شامبليون.. المصري بجدارة
كان شامبليون الفرنسي باحثاً مرموقاً في بلده رغم صغر سنّه، اعترف بتفوقه الكثيرون، وقدم إلى مصر لمواصلة مشروعه في فكّ رموز اللغة المصرية القديمة، وهو بحث بدأه في فرنسا، بحسب ما أورده أحمد درويش في كتابه "نظرية الأدب المقارن". قرر شامبليون أن يطلق على نفسه لقبًا يفتح له باباً لمواصلة مشروعه فاختار اسم "شامبليون المصري"، فسارع منافسه جومار، الذي كان مستشار محمد عليه وقتها، بالقيام بنفس الخطوة، وأطلق على نفسه لقب "جومار المصري بامتياز" (L’Egyptien par excellence)، ومثلهما، قرر عالم الأثريات توماس يونج أن يسمي نفسه "المصري بالتجاور" L’Egyptien par Juxtaposition. يعلق على ذلك درويش بقوله: كان لقب الانتماء إلى الشرق فخرًا يتنافس للحصول عليه كبار العلماء.سان سايمون وتلاميذه
عرفت فرنسا مفكراً وفيلسوفاً استثنائياً هو سان سايمون (1760–1825)، شارك في الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية، وكانت نظريته الأهم تتمحور حول قيام مجتمع عادل. تطورت فلسفته إلى مذهبٍ اعتنقه جيل من المفكرين الفرنسيين. يقول الأكاديمي الفرنسي "جون ماري كاريه" في كتابه "رحالة وأدباء فرنسيون في مصر"، إن أتباع سان سايمون آمنوا بمقولة نابليون: "عن طريق مصر يمكن لشعوب وسط أفريقيا أن تلقى النور والسعادة"، فشكلوا فريقًا وذهبوا إلى مصر عام 1833، وتبنوا فكرة حفر قناة السويس. لكن الغريب أنهم انصهروا في المجتمع المصري إلى الحد الذي اعتنق أغلبهم الدين الإسلامي بل وتزوجوا مصريات وسموا أنفسهم بأسماء عربية وكان أشهرهم "ماشوروه" Machereau، الذي أصبح اسمه "محمد أفندي"، والذي تزوج من سيدة مصرية، وأسسا معاً أسرة صغيرة من أربع بنات هنّ "هانم وزهرة وحميدة وأسماء"، بل إنه دعا زملاءه لاعتناق الإسلام. وهو الأمر الذي جعل محمد علي يتعجب كيف حضر السان سيمونيون إلى مصر لأهدافهم الخاصة، وإذا بهم يعتنقون الإسلام، وذلك بحسب ثروت عكاشة في كتابه مصر في عيون الغرباء من الرحالة والفنانين والأدباء. إن فلسفتهم ورؤيتهم للحياة كانت الأصل في تحمسهم لفكرة حفر قناة السويس ـ بحسب ما يوضحّه الباحث المصري عرفة عبده علي في كتابة مصر بعيون نسائية أوروبية. فقدموا إلى مصر عام 1833 بهدف تطبيق مشروع (حفر) القناة بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، وأرادوا أن يتم هذا المشروع على أيديهم ليكون "'خطاً من المياه الزرقاء' بمثابة إشارة للسلام والحب بين القارات وهمزة وصل بين البشر". وبلغ عدد المثقفين السان سيمونيين الفرنسيين الذين استقروا في مصر وساهموا في نهضتها العلمية وفي تأسيس التعليم الفني وتدريس اللغة الفرنسية، 55 شخصية.سوزان فوالكان.. بنت الشعب
وفي كتابه يستعرض الباحث عرفة عبده سيرة الرحالة الفرنسية سوزان فوالكان، فيقول "كانت سوزان فوالكان ضمن إرسالية 'الأخوات السان سيمونيات' عام 1834، وعاشت في مصر تجربة ثريّة حتى نهاية عام 1836م". ودافعت فوالكان عن حقوق المرأة المصرية. ولشدة اقترابها روحيا من الشعب المصري، اتخذت فوالكان لقب "بنت الشعب" وحين اشتدّ وباء الطاعون عام 1835، الذي راح ضحيته أكثر من 35 ألف مصري، تدرّبت فوالكان على أعمال التمريض وانضمت لطاقم التمريض بمستشفى "الأزبكية" لتساعد المرضى.ازدهار مصر أيّام محمد علي جذب إليها علماء فرنسيين، منهم من غادرها، ومنهم من بقي وانصهر فيها.
هاجر أتباع الفيلسوف سان سايمون إلى مصر، في مشروع جماعي اعتقدوا أنه سيغيّر وجه العالم.
فلول الجيش الفرنسي المسلمون
[caption id="attachment_100265" align="alignnone" width="700"] سليمان باشا الفرنساوي[/caption] حين قدم الكاتب الفرنسي شاتوبريان إلى مصر، كشف قصة 5 من قادة جيش "مينو" ( آخر قائد للحملة الفرنسية في مصر)، ممن هربوا من الجيش والتحقوا بقوات "ألفي بك" (أحد المماليك المنافسين لمحمد على في بداية ولايته على مصر)، ولكنهم بعد ذلك التحقوا بمحمد علي وأسلموا جميعاً. ثمّ اتخذوا أسماء عربية وتزوجوا وأصبح لهم أسر مصرية، وماتوا جميعاً في مصر بعد أن تولّوا مناصب كبرى. وكان معهم نحو 100 من ضباطهم الذين استوطنوا معهم في مصر. وقائد هؤلاء الخمسة هو عبد الله التولوزي وكان اسمه الحقيقي "ديرو Dereau"، ومن بينهم أيضاً "سليم" الذي كان اسمه "كومب Gombe"، وثالث هذه المجموعة هو إسماعيل رشوان واسمه الحقيقي "بيير جاري Pierre Gary"، وأمّا الرابع، فهو سليمان باشا الفرنساوي واسمه الحقيقي هو "جوزيف انتيلمي سيف ـ Joseph Anthelme Seve" (وقد وثق به محمد علي إلى حدّ كبير، وعهد إليه بقيادة الجيش المصري من نواة شكلها من المماليك)، لكن شاتوبريان لم يذكر اسم الرجل الخامس في المجموعة، واكتفى بالقول بأنه كان مساعداً للتولوزي. يصف شاتوبريان مهابة عبدالله التولوزي بين المصريين، ويقول بأنه لم يكن هناك ما يضاهي متعة رؤية عبدالله التولوزي... وهو يفسح لنا الطريق في أكثر الشوارع ازدحاما". كما قال بأن الجنود الخمسة تبنوا عادات الشعب المصري، فكانوا "يرتدون ثياباً حريرية طويلة وعمامات جميلة بيضاء ويحملون أسلحة رائعة". كما كتب أنهم عاشوا حياة عزّ لم يمتلكها آباؤهم في مساقط رؤوسهم.كلوت بك، راهب الطب المصري
في كتابه "عصر محمد علي"، يكشف لنا المؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي الدور البارز الذي أدّاه بإخلاص وتفانٍ الطبيب الفرنسي كلوت بك في نهضة التعليم والطب في مصر في عهد محمد علي باشا. ويقال بأن محمد علي اختاره طبيباً للجيش المصري بعد أن زكّاه تاجر فرنسي. وقدم لمصر عام 1825، فأسند إليه محمد علي تنظيم الإدارة الصحية للجيش المصري، واقترح عليه كلوت بك إنشاء مستشفى عسكري في أبوزعبل، ثم طلب الإذن بأن ينشئ بجوارها مدرسة لتعليم الطب، ووافق محمد علي على ذلك. يقول الرافعي "وصارت مدرسة الطب مبعث النهضة الطبية في مصر". أسس كلوت بك في مصر مجلساً للصحة على النظام الفرنسي وكان له ـ والقول للرافعي ـ فضلٌ كبيرٌ في النهوض بالحالة الصحية للبلاد، كما عني بتنظيم المستشفيات وأنشأ مجلس الصحة البحري في الإسكندرية. وكان لكلوت بك دور بارز في مكافحة الوباء الذي هاجم مصر في تلك الفترة، فأوصى باستخدام تطعيم الجدري لمقاومة انتشار المرض الذي أودى بحياة نحو 60 ألف طفل، كما كافح وباء الكوليرا عام 1830، واعترافاً بتفانيه، منحه محمد علي لقب "البكويّة" فصار يعرف بكلوت بك. وكذلك فقد بذل جهداً في مقاومة الطاعون عام 1835، فكافأه محمد علي ومنحه رتبة "أمير لواء" (رتبة عسكرية عليا).جان جاك أمبير.. فَنِيَ حباً لمصر
"أديب العلماء".. هذا هو اللقب الذي اشتهر به أمبير بين أقرانه، فهو الذي قدم لوحات أدبية شديدة الدقة ورائعة الجمال حول ما كان يراه في مصر. طاف أمبير مصر شرقاً وغرباً مستكشفًا آثارها ومتحققاً مما كشفه شامبليون. يقول عنه الدكتور أحمد درويش في كتابه: "شدة حماس ذلك العالم الشاعر استنفدت حياته سريعاً، فقد أجهد نفسه في رحلات مصر العليا، وغامر في مقابر تل العمارنة وبني حسن، رغم اصابته بالدوسنتاريا، حتى إنه كان يصر على أن يكمل زيارات حتى على ظهر حمار، محاطاً بالأربطة الطبية". ويضيف: "وانتهى به المطاف أن غادر مصر محمولاً على محفة (سرير) طبية، وأنزل على الشواطئ الفرنسية شبه محتضر، فغادر الحياة وهو في السادسة والأربعين، بعد أن جسد جانباً كبيراً من هذا الولع والشوق والمتعة والعلم والبحث عن الاتصال بين الغرب والشرق".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين