ يتحدثون عن جواز ذبح الأطفال..."
تم نشر المقال على الموقع بتاريخ 07.08.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 23 ساعةبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون