في المدن العربية القديمة كالقاهرة أو دمشق، أو بيروت، أو بغداد، قد تشعرون أن الطبيعة هي التي تفننت في بناء أحيائها العتيقة، من طول قدمها. لكن في شرم الشيخ، ستقفون أمام منجز حضاري لإنسان أنتم تعرفونه، حاول أن ينشئ مدينة أفلاطونية للراحة والترفيه، فجمع من شتات المدن أجمل ما فيها، ووضعها في مكان عبقري، عند ملتقى أفريقيا بآسيا، أكبر قارتين في العالم القديم، بجوار مياه زرقاء تشف الأخضر من تحتها، وتحرسها جبال بنية أو حمراء أو سوداء.
هيا بنا لنعش سوياً 48 ساعة من العشق في شرم الشيخ، مدينة الإنسان الجديد، الذي يحب ماضيه كما يعشق حاضره، والذي لم يكن يسمع العالم بها حتى ثمانينيات القرن العشرين، وربما التسعينيات، إلا أنها أصبحت ضمن أهم المدن السياحية في العالم.
la gazelle له طابع أوروبي مميز، وأسعاره غير مبالغ في ارتفاعها.
بعد وجبة السمك، لا تنسوا أن "تحبسوا" بكوب شاي بالنعناع، وحجرين معسل في قهوة المواردي، ولن تدفعوا أكثر من نصف دولار، وهي أسعار المقاهي العادية في القاهرة. لم لا؟ والمقهى يستمد اسمه من اسم الشارع الشهير بحي المنيرة في العاصمة المصرية.
يمكنكم أن تتجولوا في المنطقة لشراء هدايا تذكارية من هناك، فسعرها أقل من أماكن أخرى في شرم الشيخ، وإذا أردتم أن تكملوا سهرتكم في السوق القديم، اِصعدوا إلى مقهى الخديوي أو كاندل في حضن الجبل، لتشاهدوا المسرح الذي يتوسط منطقة المقاهي، ويشهد عروض رقص شرقي "رجالي" رائعة.
لو لديكم متسع من الوقت، وجسمكم لا يزال مشحوناً بالطاقة، يمكنكم الذهاب إلى منطقة خليج نعمة، حيث الممشى الشهير الذي تنتشر فيه المقاهي والمتاجر والمطاعم من الجانبين. وهناك يمكنكم أن تدخلوا إلى بار وديسكو "هارد روك" للرقص على موسيقى Commercial House أو Progressive House.
إذا كنتم من هواة الكحوليات، اشتروا ما تريدون من بازارات خليج نعمة، فتوفرون على أنفسكم أسعار الفندق الباهظة.
وإذا أردتم أن تقضوا ليلة شرقية ساخنة حتى الصباح، يحفها الدخان وصخب الأغاني الشعبية المصرية والرقص الشرقي فيمكنكم دخول سوليدير كافيه، المميز بألوانه الحمراء المحفزة للصخب.
أدرك أنكم مرهقون من تلك الليلة، ولكن نصيحتي ألا تطيلوا النوم، واستيقظوا مبكراً لتستمتعوا برحلة بحرية إلى جزيرة تيران. تستطيعون حجزها من أماكن متعددة في شرم الشيخ، وبالتأكيد ستجدونها ضمن برنامج شركة السياحة التي سافرتم من خلالها.
في الطريق إلى تيران، أنتم بين الماء والسماء، وكل ما هو حسن، قد تشاهدون الأسماك الملونة وهي تلهو وتقفز من الماء، وستجدون حفلة دي جي على اليخت، وغداء بحرياً، و قد يخطر في بالكم أن تقلدوا ليوناردو دي كابريو، أو كايت وينسلت، وتلتقطوا صورة على مقدمة اليخت.
سيقف بكم اليخت عند "المركب الغرقانة"، التي اصطدمت بالشعب المرجانية، وانشطرت لترسوا في هذا المكان، وتحاك حولها الأقاويل. فهناك من سيخبركم بأنها روسية وقد غرقت عام 1981، وهناك من سيقول إنها ألمانية وغرقت عام 1956... لا تشغلوا بالكم بهذا الحديث، وارتدوا ملابس الغطس ليصحبكم الغواص إلى داخلها، فتشاهدون كل محتوياتها بأنفسكم، أو اسبحوا إليها واصعدوا فوق متنها.
بعد تلك المحطة ستصلون إلى قرب جزيرة تيران، وإذا كنتم مهتمين بالسياسة، فلا تطلبوا من قائد اليخت أن يرسوا بكم إلى جانبها في هذه الأيام، لأنه سيخاف من قوات حرس الحدود التي تعتليها، وسيقف بك على بعد كيلومتر منها "على الأقل"، ولكنكم ستستمتعون برياضة السنوركلينج والغطس، وستشاهدون مخلوقات بحرية وشعباً مرجانية لن تروا مثيلاً لها إلا في شرم الشيخ.
ستعودون إلى الفندق عند غروب الشمس وأنتم مرهقون، ونصيحتي ألا تناموا كثيراً، فالسهرة في ميدان سوهو " soho square" لا تفوّت.
في سوهو، المستقى اسمه من الميدان اللندني، أنتم في قلب أوروبا، في قلب الإبهار والنور... بعد أن تتمشوا أمام البازارات، وتسيروا في قلب الممشى الشهير الذي تعتليه الأضواء الملونة، وتجلسوا على مقهى Heineken الذي تتناولوا فيه البيرة من الصنبور "لو أردت"، لا يفوتكم أن تشاهدوا عروض النافورة الراقصة وتشاهدوا عروضاً لرقصات التانجو والباليه والاستعراضات المتنوعة على مسرح سوهو.
قبل أن تغادروا سوهو يمكنكم شراء هدايا تذكارية من منطقة بازارات خان الخليلي، التي تحاكي الحي القاهري الشهير، إن كنتم من هواة اقتناء التحف.
ناموا باكراً في هذه الليلة، لأن رحلة سفاري رائعة تنتظركم بعد الفجر. لتشاهدوا قرص الشمس وهو يصعد من خلف جبل موسى، لتتذكروا النبي موسى، حين وقف في المكان نفسه منذ آلاف السنين، ليتلقّى الوصايا العشر. وبعد أن تطمئنوا أن قرص الشمس قد نثر ضياءه على الدنيا، يمكنكم مجالسة البدو من سكان المنطقة واحتساء الشاي البدوي المغلي على نار الفحم.
لا يزال اليوم في أوله، فلتنطلقوا بعد العودة من السفاري إلى أي من شواطئ شرم الشيخ المتعددة، لتستمتعوا بحمام الشمس بجوار البحر، ويا حبذا لو كان ذلك في شاطئ الفنار، الغني بالشعاب المرجانية والأسماك الملونة، التي سيكون من المريح أن تراها عيناكم بعد أن ظلتا مغمضتين أو مختفيتين خلف النظارة السوداء، أثناء عبث الشمس اللذيذ بجلدكم.
انتهت الـ48 ساعة، ولم تفصح شرم الشيخ إلا عن بعض أسرارها، ونحن مضطرون إلى المجيء إليها مرات ومرات كي تخبرنا عن المزيد.
إذا كنتم من خارج مصر، وساقتكم الظروف لزيارة القاهرة أولاً، فننصحكم بألا تركبوا الطائرة لدى ذهابكم إلى شرم الشيخ. صحيح أن الطريق من العاصمة المصرية إلى مدينة السلام، كما يطلق عليها، يمتد مسافة 500 كيلومتر، وقد يستغرق نحو 8 ساعات في الحافلة، إلا أن السير بمحاذاة ساحل البحر الأحمر، من بعد عبور نفق الشهيد أحمد حمدي، سيجعلكم ترون سواحل رأس سدر، ومرتفعات وأودية أبورديس وأبوزنيمة ورأس محمد، وهي مشاهد ستشعركم أنكم تسيرون داخل لوحة فنية تجمع بين البني والأصفر والأزرق، لن تخرجوا منها إلا بوصولكم إلى الفندق.
أقرب مكان للسهر بالقرب من هضبة أم السيد، هو منطقة السوق القديم، وهناك ستشعرون أنكم في القاهرة الفاطمية، خصوصاً بعد تشييد مسجد الصحابة، إذ يطغى الطابع الإسلامي على غالبية المحلات هناك.
في بداية سهرتكم، تناولوا عشاءكم أولاً، وفي السوق القديم ستجدون مطاعم سمك مميزة، مثل فارس أو الفيروز، لكن مطعم رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 22 دقيقةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 6 ساعاتحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com