لا الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات ولا الانهيار التاريخي والقياسي لسعر العملة المحلية ولا نضوب الموارد المالية يمنع الليبيين من الفرح والبحث عن حيز بسيط من السعادة ولو بعيداً عن الوطن في جزيرة مالطا الجارة الشمالية الهادئة.
يهرب ناصر، الشاب الليبي ذو 32 عاماً، إلى "نعيم مالطا" مرة على الأقل في السنة. دأب على ذلك منذ كان عمره 25 سنة. معجباً بها وبمناطقها الساحلية الجميلة وخاصة بملاهيها المغرية وبسهراتها الصاخبة. يصطحب ناصر في كل زيارة اثنين من أصدقائه، يحمل كل واحد منهم مبلغاً يفوق 2500 يورو، وهي كافية لتغطية مصاريف أسبوع كامل في الجزيرة الساحرة. يتجولون في كل المناطق ويقيمون في منزل فسيح ومجهز تقدر تكلفة تأجيره أسبوعياً بحوالي 700 يورو مقسمة بين ثلاثتهم. ليس جديداً أن يتوجه الليبيون إلى الجارة مالطا للسياحة ولكن الأمر أصبح شائعاً جداً، وأصبحت الوجهة المالطية تنافس الوجهات التقليدية التي كانت الليبيون يقصدونها سابقاً وخاصة تونس.
السهر والجنس
ناصر (طلب عدم الإفصاح عن هويته كاملة) متحصل على شهادة جامعية في الآداب الانجليزية لكنه يعمل في محل تجاري خاص قرب الحدود التونسية وحالته المادية ميسورة. يرفض الإفصاح عن اسمه كاملاً لأن المعلومات التي قدمها قد تسبب له مشاكل في عائلته، خاصة وأنه يعيش في مجتمع محافظ لا يرضى بأن يسافر أحد أفراده لأجل السهرات الصاخبة والإقامة مع الفتيات.حالة ناصر هي حالة المئات من الشباب الليبيين الذين وجدوا في مالطا مكاناً للترويح عن أنفسهم. يجدون هناك كل ما حرموا منه في موطنهم بحكم القوانين أو الأعراف الاجتماعية ، العلاقات الجنسية المفتوحة والمتحررة والحانات والمشروبات الفاخرة وأماكن جميلة إضافة إلى قربه من ليبيا. ورغم المبالغ المالية المرتفعة التي يدفعونها لكنهم لا يعتبرون الأمر إشكالاً فكل الذين يزورون مالطا وبقية الدول الأوروبية يكونون في وضع مادي جيد ولديهم دخل عالي.
لمالطا سحر على الليبيين يفقدهم الحكمة في إنفاق المال
لا يبحث الليبيون في مالطا عن النساء والخمور فقطيقول ناصر إنه في السنوات الأولى لزيارته كان يسكن في نزل فخم بتكلفة تفوق 150 دولاراً لليلة الواحدة لكنه في السنوات الأخيرة تعود في كل زيارة على تأجير منزل في منطقة مارساكسلوك (Marsaxlokk) ذات الميناء الجميل والمنازل الفخمة بتكلفة أقل كثيراً بعد أن نصحهم بذلك صديق فلسطيني يقيم هناك ويعمل دليلاً سياحياً. بلا عقد يتحدث ناصر على إقامتهم كل ليلة مع نساء مختلفات في المنزل الذين يقومون بتأجيره:"الأمر بسيط في مالطا، فمن أسهل الأشياء أن تواعد نساء مستعدات لتمضية الوقت بشرط توفير المال المطلوب، بعضهن من مالطا وفيهن من تأتي من إيطاليا وروسيا وحتى من دول عربية كسوريا وتونس لأن البلد مربح في التجارة الجنسية، ولا توجد حواجز من الناحية القانونية حول هذا النشاط عكس دول أوروبية أخرى." مشيراً إلى أنهم يذهبون كل ليلة للملاهي الليلية وكل واحد ينفق أكثر من 300 دولار على الشراب إضافة إلى ما يقدمه للمغني أو المغنية في الملاهي وهو مبلغ قد يصل 100 دولار، ثم في آخر سهراتهم يأخذون معهم فتيات لمواصلة السهر في المنزل بعد الاتفاق معهن على مبلغ معين يكون أيضاً في حدود 100 دولار للفتاة الواحدة.
