يحط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني رحاله يوم الاثنين في إثيوبيا في إطار جولة إفريقية تشمل كينيا وجنوب إفريقيا، وذلك بعد أيام قليلة من زيارة والدته الشيخة موزة آل مسند للسودان، والتي أثارت عاصفة في الجدل، أعقبها تلاسن إعلامي بين القاهرة والخرطوم، وتأزم العلاقات المصرية السودانية، وتأجيل زيارة وزير الخارجية المصري للخرطوم بدعوى سوء الأحوال الجوية.
فهل تسعى قطر نحو مصالحها وتوسيع استثماراتها في السودان وإثيوبيا؟ وهل تعكس تحركاتها في أبرز دول حوض النيل رغبة الدوحة في تقوية علاقاتها الإفريقية أم مجرد مكايدة سياسية كما يرى بعض المصريين؟ وهل لقطر علاقة بتأزم العلاقات المصرية السودانية؟ وهل الاتهامات المصرية للدوحة بالإضرار بأمنها المائي ودعم خصومها صحيحة أم أن لدى القاهرة حساسية مفرطة من أي دولة توطد علاقاتها مع قطر؟
الدوحة والخرطوم وبينهما القاهرة
"العلاقات القطرية السودانية قديمة وإستراتيجية، فأول دولة هنأت قطر باستقلالها كانت السودان وجعفر النميري هو أول رئيس عربي زار قطر بعد استقلالها، وحسن الترابي شارك في وضع الدستور القطري، وجزء من الجيش والشرطة القطرية من أصول سودانية، وكان المشير عبد الرحمن سوار الذهب قائداً للجيش القطري خلال فترة تواجده بالدوحة". هكذا يقول الباحث والكاتب السوداني وائل علي لرصيف22.
ويتابع أن العلاقة قوية بين البلدين من قبل مجيء حكومة الرئيس السوداني عمر حسن البشير والحاكم الحالي في الدوحة، وتعود إلى عهد الشيخ خليفة آل ثاني، ولم تكن موجهة يوماً ضد أحد.
وفي حين أن الاستثمارات القطرية بالسودان ليست كبيرة وتتركز في العقارات بعكس الاستثمارات الإماراتية والسعودية الزراعية، فإن قطر كانت من الدول الساعية لرفع العقوبات عن السودان، وكان لها دور في حل أزمة دارفور وإنهاء الحرب هناك من خلال اتفاق الدوحة مع الحركات المتمردة، وتبرعت بمليارات الدولارات من أجل حقن الدماء هناك، وهذا هو سر العلاقات السودانية القطرية الوطيدة، وفق ما يكشفه المحلل السوداني.
ويعبّر وائل علي عن أسفه لكون النظام المصري يرى أن أي دولة تقيم علاقة قوية مع قطر هي دولة عدوة لمصر، رغم أن العلاقات السودانية القطرية علاقات طبيعية بين دولتين، مشيراً إلى أن زيارة الشيخة موزة للسودان جاءت في إطار عمل خيري، ومن خلال ترؤسها لمؤسسة قطر فاونديشن التي تدعم الشباب السودانيين وتأسيس صندوق لدعم العاطلين من العمل.
لكن المشكلة الحقيقية، برأي الكاتب السوداني، ظهرت عندما زارت الشيخة موزة أهرامات السودان وقالت إن للسودان حضارة عظيمة، مما أثار بعض الإعلاميين المصريين الذين وجهوا إساءات بالغة للسودان، منها أن أهرامات السودان مهجورة وتشبه الجبنة "النستو".
وتدعم الشيخة موزة تنمية آثار السودان من خلال المشروع القطري السوداني لتنمية آثار النوبة، وقطر تبرعت بعشرات ملايين الدولارات لترميم الآثار السودانية، وصيانة العديد من المتاحف، ومولت قطر بعثات التنقيب عن الآثار السودانية، وستبني العديد من الفنادق في المناطق الأثرية، حتى تصبح الآثار من موارد السودان.
ويرى بعض السودانيين، وفق علي، أن مصر غير مرتاحة لهذا المشروع ولا ترغب في ظهور السودان كقوة سياحية جديدة في المنطقة، وتعتبر أن ذلك سيأتي على حساب عدد السياح الوافدين إليها. و"من هنا رفضت القاهرة زيارة الشيخة موزة للسودان واعتبرتها زيارة عدائية وأطلقت إعلامييها للنيل من السودان"، برأيه.
