شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"الإباضية": لسنا من الخوارج ودافعنا عن الإسلام ضد الصليبيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 1 يوليو 201702:46 م

أسئلة كثيرة تحيط بملف المذهب "الإباضي" وأتباعه "الإباضيين"، ورغم أن أتباع هذا المذهب يعيشون في الشرق الأوسط منذ مئات السنين، إلا أن تفاصيل وافرة عنهم قد لا تكون معروفة للكثيرين. من هذه الأسئلة على سبيل المثال: كيف ومتى ظهر المذهب الإباضي؟ ما هي أبرز ملامح فكرهم؟ وما هي علاقتهم بالخوارج والسنة والشيعة؟ بدايةً، لماذا المعلومات المتاحة عن الإباضية محدودة؟ يجيب الشيخ الباحث الإباضي التونسي فرحات الجعبيري قائلاً لرصيف22: "إن الاضطهاد الذي تعرض له الإباضيون عبر تاريخهم أدى إلى ظهور إمامة الكتمان. فعندما تكون السلطة بأيدي غيرهم يقيم الإباضيون نظاماً داخلياً للحفاظ على كيانهم يعرف بنظام الحلقة، وهكذا كتموا كثيراً من المعلومات عن حقائقهم نتيجة ضغط الحجاج بن يوسف الثقفي ومن جاء بعده". وأضاف أن هذا الكتمان وهذا التخفي جعلا الناس لا يعرفونهم معرفة جيدة وجعلا آخرين يكتبون عنهم من الجانب السياسي، والجانب السياسي يعتبر أن هؤلاء أهل ثورة وأنهم ضمن ما يعرف بالخوارج، وهي كلمة أطلقتها الدولة الأموية ضد مَن خالفها في السياسة. وحول عددهم ومناطق تركزهم حالياً يقول الشيخ الجعبيري: "الإباضية لا يزيد عددهم عن خمسة ملايين، يتركزون في سلطنة عمان حيث يمثلون غالبية السكان، وفي منطقة جبل نفوسة وزوارة في ليبيا، وجزيرة جربة بتونس، ووادي مزاب في الجزائر، وفي الشتات بجزيرة زنجبار في تنزانيا بشرق إفريقيا، ومالي، والعاصمة الفرنسية باريس".

النشأة والاسم

حول نشأة المذهب الإباضي يقول الشيخ علي يحيى معمر، وكان من أقطاب الإباضية بليبيا، في كتابه "الإباضية في موكب التاريخ" الصادر عن مكتبة الضامري عام 2008 إن المعلم الأول لهذا المذهب هو جابر بن زيد، وهو من كبار التابعين الذين نشروا الثقافة الإسلامية في القرن الأول الهجري، وقد عاش ما بين سنتي 21 و96 للهجرة النبوية. وتابع: "كان بن زيد محدثاً وفقيهاً وإماماً في التفسير والحديث وكان من أخص تلاميذ ابن عباس، وروى الحديث عن أم المؤمنين عائشة، وعدد كبير من الصحابة ممن شهدوا غزوة بدر". وأشار إلى أن ما اشتهر عند المؤرخين من نسبة الإباضية إلى عبد الله بن إباض نسبة عرضية سببها المواقف الكلامية والسياسية العلنية التي اشتهر بها ابن إباض". وحول هذا الموضوع يقول الباحث الشيخ فرحات الجعبيري إنه بعد معركة صفين والتحكيم انقسم المسلمون إلى ثلاث فرق، الأولى موالية لعلي بن أبي طالب والثانية موالية لمعاوية بن أبي سفيان والثالثة بقيادة عبد الله بن وهب الراسبي والتي رفضت التحكيم وأطلقت على نفسها المحكمة غير أن الأمويين أطلقوا عليها الخوارج. ومضى يقول إنه في عام 64 هجرية اختلف عبد الله بن إباض، وكان من زعماء المحكمة، مع زعماء الفرقة الآخرين مثل نافع بن الأزرق وعبد الله بن صفار، الذين اتجهوا في الحكم على مَن يخالفهم من المسلمين بالشرك، وهو ما رفضه ابن إباض وجابر بن زيد، ويعد الأول الواجهة السياسية والثاني المؤصل الفكري للإباضية. وأضاف: "كانت تسمية الإباضية أهل الدعوة والاستقامة، ولكن سماهم الأمويون الإباضية على خلفية مراسلاتهم مع ابن إباض، وقد قبل الإباضيون بالتسمية لأنهم يعترفون بإمامة ابن إباض".
شيخ إباضي يجيبنا عن كل أسئلتنا عن هذا المذهب الذي نجهل عنه الكثير
الروافد الفكرية للإباضية تتشابه مع بقية الفرق الإسلامية، فهي القرآن والسنة والرأي والاجتهاد وليس لهم كتاب خاص

قضايا فكرية

يقول الشيخ علي يحيى معمر في كتابه المذكور إن أغلب المشاكل التي اختلفت فيها الأمة نشأت في الثلثين الأخيرين من القرن الأول الهجري، وقد حصر العلامة الشهرستاني هذه المشاكل في أصول كبار، كما يقول، وهي: الصفات والتوحيد فيها، والقدر والعدل، والوعد والوعيد، والسمع والعقل، والرسالة والأمانة. ويقول الشيخ معمر إن الإباضيين، وفي مقدمتهم الإمام الأكبر جابر بن زيد، درسوا هذه القضايا وانتهوا فيها إلى الرأي والمذهب الذي اقتنعوا بصحته، مما يوافق كتاب الله وسنة رسوله. ويتابع: "اتخذ الإباضية الأصل الأول لمذهبهم وهو تنزيه الله عن مشابهة الخلق، استناداً إلى الآيات المحكمات. وما ورد في القرآن الكريم مما يوهم التشبيه، فإنه يجب الإيمان به أنه من عند الله، وتؤول الآيات الموهمة للتشبيه بما يقتضيه المعنى من السياق كتأويل الاستواء بالاستيلاء، واليد بالقدرة، وما إلى ذلك". ويضيف: "وفي قضية القدر رأى الإباضية أن الإيمان لا يتم حتى يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره أنه من الله "أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر" (الأعراف: 54)، وللعبد حق الاكتساب والاختيار". ويستطرد: "هكذا استقرت آراء الإباضية في أكثر مسائل الخلاف على الأصول المستمدة من القرآن والحديث، وقد رجع الإمام الأكبر في كثير من هذه المسائل إلى آراء الصحابة كعبد الله بن عباس، وعائشة أم المؤمنين، كما وقع في مسألة رؤية الباريء ليلة الإسراء حين قالت: مَن زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية".

 جامع اباضي في منطقة سدويكش في تونس

ومن جانبه، يقول الشيخ الجعبيري إن الروافد الفكرية للإباضية مع بقية الفرق الإسلامية واحدة، فروافد الإباضية هي القرآن والسنة والرأي والاجتهاد وليس لهم كتب بعينها ولا يحتفلون بأعياد تختلف عن تلك التي يحتفل بها باقي المسلمين. ويشير إلى أن القضايا الفكرية نوعان، عقيدية وهذه يتفق فيها الإباضية مع غيرهم من الفرق الإسلامية، وكلامية وهنا يوجد خلاف في ما يتعلق بالذات والصفات والقول بالتنزيه ومسألة الشفاعة في الآخرة، إذ يرون أن هناك الشفاعة العظمى والوعد والوعيد. وبرأيه، الفروق والخلافات تتعلق بقضايا كلامية فقط.

الخلافة والخوارج

يقول الشيخ معمر في كتابه الإباضية في موكب التاريخ: "كان جابر بن زيد قد اتخذ من البصرة مقراً له وكانت قضية الخلافة من القضايا التي مرت عليه، ودرسها دراسة مستفيضة عميقة، وانتهى فيها إلى رأي ثابت مبني على روح العدالة في الإسلام ومستمد من القرآن الكريم، ومستند على سيرة السلف من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام". وأوضح: "كان يرى أن الخلافة أهم مرافق الدولة، وأعظم مظهر للأمة وأقوى سلطة تشرف على تنفيذ أوامر الله وتطبيق أحكام الكتاب الكريم، وهي بهذا الوصف لا يمكن أن تخضع لنظام وراثي، ولا أن ترتبط بجنس أو قبيلة أو أسرة أو لون، وإنما يجب أن تشترط فيها الكفاءة المطلقة، الكفاءة الدينية، والكفاءة الخُلقية، والكفاءة العملية، والكفاءة العقلية، فإذا تساوت هذه الكفاءات في مجموعة من الناس، أمكن أن تجعل الهاشمية أو القرشية أو العروبة من أسباب المفاضلة، أو من وسائل الترجيح، أما في غير ذلك فليس لها حساب". وتابع: "وفي هذه النقطة يلتقي رأي الإباضية برأي الخوارج، ومن هنا زلق بعض المؤرخين، فحسبوا أن الإباضية فرقة من الخوارج، دون أن يجهدوا أنفسهم في الاطلاع على بقية الأصول والآراء، رغم أن توافق فرقتين على رأي معين لا يجعلهما فرقة واحدة". ولكن كيف يفسر الإباضية وجود أسر إباضية حاكمة مثل الأسرة البوسعيدية في سلطنة عمان؟ يرد الشيخ الجعبيري: "إن الإمامة شورى يتولاها مَن تتوفر فيه شروط العدالة مهما كان نسبه أو جنسه، وهذا عكس ما قاله الأمويون بأن الخلافة في قريش أو ما قالته جماعة علي بن أبي طالب بأن الخلافة في ذرية علي. فنحن الآن في الخطوة الأولى لا قرشية ولا علوية وتم تطبيق ذلك في الإمامات الأولى في عمان. ورداً على مَن يقول إن الإباضية من الخوارج، قال الشيخ سعيد بن ناصر الناعبي القاروتي، وهو من شيوخ الإباضية في سلطنة عمان، لرصيف22: "أعجب من الذين يرمون الإباضية بالخوارج مع أن الإباضية تبرأوا منهم وقاتلوهم عندما بغوا عليهم، والإباضية لم يسفكوا دم موحد إلا إذا اعتدى عليهم، والثورات التي قام بها الإباضية في المغرب العربي كانت هادئة لم يسفكوا فيها دماً بغير حق".

تعتبر الإباضية أن الخلافة لا يمكن أن تخضع لنظام وراثي، ولا أن ترتبط بجنس أو قبيلة أو أسرة، إذ أن معيارها الأساسي الكفاءة المطلقة... ولكن كيف يفسر الإباضية وجود أسرة حاكمة في سلطنة عمان؟

ومضى الشيخ القاروتي يقول: "في المقابل نجد الذين يقاتلون الإباضية ويتغلبون عليهم يقومون بنهب أموالهم ونسف دورهم والتمثيل بجثث قتلاهم وحرق كتبهم، وقد قال الشيخ نور الدين السالمي (أحد أقطاب مشايخ المذهب الإباضي في سلطنة عمان في الربع الثالث من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين) في كتابه تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان: "فلما تمكنت العجم في نزوى وضعوا عليها الخراج وعذبوا أهلها بأنواع العذاب وقتلوا الرجال والنساء الكبار والأطفال الصغار وحملوا من النساء من أرادوه وفعلوا في نزو%8


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image