يتكرر هذا الروتين بشكل يومي خلال كامل أيام الإقامة في مالطا ويتكلف باهظاً على السائح الليبي، تضاف إليه مصاريف الزيارات اليومية لبعض المناطق السياحية، خاصة وأن مالطا جزيرة صغيرة تساعد زائرها على التجول في مدنها بشكل يسير وفي مدة وجيزة وتصل مصاريف هذه الجولات إلى حوالي 200 دولار يومياً دون الأخذ في الاعتبار شراء المقتنيات الخاصة من تحف أو سلع للراغبين في ذلك والتي يتراوح سعرها بين 600 و900 دولار. ويختم ناصر حديثة بأن أغلب الشبان الليبيين ينفقون مبلغاً أدنى 2000 دولار في الأسبوع عند زيارة مالطا وهناك من يصل حتى 3000 دولار وهو مبلغ مرتفع جداً، قياساً للأوضاع المعيشية السائدة اليوم في ليبيا، لكن مغريات الحياة في الجزيرة المتوسطية تجعله يفقد شئياً من الحكمة في الإنفاق.
السفرات العائلية أقل تكلفة
الأمر قد يختلف قليلاً عندما يكون الزائر عائلةً، سواء على مستوى أهداف الرحلة أو في درجة الإنفاق، فلا يبحث الليبيون في مالطا عن النساء والخمور فقط. علي حميد وهو موظف بشركة محاسبة في طرابلس ذو 45 عاماً متزوج وله ابنة وحيدة زار مالطا مرتين، في المدة الأخيرة. يقول إنه أعجب كثيراً بالجزيرة ويخطط لزيارتها مع عائلته مرات أخرى. في الزيارة الأخيرة أقام في نزل ستراند بمنطقة سليمة التي يوجد بها سكان يتحدثون لغة ممزوجة بالعربية الأقرب إلى اللهجة التونسية، وهو نزل بأسعار مقبولة لا يتجاوز سعر الليلة الواحدة في غرفة لشخصين 100 دولار.ويشير علي إلى أنه لا يزور إلا المناطق الهادئة وأغلب مصاريفه تكون على الإقامة والأكل والتجول حيث ينفق يومياً دون اعتبار مصاريف الإقامة الإقامة حوالي 200 دولار وأحيانا تصل المصاريف 500 دولار إذا طلب جولة في يخت صغير داخل البحر. وتضاف إلى ذلك مصاريف أخرى تتعلق بالمقتنيات مثل الملابس أو الهدايا التي تخصص لبعض أفراد العائلة عند العودة والتي تأخذ النصيب الأكبر من التكاليف وتصل حتى 700 دولار وربما أكثر حسب القدرة المالية لكل شخص.
يقول علي حميد أنه في الزيارة الأولى إلى مالطا بعد زواجه سنة 2009، لم تتجاوز مصاريفه دون اعتبار تذكرة السفر الألف دولار، لكن في زيارته الثانية ومع ارتفاع أسعار الإقامة والسلع والأكل تجاوزت المصاريف الـ 1500 دولار وهو مبلغ يراه مرتفعاً مقارنة مع حالة المواطن الليبي الذي يعاني صعوبات اقتصادية كبيرة بعد الأزمة السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد منذ 2011. ليست هناك إحصاءات رسمية عن عدد السياح الليبيين في مالطا سنوياً لكن العدد التقريبي الذي يزورها في الشهر حوالي 600 شخص في الفترة الشتوية وأكثر من 1000 شخص في الفترة الصيفية. وتشهد أعداد الليبيين الوافدين إلى مالطا ارتفاعاً مستمراً، بعد أن اختار الليبيون مالطا على تونس حتى في مستوى العلاج بسبب بعض المشاكل التي وقعت لهم في مصحاتها. إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الشباب الليبي المقيم رسمياً في الجزيرة بعضهم يدرس في الجامعات المالطية والبعض الأخر يمارس نشاطات اقتصادية تجارية، خاصة من أولئك الذين نقلوا أعمالهم بعد سقوط البلاد في الأزمة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا