منذ إعلان تنظيم داعش قيام ما أسماه "الخلافة" في العراق والشام، في 29 يونيو 2014، ترددت شائعات كثيرة عن مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي، أو القبض عليه، أو على الأقل جرى تداول أخبار عن هروبه من مكان إلى آخر.
هذه الشائعات وجدت في الصحافة والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي أرضاً خصبة للانتشار. إلا أنه في الآخر يتضح أنها كاذبة. فما مبررات تلك الشائعات، وما تأثيرها، وهل لدى التنظيم ما يمنع من إعلان مقتل زعيمه أو القبض عليه، بحال حدث ذلك، ولماذا يفشل التحالف الدولي في القضاء على داعش حتى الآن؟
2017... هل تكون الشائعة الأخيرة؟
يعتبر ما أعلنه المكتب الإعلامي للأمين العام للدائرة الأوروبية للأمن والمعلومات، عبر موقعه الإلكتروني، من أن لديه معلومات دقيقة عن اعتقال روسيا للبغدادي في شمالي سوريا، أحدث حلقة في مسلسل اعتقال البغدادي. وعلقت وزارة الخارجية الأمريكية على الاعتقال المحتمل من الجانب الروسي بالقول إنه ليس لديها معلومات عن مكان زعيم تنظيم داعش، ولا توجد أدلة على ما أذيع. وكانت وكالة الأخبار الروسية سبوتنيك أول من نشر الخبر، إلا أن وزارة الخارجية الروسية نفت، ثم أكد الرئيس السوري بشار الأسد النفي، مشيراً إلى أن سيطرة التنظيم على الحدود السورية العراقية تجعل البغدادي في مأمن. وفي 12 فبراير 2017 ترددت أنباء عن إصابة البغدادي، إذ قال مصدر أمني عراقي، إن البغدادي أصيب مع عدد من قادة التنظيم في غارة نفذها طيران التحالف الدولي في القائم، غرب محافظة الأنبار. وفي 8 مارس 2017، نقلت وكالة رويترز أن مسؤولين أمريكيين وعراقيين يعتقدون أن زعيم "داعش" ترك معركة الموصل لقادة ميدانيين من أتباعه، وأنه يختبئ في الصحراء، حيث يتركز اهتمامه على بقائه حياً.2014... بداية شائعات مقتل البغدادي بصورة مزيفة
في السادس من سبتمبر 2014 تداول مستخدمو موقع تويتر صورة قالوا إنها للبغدادي بعد مقتله في إحدى الغارات الأمريكية على معاقل التنظيم في تلعفر شمال العراق، بعد رصد مكالمة هاتفية له مكنت القوات الأمريكية من تحديد مكانه. وفي الثامن من أكتوبر 2014، ذكرت تقارير إعلامية كردية، أن وحدات حماية الشعب الكردية تمكنت من قتل البغدادي في معارك دارت بين المقاتلين الأكراد ومقاتلي داعش في أطراف مدينة كوباني (عين العرب). وفي العاشر من نوفمبر 2014، تجددت الشائعة إثر غارة أمريكية استهدفت قياديي التنظيم قرب الموصل، إلا أن وزارة الدفاع الأمريكية قالت إنه لا يمكن تأكيد مقتل البغدادي، في حين أعلن وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، أن البغدادي أصيب في الغارة. وفي الحادي عشر من نوفمبر نفى التنظيم نبأ مقتل البغدادي، إثر قصف جوي على أحد اجتماعات التنظيم، وأكد أن البغدادي حي يرزق، وأن كل ما نشر مجرد شائعات يروجها الإعلام الغربي بهدف جمع أكبر عدد من المعلومات على أمل الوصول إلى مكان البغدادي. إلا أن تغريدة منسوبة للناطق باسم التنظيم أبو محمد العدناني، كشفت إصابة البغدادي.2015... إصابة في العمود الفقري
في 20 يناير 2015، قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إن البغدادي أصيب في ضربة جوية عراقية غربي الأنبار، موضحاً "أنه جرح في بلدة القائم في ضربة جوية عراقية، حيث كان في المكان وانتقل إلى مكان ثان". وفي السابع من نوفمبر 2015، كشف مصدر في محافظة نينوى العراقية، عن هروب البغدادي وعدد من قادة التنظيم من الرقة السورية إلى المحافظة العراقية بعد اشتداد القصف على معقله. وفي 21 أبريل 2015، كشفت الغارديان البريطانية، نقلاً عن مصدر عراقي ودبلوماسي غربي، أن البغدادي أصيب بجروح خطيرة في غارة جوية للتحالف غرب العراق، وذكرت الصحيفة نفسها يوم الجمعة 1 مايو 2015، أن البغدادي أصيب في عموده الفقري ويخضع للعلاج من جانب طبيبين يتوجهان إليه من الموصل إلى مخبئه، وأن الجراح التي أصيب بها في غارة جوية في 18 مارس 2014 لن تسمح له بالاستمرار في قيادة التنظيم. إلا أن التنظيم أصدر الخميس 14 مايو تسجيلاً صوتياً نسب إلى زعيمه أبي بكر البغدادي، دعا فيه أنصاره للانضمام إليه أو حمل السلاح أينما كانوا في أنحاء العالم. وفي الحادي عشر من أكتوبر 2015، قال الجيش العراقي إنه استهدف موكباً لزعيم داعش بغارة جوية على الحدود مع سوريا، لكنه لم يحدد مصير البغدادي. وفي 14 أكتوبر 2015، قالت مصادر خاصة نقلاً عن تقارير استخباراتية، إن البغدادي أصيب بجراح خطيرة في غارة للطيران الحربي العراقي قرب الحدود السورية العراقية وبالتنسيق مع الدولة السورية. وفي التاسع من ديسمبر 2015، قالت وكالة أنباء فارس الإيرانية، إن البغدادي هرب من العراق إلى مدينة سرت الليبية، خوفاً من الغارات التي تشنها أمريكا بشكل منتظم على مواقع التنظيم في العراق وسوريا. وتبددت شائعات 2015 في 26 أكتوبر، إذ ظهر البغدادي بعد غياب عدة أشهر، في كلمة صوتية بثتها مؤسسة "الفرقان"، إحدى المؤسسات التابعة للتنظيم الإرهابي، هاجم فيها دول التحالف الغربي، وهدد السعودية وإسرائيل بشن عمليات إرهابية.ما مبررات كل هذه الشائعات عن مقتل زعيم داعش أبي بكر البغدادي، وهل نسمع الإشاعة الأخيرة قريباً؟
نسمع خبر موته ثم يعاود الظهور مجدداً... ما سبب قدرة البغدادي على الهرب؟
2016... إيران وإسرائيل على خط الشائعات
يوم السبت الثاني من إبريل 2016، نشرت وكالة الأخبار الإيرانية تنسيم، نقلاً عن صحيفة "علام هزيه" الإسرائيلية، أن قوات روسية خاصة تمكنت بالتعاون مع قوات النظام السوري، من محاصرة البغدادي على الحدود السورية، والقبض عليه، ثم نقلته سراً إلى قاعدة "حميميم" الروسية في سوريا. وفي 14 يونيو 2016، تداولت وسائل إعلام وصفحات إلكترونية خبر مقتل البغدادي بقصف جوي نفّذه التحالف الدولي في ريف الرقة. وفي 20 نوفمبر 2016، قالت اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى، إن البغدادي هرب إلى سوريا قبيل انطلاق معارك تحرير تلعفر على يد الحشد الشعبي، خشية إغلاق آخر منفذ لداعش إلى سوريا. أما في 17 أكتوبر 2016، فأفادت وسائل إعلام عراقية بأن مكبرات صوت تحملها إحدى سيارات الشرطة جابت شوارع رئيسية في الموصل، وهي تعلن هروب البغدادي باتجاه الرقة السورية واعتقال زوجته، مؤكدين أن حكم البغدادي على الموصل انتهى.من يطلق الشائعات وما مبرراتها وتأثيرها؟
يرجح الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، ماهر فرغلي، أن العراقيين وراء شائعات مقتل البغدادي، لأن معظمها يأتي من حكومتهم، مشيراً إلى أن الحرب مع داعش شاملة، وجزء منها الحرب الإلكترونية وحروب الجيل الرابع، وتأتي الشائعات بهدف التأثير النفسي على عناصر التنظيم وأنصاره في محاولة لهدمه إلكترونياً. أما خبير شؤون الجماعات المتطرفة، أحمد بان، فيرى أن ترويج الشائعات تكتيك معروف لتفتيت التنظيمات الإرهابية، وتأتي شائعات مقتل البغدادي على أمل التأثير في نفوس باقي عناصر التنظيم وإضعاف معنوياتهم، وهذا أمر شائع في الحروب الاستخباراتية. ويقول بان إن للشائعات جانباً إيجابياً في التأثير على معنويات التنظيم، ما قد يدفعه إلى تغيير خطط التأمين، وهذا قد يساعد في رصد أماكن تواجد القيادات، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن لها سلبيات، فهي تعزز روايات التنظيم الإرهابي على حساب الروايات الرسمية بسبب كذبها طوال الوقت.كيف نتأكد من صحة الأخبار الخاصة بمقتل البغدادي؟
فرغلي يرى أنه لا بد من أن يكون التعامل مع هذه التنظيمات من خلال مصادر موثوق بها ويكون الإعلان رسمياً، كما حدث حينما خرج رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وأعلن مقتل وزير الحرب لدى داعش أبو عمر البغدادي. أما بان فيقول إن التأكد يكون بالنعي الرسمي من التنظيم، وأي تصريح آخر يتم التعامل معه بحذر إلى حين صدور تأكيد من التنظيم نفسه.ما المانع من أن يعلن داعش مقتل البغدادي؟
في الإعلان عن مقتل القيادات في التنظيمات الإرهابية مدرستان، الأولى ترى ضرورة الإعلان وتنصيب قيادة بديلة بسرعة، تجنباً للفراغ القيادي، أما الثانية فهي ترى ضرورة تكوين دائرة للقيادة وحجب خبر القتل حتى لا يؤثر على عناصر التنظيم بالسلب، فالقيادة في مثل هذه التنظيمات تلعب دوراً محورياً، وشائعة القتل تؤثر إلى حد كبير، ما قد يدفع القيادات إلى الاقتتال على المنصب. هكذا يرى بان. ويرى فرغلي أنه لو قتل البغدادي أو قبض عليه سيعلن التنظيم ذلك من دون تردد، "والدليل ما حدث في موت أبي مصعب الزرقاوي وأبي عمر البغدادي، لأن التنظيمات الإرهابية لا تتأثر كثيراً بموت القيادة، ويتم تصعيد نائب زعيم التنظيم، بالإضافة إلى وجود مجلس شورى التنظيم، وهيئة أهل الحل والعقد، لذا لن ينهار التنظيم بموت القائد".ما سبب قوة البغدادي وقدرته على الهرب؟
أرجع فرغلي قدرة البغدادي على الهرب إلى امتلاك التنظيم مساحات شاسعة من الأراضي، ما يساعده على التخفي والتنقل، بالإضافة إلى الاستفادة من حالة السيولة الموجودة، وحالة الإقليم الضعيفة والحروب، فمثلاً تركيا تمرر المقاتلين لداعش من أجل ضرب الأكراد، بالإضافة إلى الحرب السورية. أما بان فيرجع هذه القدرة إلى استعانة التنظيم بجهاز الأمن العراقي، جهاز البعث الخاص بالرئيس الأسبق صدام حسين، وخبرة الضباط العراقيين وقدرتهم على تأمين القيادات.متى ينتصر التحالف الدولي على داعش؟
يعتبر فرغلي أن التحالف الدولي لديه النية الحقيقية للقضاء على التنظيم، لأنه خطر جداً على العالم كله، وهو أخطر من القاعدة، وأشد شراسة وأشد تكفيراً. ويشير إلى أن هناك عدة أمور تساعد التحالف الدولي في القضاء على داعش: أولاً: إنهاء الأزمة السورية، لأن ذلك سيفقد التنظيم الكثير من الأراضي، وكذلك الدعم التركي والإيراني. ثانياً: تحويل مسار التنظيم بإثارة الخلافات داخله واختراقه، لأن انهيار التنظيم سيكون من الداخل وليس من الخارج، عبر صراع القيادة، صراع الأفكار، وانشقاقات على أي شيء. ثالثاً: حكومة وحدة حقيقية في العراق تعطي لأهل السنة دوراً حقيقياً لتضمن ولاءهم. أما بان، فيرى أن القضاء على داعش سيكون من خلال أفكاره، فهي غير قابلة للحياة، مشيراً إلى "طريقة إدارته المنفرة، حيث العدوان على الحقوق والحريات، والوحشية والقسوة في تنفيذ الأحكام".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...