ويستبعد الكاتب السوداني أن يكون لقطر مصلحة في الإضرار بالأمن المائي المصري من خلال علاقاتها بالخرطوم، أما السودان فمن مصلحته اكتمال بناء سد النهضة، فالسودان لا يرغب في طمي النيل الذي سيحتجزه السد، وهو بحاجة للكهرباء التي سيوفرها، ويرغب في علاقات أمنية وإسترايجية مع إثيوبيا التي تعد عاصمة الاتحاد الإفريقي وأقوى دولة إفريقية حالياً.
ويضيف وائل علي أنه بعد صدور مذكرة اعتقال الرئيس البشير، فإن مصر لم تفعل شيئاً من أجل السودان، في حين أن إثيوبيا حثت الاتحاد الإفريقي على رفض قرار المحكمة الجنائية الدولية، ولذلك، فالسودان من مصلحته بناء علاقات قوية مع إثيوبيا التي تملك نفوذاً واسعاً في القارة السمراء ولا يمكن أن يخسر ذلك من أجل مصر.
حطّ أمير قطر في إثيوبيا بعد أيام قليلة من زيارة والدته الشيخة موزة للسودان... فغضبت مصر
هل الاتهامات المصرية للدوحة بالإضرار بأمنها المائي صحيحة أم أن لدى القاهرة حساسية مفرطة من أي دولة توطد علاقاتها مع قطر؟
أسباب الأزمة المصرية السودانية
يرجع وائل الأسباب الحقيقة للتوتر بين القاهرة والخرطوم إلى رفض مصر طلب السودان طرد الحركات الدارفورية المسلحة التي تؤويها القاهرة بعد سقوط حكم القذافي، وتلك الحركات رفضت الانضمام لاتفاق السلام بالدوحة، والدعم العسكري الذي تقدمه لجنوب السودان الذي يهدد الأمن القومي السوداني بشكل صريح، ويحتل جزءاً من جيشه، يسمى الفرقة العاشرة في الجيش الشعبي، مناطق في جبال النوبة والنيل الأزرق.
ويشير إلى أن القاهرة ترسل سلاحاً ومدربين عسكريين لجنوب السودان بحجة إقامة علاقات إستراتيجية معه. كما نقلت صحيفة سودان تربيون، وفق وائل، عن قيادات معارضة سودانية، أن مصر تدرب عناصر سودانية مسلحة لإسقاط البشير.
ويقول المحلل السوداني إن مصر تنوي تسليم تيران وصنافير للسعودية، في إطار اتفاقية ثنائية، لكنها ترفض حتى اللجوء للتحكيم في قضية حلايب وشلاتين، رغم أنها لا تملك أية وثيقة تثبت مصريتهما.
الدور القطري في إثيوبيا: مصالح أم مكايدة؟
استأنفت قطر علاقاتها مع إثيوبيا عام 2012 بعد قطيعة دامت 6 سنوات، وزار أمير قطر السابق أديس بابا عام 2013، وزارها وزير الخارجية القطري في ديسمبر الماضي، موقعاً 11 اتفاقية في السياحة والتجارة والاستثمار، لتأتي زيارة الشيخ تميم تتويجاً لعلاقات توطدت مؤخراً."حكومة قطر وقياداتها من حقها زيارة مَن تشاء وإقامة علاقات مع مَن تشاء شريطة ألا يكون في تحركاتها أو اتفاقاتها مساس بالمصالح المصرية"، تؤكد الكاتبة المتخصصة بالشؤون الإفريقية في صحيفة الأهرام القاهرية أسماء الحسيني لرصيف22.
أما السفير نبيل بدر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، فقال لرصيف22 إن تحركات قطر في دول حوض النيل ليست طبيعية، ولا تستهدف فقط التنمية والاستثمار وتوطيد العلاقات الثنائية، بل تحتمل تأويلات متعددة من بينها الإضرار بمصالح مصر المائية.
ويؤكد الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة حوض النيل والسودان بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية لرصيف22، أن حركات قطر بإثيوبيا والسودان "فيها نوع من المكايدة السياسية لمصر".
ويشير إلى أنه في ظل اضطراب الأوضاع العربية والتغييرات البنوية التي تشهها المنطقة، تحاول قطر البحث عن دور، وتأتي زيارة الشيخة موزة للسودان وتبرعها بـ130 مليون دولار لترميم الآثار السودانية في هذا الإطار ما يشكل محاولة للإضرار بمصر.
وبحسب رسلان فإن قطر تسهم في تمويل سد النهضة بطريقة غير مباشرة من خلال الاستثمارات الضخمة التي تضخها في إثيوبيا وما تشكله الزيارات القطرية من تقديم دعم سياسي ومعنوي لإثيويبا في مواجتها مع مصر. وبرأيه، هذا التضامن الخليجي مع إثيوبيا، كان من المفترض أن يوجه لمساندة القاهرة.
ولا يتخوف رسلان من تأثير الاستثمارات الزراعية الخليجية في إثيوبيا على حصة مصر في مياه النيل، مشيراً إلى أن الزراعة هناك قائمة على الأمطار، بينما الاستثمارات الزراعية في السودان لا تشكل أيضاً مشكلة لمصر إذا كانت قائمة على الأمطار أو المياه الجوفية أو من حصة السودان في مياه النيل، أما إذا تسببت تلك الاستثمارات في المستقبل بالخصم من حقوق مصر المائية فسيكون حينها الوضع مختلفاً.
في المقابل، يؤكد المحلل السوداني أن قطر ليس لديها مصلحة في محاصرة مصر مائياً، والتحسس من زيارة أمير قطر لأديس أبابا غير مبررة، فإثيوبيا دولة كبيرة، ونمر إفريقيا الصاعد حالياً، وزيارة الشيخ تميم لها هدفها تشجيع الاستثمارات.
الإطار الخليجي
التحركات القطرية في دول حوض النيل وفي مقدمتها السودان وإثيوبيا تأتي في إطار تحركات خليجية، والدولة المصرية لا تملك الاعتراض على تنمية العلاقات الطبيعية والتعاون بين دول الخليج وإثيوبيا، يوضح أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة لرصيف22، مشيراً إلى أن إثيوبيا دولة إفريقية مهمة ومؤثرة وأصبحت بلداً جاذباً للاستثمار وخصوصاً الاستثمارات الزراعية التي تحولت إليها الدول الخليجية في ظل ما تعانيه من ندرة مياه.
مستقبل الأزمة والمواجهة
تؤكد الحسيني أن القاهرة أقرب إلى عواصم دول حوض النيل من أي طرف آخر، مشددة على أن مصر يجب أن تبحث عن مصالحها وتؤكد عليها في ظل اقتراب الانتهاء من سد النهضة بكل ما يحمله من مخاطر على حقوق مصر المائية، مضيفةً أن مصر تحركت مؤخراً نحو استعادة دورها في إفريقيا والتنسيق والتعاون مع دول حوض النيل، من خلال حضور مؤتمرات القمة الإفريقية، لكن الأمر يتطلب حراكاً متكاملاً لا يقتصر على المستوى السياسي والدبلوماسي وهو ما يتطلب عملاً شاقاً ودؤوباً لتعوض فترات الغياب والضعف التي أضرت بمصالح مصر.
وفيما يبرّئ الكاتب السوداني قطر من التسبب بتأزيم العلاقات بين القاهرة والخرطوم، يتوقع أن تتحسن العلاقات بين البلدين مستقبلاً، مشيراً إلى أن العلاقات المصرية السودانية كثيراً ما مرت بأزمات ولكن سرعان ما انفرجت، فحدثت في عهد عبد الناصر وحكومة حزب الأمة وفي عهد حسني مبارك وسوار الذهب وحدثت في أول عهد البشير مع مبارك والآن تحدث في زمن عبد الفتاح السيسي.
ويوضح أن مصر تبني علاقات دائمة مع دول حوض النيل للحفاظ على مصالحها وحقوقها المائية ولا تتخذ سياساتها أو قراراتها بناء على ردود أفعال.
وبحسب نافعة، على القاهرة أن تتأكد أن التقارب الخليجي الإثيوبي ليس موجهاً ضد مصالحها، وهذا الدور منوط بجميع أجهزة مصر وفي مقدمتها الاستخبارات التي عليها التأكد أن التحركات القطرية والخليجية في إثيوبيا لا تسهم في الانتقاص من حقوق مصر المائية.
وبرأي نافعة، فإن إلقاء التهم جزافاً دون دليل يمثل نوعاً من التخبط الذي يضر بمصالح مصر مع إثيوبيا ودول الخليج، فلو أن التحرك في إثيوبيا اقتصر على قطر فقط دون باقي دول الخليج، لكان ممكناً القول إن الدوحة تستهدف أمن مصر المائي، لكن هذا التحرك يأتي في إطار مصالح متبادلة بين الطرفين الخليجي والإثيوبي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون