شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
المصير المجهول لنحو ألف لاجىء مصري: برلين ترفضهم والقاهرة لا تعترف بهم

المصير المجهول لنحو ألف لاجىء مصري: برلين ترفضهم والقاهرة لا تعترف بهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 21 أبريل 201706:08 م
يجلس "أشرف" في أحد المقاهي المصرية بالعاصمة الألمانية برلين، ويحكي عن رحلة البحر وطريق الموت الذي خاضه للوصول إلى ألمانيا، أملاً في مأمن وعيش كريم، بعد أن ضاقت به الأحوال الاقتصادية وانعدم الأمل بغد أفضل في بلده، عقب فشل ثورة يناير في تلبية تطلعات الناس، على حد قوله.

الواقع مختلف جداً عن الخيال

يقول خريج كلية الحقوق لرصيف22 ونبرة أسى تسيطر على ملامحه إنه سافر إلى تركيا بتأشيرة سياحية ليتخذها بوابة العبور لأوروبا. ويروي أنه بعد وصوله إلى تركيا وجد أن تكلفة الرحلة تصل إلى خمسة آلاف يورو، لركوب القارب إلى اليونان ولتأمين المستلزمات من أوراق مزورة وإتاوة. يتحدّر أشرف، 30 عاماً، من محافظة البحيرة شمال البلاد. يقول إنه قرر العمل في تركيا لفترة حتى يجمع المبلغ، ولكن بعد أن تمكّن من ذلك وبدأ رحلته، تم القبض عليه قبل ركوب القارب وأعيد مرتين قبل أن تنجح محاولته الثالثة. وصل أشرف إلى اليونان ثم ادّعى هناك أنه سوري ليعبر مع السوريين الفارين من الحرب. ويتابع قصته وعلى وجهه علامات الإحباط من الوضع في ألمانيا. يقول إن الصورة مختلفة كلياً عما كان يتخيله، فهو يعمل بشكل مخالف للقانون (عمل بـ"الأسود"، بحسب الوصف الشائع بين العرب). ويضيف: "بتكون خاضع لإرادة صاحب العمل... تحت رحمته ومن السهل جداً إنك تشتغل وما تخدش فلوس أو تاخد جزء... الأمر كله يرجع لضميره". يعيش الشاب المصري المتقدم بطلب لجوء على المعونات الاجتماعية التي تعطيها الحكومة الألمانية (370 يورو شهرياً) مع ما يكسبه من عمله بـ"الأسود"، ولا يعرف مصيره بعد استئنافه ضد رفض طلب لجوئه. ويقول: "لا أدري ماذا أفعل. هل يسلموننا للسفارة المصرية أو يرحلوننا؟". أشرف واحد من بين نحو ألف مصري رُفضت طلبات لجوئهم ومصيرهم غامض حتى الآن. فالدولة الأوروبية ترفضهم والدولة المصرية تقول إنها غير متأكدة من جنسياتهم. خلال زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى مصر تطرقت إلى قضية هؤلاء المرفوضين لأول مرة بشكل علني مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولكن يبدو من تصريحاتها أنهما لم يتوصلا إلى نتيجة. المتحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية توبياس بلاته قال لرصيف22: "يوجد حالياً 1327 مصرياً يتعين عليهم بموجب القانون مغادرة البلاد". وبسؤاله عن احتمال تنفيذ عمليات ترحيل اللاجئين المصريين، قال: "إن قرار الإعادة القسرية للمصريين المرفوضين لم يُتخذ بعد، وهناك أسباب مختلفة وراء عدم نجاح عمليات الإعادة القسرية. في بعض الأحيان، تمثل الأسباب العائلية أو الصحية عقبات تعترض العودة". وتابع: "في حالات أخرى، لم تؤكد السلطات المصرية بعد جنسية هؤلاء، وبالتالي لم تصدر حتى الآن أوراق مرور أو جوازات سفر. وتجري الحكومة الاتحادية الألمانية اتصالات وثيقة ومستمرة مع السلطات المصرية للبت في هذه الحالات". وأشار بلاته إلى أن عدد المتقدمين المصرين للحصول على اللجوء في 2016، بلغ 1667، و1077 في 2015، و1069 في 2014. أما عدد المتقدمين بطلبات لجوء منذ بداية العام الجاري فقد بلغ 256 طلباً، مشيراً إلى أن نسبة الحماية التي يحصل عليها طالبو اللجوء المصريين 15%. مصدر مسؤول من السفارة المصرية فضّل عدم التعليق باسمه على القضية، قال إن السفارة لا ترفض أي مصري يريد أن يعود إلى البلاد بشكل طوعي، بل إن السفارة تساعد من لا يمتلك تكاليف العودة. وأضاف: "الكثير من طالبي اللجوء من جنسيات أخرى يدّعون أنهم مصريون أيضاً حتى لا يتم ترحيلهم، والمخاوف الأمنية تلعب دوراً كبيراً، اليوم، في هذه القضية إذ نرى العديد من المتسللين دخلوا ضمن موجة اللجوء وقاموا بأعمال إرهابية". وشدد على إنه "عندما يتم التأكد من هوية البعض ليس هناك مشكلة في قبول عودتهم إلى البلاد".

