حين ننظر إليها يشدّك هدوؤها. بشرتها خمرية تعكس ذهب شعرها الأصفر، تنظر إلينا مبتسمة من خلال نظارتها ولا تخفي تجعيدة أو اثنتين على بشرتها الناعمة. إنها المصممة التركية زينب فاضل أوغلو، أول معمارية تقوم بتصميم مسجد في العالم، مسجد "شاكرين".
لم تكن الطفلة زينب، التي كانت تصمم مجوهراتها الخاصة في سن 12 عاماً، أنها ستصبح أول امرأة تصمم مسجداً في العالم، وأن شركتها الخاصة للتصميم الداخلي ZF ستكون واحدة من أعظم شركات التصميم في العالم.
ها هي فاضل أوغلو، مواليد عام 1955، قد صممت مسجد "شاكرين" في إسطنبول عام 2009، بعدما عملت على ما يزيد عن 140 مشروعاً بين مطاعم ونوادي وفنادق وأماكن ترفيهية.
جمعت فاضل أوغلو في تصميم مسجد "شاكرين" بين الحداثة والتصميمات التراثية العثمانية. زيَّنت قلب المسجد بثريا على شكل قطرات المطر، إيحاءً منها أن المُصلي يجب أن يستشعر نور الله على هذه الشاكلة: فيض قطرات المطر.
نوافذ المسجد تتكون على شكل صفحات من المصحف الشريف مصنوعة من الذهب. ويتميز "شاكرين" بالقبة الضخمة التي تغطي منطقة الصلاة، وبالمآذن العالية والفناء، بينما يحمل السقف اسم الجلالة "الله" واسم النبي محمد وأسماء الصحابة.
قسمت فاضل أوغلو مساحة المسجد التي تتسع لـ500 شخص إلى مساحتين متساويتين للسيدات والرجال. فلقد تعمدت ألا تفرق بين الرجال والنساء لا من حيث براعة التصميم ولا من حيث المساحة المُتاحة للمصلين.
بالإضافة إلى مسجد "شاكرين"، صممت زينب مسجد الجمعة والمسجد الذهبي في الدوحة، قطر.
حصلت زينب فاضل أوغلو على عدة جوائز عن تصميمتها منها جائزة أندريو مارتين للتصميم الداخلي لعام 2002، وجائزة House & Garden للتصميم الداخلي لعام 2002 أيضاً، وجائزة مصمم العام في لندن لسنة 2005، وجائزة مؤسسة Wifts لعام 2011.
وتتعاون أوغلو مع 12 مهندساً معمارياً و13 مصمماً ليحولوا تصميمات زينب إلى أعمال فنية تلهب عقل من يراها.
ربما تختلف حياة زينب أوغلو عن حياة المعمارية العراقية د. زها حديد التي لم تستطع أن تبرز وتتميز في بلدها الأم "العراق". تخرجت حديد من الجمعية المعمارية في لندن وعملت كمعيدة في كلية العمارة، وحصلت على وسام تقدير من ملكة بريطانيا العظمى تقديرًا لتميزها وإبداعها.
على الرغم من قيامها بالتدريس في جامعات أمريكا وأوروبا مثل جامعة شيكاغو وهامبورغ وأوهايو وكولومبيا ونيويورك، لم تلق تصميماتها قبولاً لدى مجلس النواب العراقي، رغم أن زها حديد كانت تقدم تلك التصميمات لبلدها الأم بدون مقابل. وخلال مشوار حياتها نفذَّت المعمارية زها حديد 950 مشروعاً مختلفاً في 44 دولة.لم تكن الطفلة زينب، التي كانت تصمم مجوهراتها في سن 12 عاماً، أنها ستصبح أول امرأة تصمم مسجداً في العالم
مسجد "شاكرين" في إسطنبول، أول مسجد تصممه امرأةمن أبرز المشروعات العالمية التي نفذتها حول العالم متحف الفن الإيطالي، وجسر أبو ظبي، ومبنى شركة بي إم دبليو، ودار الملك عبد الله للثقافة والفنون، ودار أوبرا دبي، والمبنى العائم بدبي، والمسرح الكبير في المغرب، ومركز لندن للرياضات البحرية، ومحطة إطفاء الحريق في ألمانيا، والمركز الثقافي في أذربيجان، والمركز العلمي في ولسبورج. تبعت زها حديد حلمها حتى وصل بها إلى أن صنفت كرابع أقوى امرأة في العالم عام 2010، كما ضمَّتها منظمة اليونسكو لقائمة "فناني السلام". وكما كانت تبدع في صمت دون ضجة، توفيت زها حديد بنفس الهدوء والصمت في ميامي في الولايات المتحدة الأمريكية في مارس 2016. لقد نعاها البنك المركزي العراقي في بيان: "أنه تلقى ببالغ الأسى نبأ رحيل المعمارية العراقية الكبيرة زها حديد، التي أبدعت في كثير من تصاميمها المعمارية ومن بينها المبنى الجديد للبنك المركزي العراقي، الذي من المؤمل البدء بأعمال البناء والتشييد فيه مطلع 2017 المقبل". وأضاف البنك المركزي العراقي أنه تكريماً لهذه المبدعة العراقية، تقرر إقامة نصب تذكاري لها في الموقع الجديد في "الجادرية"، وسط بغداد. [caption id="attachment_102640" align="alignnone" width="700"] تصميم زها حديد لبنك العراق المركزي[/caption] يقول د. ناصر الرباط، أستاذ الأغا خان للعمارة الإسلامية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، لرصيف22: "إن المرأة كانت مهمشة بشكل خارج عن إرادتها في مجال العمارة والتصميم لعقود طويلة من الزمن وحتى الآن. والدليل على ذلك أن المرأة التي تتميز في التصميم أو العمارة تقوم بذلك في إطار بعيد عن العالم العربي والإسلامي كما حدث مع السيدة زها حديد التي أثبتت موهبتها بعيداً عن العراق الذي أنكر موهبتها ونبذها". يضيف الرباط أنها عندما عادت إلى العراق، عادت كمعمارية بريطانية. وفي غربتها عن بلدها الأم لم تكن تتحدث عن أصولها العراقية العربية خلال السنة الأولى، حتى اعترف بموهبتها الجميع ومن ثمَّ باتت تظهر في المجتمعات كفنانة معمارية ذات أصل عربي." يعتقد البعض أن هناك فرقاً بين مُنتج المرأة والرجل في مجال العمارة والتصميمات، ولكنه تصنيف يرفضه د. الرباط إذ بعتبر أن "كلاهما ينتج فناً ينطلق من وجهة نظر إنسانية لا من تصنيف 'نوعي'". ولم يتغير المجتمع العربي في العصور الفاطمية أو الأيوبية أو المملوكية أو العصور الراهنة. فها هي "جميلة. ح" طالبة مصرية في كلية العلوم تدرس مواد لا تشبه موهبتها التي طمحت أن تثقلها بالدراسة في كلية الفنون التطبيقية قسم العمارة. ولكن والدتها رفضت أن تصبح ابنتها "مهندسة معمارية" بحجة أنها مهنة الرجال التي لن تطيق البنات صبراً عليها. لم تستطع جميلة معارضة رغبة والدتها لكنها نَوَت أن تنتهي من دراسة العلوم وأن تلتحق بعدها بكلية الفنون الجميلة أو الفنون التطبيقية لتحقق حلمها. ارتضت - مضطرة - لأن تضيع من عمرها نحو 5 سنوات في كلية العلوم، لكنه خيار تراه أفضل من أن تضيع بقية عمرها في العمل بمجال لا ترغبه، لمجرد أن والدتها ترى أنه مجال غير نسائي. تضيف جميلة: "اهتمام المصريين بالعمارة والآثار وفنون البناء هو اهتمام "اسمي" لا يقابله احترام عملي وتبجيل لهذه المهنة الراقية التي تنحدر عن فراعنة العالم، عمالقة البناء، مروراً بالعصور الذهبية للعمارة كالمملوكية والفاطمية وغيرها". وعلى هذا يُعلِّق د. ناصر الرباط بأن اهتمام العالم العربي بالعمارة انحدر إلى درجة كبيرة. فعلى سبيل المثال في مصر يفخر المصريون بآثارهم وبحضارة الـ7000 سنة لكنهم في الحقيقة يهملون تلك التحف بل ولا يتوانون عن تخريبها. وخير دليل على ذلك السرقات المتعددة لأجزاء من جوامع أثرية وحوائط مزخرفة وأجزاء من مقابر تاريخية. ويقول د. الرباط أن الشعب المصري للأسف يُلقي بالعبء كاملاً على حكومته ودولته (التي لا تبرأ من الإهمال بحال)، لكنه لا يقوم بدور إيجابي مُعاكس لما تقوم به الدولة. فمثلاً شهد الرباط في زيارته الأخيرة للقاهرة قبل عدة سنوات أحد الأفراد يقوم بحرق القمامة بجوار أحد الأسبلة الأثرية، مما أدى إلى تحول حائط السبيل إلى اللون الأسود جراء تكرار الفعل في هذا المكان. وعندما حاول د. الرباط تسجيل الحالة والقيام بتصويرها تشاجر معه الشخص واتهمه "بالإساءة لسمعة مصر" ولم يدرك أنه هو من يقوم بالإساءة لمصر وتاريخها، وأن مستقبل فن العمارة في العالم العربي يتحسن بإعادة النظر والاهتمام للآثار الموجودة بالفعل (شعوباً وحكومات)، وبانفتاح العقول العربية على المواهب التي تفرض نفسها، لكي لا نكرر ما حدث من إنكار للفنانة زها حديد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...