تعددت طقوس الزواج في الثقافات العربية المختلفة، ومع ذلك ما زالت ليلة الحناء (أو الحنة) تستحوذ على الأهمية الكبرى بين كل تلك الطقوس، خصوصاً بالنسبة للعروس وأهلها. كيف تعرّف العرب على ثقافة "الحنة"؟ وبمَ تختلف هذه الطقوس بين حضارة وأخرى؟ تعالوا نتجول بين السودان والمغرب والسعودية والإمارات وعمان ومصر، لنلقي نظرة على نقوش الحناء لفتيات يتهيأن لدخول إحدى أهم مراحل حياتهن، كما يراها البعض.
الحنة القديمة
"الحنة نبات مصري قديم كان يستخدم في الرسم كلون في رسوم الفراعنة، لأنه يتمتع بقدرة على الثبات"، يؤكد الباحث مسعود شومان، رئيس تحرير سلسلة الدراسات الشعبية. فالحنة توجد في كتابات المصريين القدماء، إذ استخدموها في الأظافر وصبغة الشعر كما نلاحظ في عدد من المومياءات. كما أن لون الحنة راق للمصريين، فاستخدموه للزينة كنوع من التحصن من العين والحسد.
يعتقد بأن المصريين عرفوا الحنة من خلال الأسطورة التاريخية "إيزيس وأوزوريس"، حين قتل "ست" أخوه "أوزوريس"، فقامت زوجته "إيزيس" بجمع أشلائه، وغرقت يداها بدمائه وصبغت باللون الأحمر. فاعتبر المصريون أن هذا اللون هو رمز وفاء كل زوجة لزوجها واعتمدت النساء صبغ يديهن بالحنة.
يقول شومان: ربما طقس الحنة فيه عنصر أسطوري، خصوصاً أن أساطير كثيرة تعود إلى أسطورة إيزيس وأوزوريس، في حين تستخدم الحنة في طقوس الزواج بليلة الحنة، كرمز لآخر يوم للعروس وكمرحلة انتقالية لحياة جديدة مع عريسها.
الحنانة
هي المرأة التي تقوم بعجن الحنة وتجهيز صينية الحنة، ونقشها للعروس في الليلة المنتظرة. في صعيد مصر، تكون الحنانة امرأة كبيرة السن، تردد الأغاني المميزة للعروس، وهي تقوم بنقشها. بينما في البلدان العربية الأخرى، قد تكون الحنانة فتاة صغيرة، أو تعمل في صالون تجميل ببساطة.
سابقاً كانت الحنانة لا تحصل على أموال مقابل تلك الليلة، بينما أصبحت الآن مهنة تقوم بها السيدات، فتغدو ليلة الحنة تجارية، مثل غيرها من الليالي المرتبطة بالاحتفال بالزواج، وأصبح للحنانة مساعدات.
ليلة الحنة التقليدية
تجتمع النساء وصديقات العروس والمقربون منها في منزل العائلة، يتراقصون على نغمات الأغاني الشعبية المصرية، تتعالى ضحكاتهم، وهمساتهم، ولمزاتهم عن يوم غد بالنسبة للعروس، وتستمر السهرة إلى منتصف الليل عادة، وأحياناً حتى الصباح، خصوصاً في فصل الصيف.
في نهاية السهرة تأتي الحنة وسط "صينية" تحيط جوانبها الشموع، تحملها إحدى أقارب العروس، ولا تكف عن "الزغاريد"، ثم تقوم إحداهن بوضع الحنة على كف العروس، وبكعب رجلها، وتكون النقوش عبارة عن قلب أو وردة أو دائرة بسيطة تتوسط كف العروس.
أحدث الصيحات التي دخلت على ليلة الحناء ارتداء العروس أزياء حضارات أخرى كالهندية والسودانية والخليجية
تحولّت ليلة الحناء التقليدية إلى تجارة لها فرقها الخاصة، والسعر يصل إلى 165$ في مصر وحدها
تقوم صديقات العروس بوضع الحنة أيضاً على بشرتهن، ثم ينصرف الجميع وتبقى المقربات منها مثل عماتها وخالاتها، ليكملن الجلسة فتسرد كل منهن فيها ذكريات يوم حنتها، ويتذكرن طفولة العروس، وطبعاً لا تخلو ليلة الحنة المصرية من النكات والضحكات، وختامها إعطاء العروس بعض النصائح الخاصة بليلة الزفاف.
يقول شومان إن التحني يحصل من قبل أهل العروس كنوع من التبرك والمشاركة و"الفال الحسن"، بينما تعد الحنة لصديقات العروس ذات أهمية أخرى، إذ يمارسن طقس التحني للحاق بالعروس والزواج بعدها مباشرة. فتقوم صديقات العروس بوضع الحنة على أيديهن ثم "قرص العروس بركبتها"، تمثلاً بالمثل المصري الشهير: "اقرصيها في ركبتها تحصليها في جمعتها".
ولليلة الحنة أماكن مشهورة في مصر مثل ليلة الحنة السويسي، التي تقام للعروس في محافظة "السويس"، وما زالت تمارس فيها طقوس ليلة الحنة التقليدية، فتعجن الحنة وتقدم في صينية مليئة بالشموع، ويقوم الحاضرون بوضع النقطة على صينية الحنة، وتكون عبارة عن نقود فضة، يتحنين بها ويقمن بالرقص بصينية الحنة على أنغام السمسمية (آلة موسيقية مشهورة في محافظه السويس).
صيحات الحنة الجديدة
ظهرت فرق تحيي ليلة الحنة للعروس، وتتسارع كل منها لوضع صيحات وموضة جديدة لتلك الليلة. تتكون فرقة إحياء ليلة الحنة، من المصممة، ومهمتها نقش الحنة للعروس وصديقاتها وأهلها، ودي جي (موزع أسطوانات) تتنوع أغانيه حسب ما تفضل العروس ليلتها، صعيدية أو هندية أو خليجية، وثلاث فتيات يقمن بالرقص وعمل عرض للعروس، وإحداهن تلبس العروس الأزياء المتعددة.
تقول روينا الليثي، متخصصة في إحياء ليلة الحنة للعروس، إن أحدث الصيحات الجديدة التي دخلت على ليلة الحنة المصرية هي ارتداء العروس أزياء حضارات أخرى، كالهندية والسودانية والخليجية والأفريقية. وهناك فتيات ينظمن ليلة الحنة على الطريقة الصعيدية والنوبية بكل التقاليد والطقوس المصرية. وقد لوحظت مؤخراً عودة "برقع" الحارة الشعبية المصرية القديمة للصيحات الجديدة، بينما صيحات النقوش الحديثة هي الكتابة بالحنة على الأيدي كعبارات الحب، والرسوم الفرعونية وغيرها.
وفق الليثي، تراوح تكاليف ليلة الحنة على شكلها الحالي بين 1500 و3000 جنيه (85$ و165$).
للحنة في السودان قدسية خاصة
تختلف ليلة الحنة في السودان عن سائر العادات، فتقوم العروس بالاستعداد لزفافها قبل ليلة الزفاف بأربعين يوماً، وفي ليلة الحنة ترتدي ثوبها الجديد، وتأتي الحنة على صينية مليئة بالشموع، وتبخر العروس بالصندل والمسك وعطور سودانية لترقيتها وتحصينها من الحسد والسحر.
تقول ثريا إدريس، وهي سودانية متخصصة في إحياء هذه الليلة: "للحنة في السودان قدسية خاصة ليس فقط بليلة الحنة، فمن عادات المرأة السودانية أن تضع الحنة دائماً، بينما العروس يتم نقشها ببعض النقوش للتفاؤل بحياتها الجديدة كخلخال على رجلها وأساور في أيديها".
ليلة الحنة ببلاد المغرب العربي: للفتيات فقط
تقول حياة لمهل التي تسكن مدينة البيضاء في المغرب: "ليلة الحناء في المغرب تبدأ منذ الصباح ولا تقتصر على الاحتفال في المساء، فتذهب العروس في الصباح الباكر مع العازبات من فتيات العائلة إلى الحمام المغربي التقليدي، وتقوم بكرائة (حمام العروسة)، الذي يتم خلاله حمل الشموع داخل الحمام وتزف العروس بالصلاة. مكونات الحمام هي ورد وحناء وغاسول وماء ورد وصابون مغربي وليفة، ولا يمكن أن تقوم العروس بحمامها من دون هذه المكونات، فقد توارثناها عن آبائنا بالمغرب".وتستكمل لمها: "في المساء يتوافد المدعوون إلى منزل أهل العروس، وهم من الفتيات فقط، فلا يحضر الرجال الاحتفال بليلة الحنة، وترتدي العروس القفطان المغربي، الذي يكون عادةً لونه أخضر، وتضع مكياجاً بسيطاً، وتسريحة شعر عادية، فتفضل أن تحتفظ بظهورها المتكامل والمتألق أكثر ليوم الزفاف. وتحضر "النقاشة" حنة العروس (حليب، بيض، شموع، قالب سكر) وتبدأ بنقش يد العروس ورجليها، وتكون المرة الأولى التي تضع فيها الفتاة حنة على رجلها، إذ من غير اللائق أن تضع المرأة المغربية الحنة على رجلها، وتكون نقوش الحناء عبارة عن اشكال هندسية وطرز الرباطي، وسط الأغاني والزغاريد".
وتروي لمهل أن طقوس ليلة الحنة هي نفسها في جميع جهات المغرب، كما في بلاد المغرب العربي، مع اختلافات طفيفة في شكل اللباس والأشياء المصاحبة لطقس الحنة.
للسعودية ليلة حنة أكثر تحرراً
دخلت العديد من الصيحات الجديدة على ليلة الحنة في السعودية، فأصبحت العروس ترتدي القفطان المغربي المطرز، وتظهر كاشفة الرأس والوجه. وبدأت تتفن في قصات شعرها وارتداء الكثير من الحلي والذهب. وتسيطر التصاميم الهندية على كوشة العروس وكذلك نقوش الحنة على يديها ورجليها. بينما ليلة الحنة التقليدية، كانت تقام في السعودية في اجتماع أهل العروس وصديقاتها، ويتم نقش الحنة للعروس داخل "خيمة" مصنوعة من الستار داخل المنزل، ولا يراها أحد من المدعوات ولا تدخل عليها سوى "الحنانة" لوضع الحنة لها.
العريس مسموح في الإمارات
على عكس طقوس ليلة الحناء في الدول العربية التي تمنع "العريس" من حضور حفل ليلة الحنة، يحضر بالفعل العريس في دولة الإمارات، ويقتصر الحضور على شقيقات العروس ووالدتها والعريس وشقيقاته ووالدته. وتأتي نقاشة الحنة، تضع الحنة علي يدي ورجلي العروس وتقوم بربطها بقطعة قماش خضراء، يليق مع ثوبها الأخضر المطرز.
عمان لا تقيم حنه للعروس
تقول عزة المحمودي: "في عمان، لا يحتفل الحضر بليلة الحنة بل تذهب العروس إلى صالون التجميل وتضع الحنة فيه، ولا يراها أحد قبل يوم الملكة والزفة، التي تقام في قاعة المناسبات. وتروي أن البلوش والعمانيين الموجودين في عمان، يحتفلون بليلة الحنة وتكون العروس أيضاً حنيت من قبل، لكن ترتدي ثوباً أخضر وتجلس على كوشة خضراء، من دون إظهار وجهها. وأهل العريس يأتون بالحنة ويضعونها خفيفاً على رجليها حتى لا تضيع ملامح حنتها التي وضعتها من قبل، ويقوم أهل العريس بوضع النقود على رجليها ثم يعودون إلى منزل العريس لاستكمال مراسم الحناء الخاصة به".
يقول شومان إن طقوس ليلة الحنة في المنطقة بالإجمال تأخذ شكل الزينة أكثر من أي شيء آخر، فلا تتميز بعمق تراثي معين، عكس الطقوس في مصر، إذ تُعدّ جذوراً اعتقد بها الآباء وتوراثها الأبناء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...