من مركب غرق إلى برلين

راضي، 27 عاماً، من محافظة الفيوم شمال الصعيد، سافر من مصر على متن أحد قوارب الموت بعد أن دفع 50 ألف جنيه مصري في مايو 2016 (6 آلاف دولار في ذلك الوقت) لأحد السماسرة. ووفقاً لروايته، كان الموت أقرب لهم من الحياة في رحلة لم يتحمل القارب أمواجها فانقلب بهم، وصارع مع آخرين حتى أنقذتهم سفينة صيد حملتهم إلى اليونان ومنها انطلق إلى ايطاليا التي لم يجد فيها ضالته، فقرر أن يأتي إلى ألمانيا لسهولة إجراءات اللجوء فيها. وصل راضي إلى برلين واتجه مباشرة إلى مركز "فيدل اشتراسه" لاستقبال اللاجئين. تم تسكينه مع آخرين في ملعب لكرة السلة خصص لاستيعاب الأعداد الغفيرة التي تفد إلى العاصمة، فاقتسم الإقامة مع عراقي وأفغاني، وصار يحصل على المساعدة حتى بتّت المحكمة طلب لجوئه.
ألمانيا ترفضهم والسلطات المصرية تقول إنها غير متأكدة من جنسياتهم... هؤلاء الشباب يجهلون مصيرهم
يقول راضي الحاصل على دبلوم تلمذة صناعية، إنه لن يعود حتى لو رُفض اللجوء وسيعمل "بالأسود" أو سيهرب إلى دولة أخرى. ويضيف لرصيف22 أنه يحلم منذ الصغر بالسفر عندما كان يرى جيرانه الذين سافروا إلى إيطاليا وعادوا وشيدوا الفيلات في قريته. وعن هذا الحلم الذي غامر من أجله ومصيره الآن، يعلق: "لا شيء أخسره فالحياة في مصر ليست أحسن من هنا".

إذلال واستغلال

أما محمد، 35 عاماً، من دمياط وأب لثلاثة أبناء، فقد سافر إلى اليونان منذ عام ونصف العام، ولدى وصوله وجد الجميع يغادرون لسوء الأوضاع. قرر أن يخرج مع مجموعة من السوريين، باتجاه السويد، لكنه اعتقل في الدنمارك لعدة أيام، ورجع إلى ألمانيا. الإحباط واليأس يسيطران عليه. يقول إن العرب والمصريين يستغلون الشباب. والحاجة تدفع الجميع للعمل بـ"الأسود". ويضيف أنه يتقاضي 30 يورو وأحياناً 20 في اليوم بدل عمل من المفترض أن يتقاضي عنه 100 يورو. يؤكد أنه يعرف مَن يعمل بأقل من ذلك، وهناك إذلال واستغلال لم يكن يتخيلهما. ويتابع أنه إذا عاد به الزمن للوراء فلن يقوم بهذه المغامرة المذلة. في ختام حديثه يقول إن "الألمان لا ينخدعون بكل الأكاذيب التي يدعيها مقدمو اللجوء، وإن الخجل من وصمه بالفشل هو ما يمنعه من العودة". الجانب الألماني يعتمد في قبول اللاجئين المستحقين للحماية على المعايير الدولية التي تنظم هذه العملية والأولية للقادمين من مناطق الصراع، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية: "المعايير هي قانون اللاجئين الألماني القائم على اتفاقية جنيف وقانون اللاجئين الأوروبي". وتنص هذه القوانين على أن الحق في اللجوء يُمنح للقادمين من مناطق صراع أو لمَن يتعرض للاضطهاد الديني أو العرقي في بلده، أو الذي يواجه الاعتقال حال عودته بسبب آرائه السياسية أو ميوله الجنسية.

السبب: اضطهاد ديني

وصل "أبانوب"، 38 عاماً، من محافظة بني سويف جنوب القاهرة، ألمانيا منذ عدة أشهر. لا يعرف الإنجليزية ولا الألمانية. دخل محطة القطارات فكانت الصدمة الأولى. لم يعرف كيف يتصرف لكنه في النهاية توجه إلى مركز اللاجئين بمعاونة شاب سوري. يقول إنه تقدم بطلب حماية لأسباب دينية وسيعمل على ذلك بمساعدة الكنيسة القبطية في برلين، مشيراً إلى أن أوضاع الأقباط في الفترة الأخيرة ترجّح كفته. وقال لرصيف22 إنه دفع 150 ألف جنيه ليحصل على تأشيرة رتبها بعض الأفراد عبر أوراق تزعم أنه مدير مبيعات جاء ليحضّر معرضاً تجارياً. كان "أبانوب" يعمل فني ستائر في بلدته، ويكسب الكثير من المال من عمله على حد قوله. لكن الحلم الأوروبي راوده منذ عامين وخطط له. يضيف أنه مستعد للمعاناة والتحمل حتى يجلب زوجته وطفليه لدى الحصول على اللجوء. بُرايك إسماعيل، رئيس الجالية المصرية في برلين قال لرصيف22 إن كل الشباب الذين يأتون بطريق البحر أو بتأشيرة مؤقتة يسعون للحصول على اللجوء، ويبدأون في الإجراءات للإقامة بشكل قانوني، وهؤلاء يختلفون عمن يأتون للدراسة. تضم الجالية في برلين عدداً كبيراً من طلبة الدكتوراه والماجستير وطلبة الجامعة، فمنهم مَن يستمر بشكل قانوني بعد انتهاء الدراسة ومنهم من يعود سواء لعمله في مصر أو لمكان آخر، وليس لديهم مشاكل، ومعروف أن عددهم قليل. يتابع إسماعيل أن مَن تُرفض طلبات لجوئهم يعيشون في ظل أوضاع صعبة وعليهم قبول الأمر الواقع والاستغلال والنصب. ويضيف أن أغلبهم لا يتحدث الإنجليزية ولا الألمانية ويصطدمون بالواقع المرير، ويدركون أنه تم خداعهم بالوهم الأوروبي. ويؤكد إسماعيل، الذي وصل إلى ألمانيا منذ 25 عاماً، "أن الاوضاع اختلفت الآن وأصبحت الأمور أصعب، ومن المستحيل تحقيق ما يحلمون به". بحسب المحامي الألماني ريشتسانفالت بيرسون، إن عملية الاستئناف ضد قرار المحكمة تمنح المتقدم المزيد من الوقت ربما يتمكن خلاله من تعلم اللغة وحرفة، لأن هذه الأمور تساعد في قبوله. وأشار إلى أن أغلب اللاجئين من غير السوريين يستندون إلى أسباب "الاضطهاد الديني أو الميول الجنسية، أو الملاحقة الأمنية والقضائية، وكثرة هذه الحالات جعلت القضاة يطلبون إثبات هذا الوضع وهو ما يصعّب المهمة، وإن كانت الأسباب حقيقة. فكيف سيثبت الشخص مثليته مثلاً؟". وأوضح المحامي أنه حتى "المثلية" سواء كانت سبباً حقيقاً أم لا، فإن القضاة يرفضونها كسبب لمنح الحماية، مشيرين إلى أنه إذا كان الشخص يتعايش مع هذا الوضع في بلده بشكل سري فليس هناك تهديد لحياته. رحّلت ألمانيا أخيراً لاجئين أفغاناً وتخطط لترحيل لاجئين من شمال إفريقيا. كما أقرت برنامج العودة الطوعية مقابل مساعدات مالية لتشجيع المرفوضين على الرحيل. لكن الإعلان عن هذه الخطط لم يذكر صراحة المصريين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image