معروف أن الفن عموماً والسينما خصوصاً من أهم أدوات تكوين الوعي والتعريف بالقضايا المختلفة. ومن بين الأمور التي تحتاج إلى تنمية الوعي بها مرض التوحد الذي أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2008 تخصيص الثاني من أبريل سنوياً يوماً للتوعية المتصلة به وتسليط الضوء على الحاجة إلى تحسين حياة الأطفال والبالغين الذين يعانون من التوحد على نحو يكفل لهم حياة كريمة. فما هو مرض التوحد؟ وما هي نظرة الناس له؟ وماذا قدمت السينما العربية للتوعية المتصلة به؟
ما هو التوحد؟
بدايةً، تعرف منظمة الصحة العالمية التوحد Autism بأنه اضطراب نمائي يظهر في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل ويؤدي الى عجز في التحصيل اللغوي واللعب والتواصل الاجتماعي.
وتعرف الجمعية الأمريكية للتوحد هذا المرض بأنه إعاقة تطورية تلاحظ على العجز في التواصل اللفظي وغير اللفظي، وعجز في التفاعل الاجتمعاعي وتظهر خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل.
فيما اعتمدت المراجع الطبية العالمية الدليل التشخيصي الدولي للتوحد DSM الذي يعرف المرض بأنه حالة من القصور المزمن في النمو الارتقائي للطفل يتميز بانحراف وتأخر في نمو الوظائف النفسانية الأساسية المرتبطة بنمو المهارات الاجتماعية واللغوية، وتشمل الانتباه والإدراك الحسي والنمو الحركي.
متى عرف العالم التوحد؟
بدأت معرفة العالم بالتوحد عام 1943 عندما كتب الطبيب النفسي الأمريكي النمساوي الأصل ليو كانر مقالة تصف 11 طفلاً مريضاً تابع حالتهم على مدى سنوات في عيادته، وكانوا يتصفون بمجموعة من الأعراض المرضية تختلف عن الأعراض النفسية التي تعوّد متابعتها أو قرأ عنها في المنشورات والكتب الطبية، وقد استعمل مصطلح التوحد Autism. وفي نفس العام نشر العالم النمساوي هانز أسبيرغر بحثاً في العاصمة النمساوية فيينا عن هذا المرض وتداولته بعض الدوائر العلمية.
وفي عام 1981 التقى أسبيرغر بطبيبة الأطفال الإنجليزية لورنا وينغ، التي تعاني ابنتها من أعراض التوحد، في أحد اللقاءات العلمية في فيينا، وقامت بتلخيص بحثه.
وفي عام 1991 أصدرت الباحثة الألمانية يوتاه فيرث كتابها عن التوحد، ونشرت فيه نتائج بحوث أسبريغر باللغة الإنجليزية.
مفاهيم خاطئة
ارتبطت نظرة الناس لهذا المرض حتى وقت قريب ببعض المفاهيم الخاطئة، ومنها أنه كان نادراً وبات حالياً أكثر انتشاراً، والحقيقة أن السبب في ذلك هو أنه حتى عقد الثمانينيات لم يكن هناك تصنيف للتوحد على أنه مرض. فقد تم تعريف الحالة في حدود ضيقة جداً وساد اعتقاد خاطىء ساهم الباحث كانر في نشره بأن التوحد حالة نادرة.
ومن المفاهيم الخاطئة أيضاً أنه في الماضي وصف المصابون بالتوحد في لغة الطب والعلاج وفي وسائل الإعلام بأنهم أشخاص لا عواطف لديهم، وغير قادرين على الرأفة. وقد كتبت إحدى الصحف عام 1990 تصف التوحد بأنه "المرض الذي يصيب الأشخاص الذين ليست لديهم المقدرة على الإحساس"، كما وصفت المصابين بالتوحد بأنهم قساة، ولا قلوب لهم.
والحقيقة أن المصابين بالتوحد عادة ما يكونون على درجة عالية من الإحساس ولكنهم يجدون صعوبة في استعمال الإشارات الاجتماعية مثل تعبير الوجه ولغة الجسد في نقل الحالة العاطفية من شخص لآخر.
وتسبب هذا الفهم الخاطئ في قول جو سكابرة مذيع شبكة "إم إس إن بي سي" إن عدداً كبيراً من القتلة هم من المصابين بالتوحد.
ومن المفاهيم الخاطئة التي سادت في ثمانينيات القرن الماضي أيضاً زعم عالم النفس أول ايفار لوفاس بأن بعض الأطفال يمكن جعلهم غير مميزين عن نظرائهم بإخضاعهم لبرنامج مكثف وفردي لتعديل السلوك، وعندما يسترجع بعض البالغين الذين كانوا مصابين بالتوحد تجاربهم حول إرغامهم على التصرف كنظرائهم الطبيعيين يقولون إن ذلك أدى إلى إصابتهم بتوتر مدى الحياة.
السينما والتوحد
اهتمت السينما العالمية بإلقاء الضوء على هذا المرض والتوعية المتصلة به فأنتجت العديد من الأفلام التي تبرز هذه القضية مثل الفيلم الهندي "أنا اسمي خان" بطولة شاروخان، والفيلم الأمريكي "رجل المطر" بطولة داستن هوفمان وتوم كروز، والفيلم الأمريكي "أنا سام" بطولة شون بن وميشيل فايفر وداكوتا فانينغ، والفيلم الأمريكي "صعود مركوري" بطولة بروس ويلس وأليك بالدوين، فضلاً عن العديد من الأفلام الوثائقية المنتجة بشكل مهني.
&t=47sوفي المقابل نجد في السينما العربية فيلماً وحيداً يتيماً يتناول الموضوع هو الفيلم المصري "التوربيني" بالإضافة إلى حفنة من الأفلام الوثائقية المنتجة بشكل مهني وعدد كبير من وثائقيات الهواة.
حول إحجام السينما العربية عن تناول هذه القضية تقول الناقدة الفنية هويدا حمدي المشرفة على صفحة السينما في صحيفة الأخبار القاهرية، إن التوجه السائد، وخاصة في السينما المصرية، هو نحو القضايا المعروفة للجمهور أو الأفلام التجارية، وهي الأفلام المضمونة العائد المادي مثل الأفلام الكوميدية التي يطمئن المنتج لإقبال الجمهور عليها.
أما الأفلام التي تحمل قضايا جادة وغير مطروقة للجمهور مثل إلقاء الضوء على مرض التوحد فإنها تعد مغامرة إنتاجية يندر وجود منتج يمكن أن يقبل عليها.
التوربيني
فيلم درامي مصري بطولة أحمد رزق وشريف منير وهند صبري وقصته مقتبسة من قصة فيلم "رجل المطر" وهو من تأليف محمد حفظي وإخراج أحمد مدحت. ويحكي عن شاب يدعى محسن يعاني من التوحد تحدث بينه وبين شقيقه الأكبر كريم العديد من المواقف بعد وفاة والديهما، وكريم يشبه كثيراً قطار التوربيني الذي ينطلق إلى هدفه دون توقف ويصله في أسرع وقت، ومهما كان الثمن.
أبرز الأفلام الوثائقية:
أنا بينكم
&app=desktopفيلم وثائقي سعودي إخراج إياد محمد علي النونو وتمثيل محمد موسى وفيصل أبا الخيل، وقام بدور أم الطفل دعاء الحج وصوت الأم الشاعرة نورة الأنصاري. وقد أبرز معاناة المتوحد على لسان شاب تحدث عما يمر به أصحاب هذا المرض منذ طفولتهم وتجاهل المجتمع لهم. كما أبرز دعوة أحد رجال الدين للاهتمام بهؤلاء المرضى حتى لا تضطر أسرهم للانتقال للحياة في الغرب حيث تتوفر الرعاية لهم. وركز الفيلم على إبراز حقيقة أن هناك حالات شفيت وأن التوحد ليس تخلفا عقليا بل عثرات عقلية.
اللغز المحير
&feature=youtu.be&app=desktopفيلم وثائقي سعودي من إنتاج مركز والدة الأمير فيصل بن فهد للتوحد بالرياض. يعرض الفيلم صور مختلفة لمجموعة من الأطفال يتحركون ويلعبون وحدهم وبعصبية في وقتٍ تزودنا الراوية بمعلومات عن هذا المرض. وركز الفيلم على ضرورة التدخل المبكر للعلاج وعلى دور الأسرة الذي يعتبر أساسياً في خلق البيئة التي تساعد الطفل المتوحد على التحسن.
طيف التوحد
&feature=youtu.be&app=desktopفيلم وثائقي إماراتي، وهو مشروع تخرج بجامعة الشارقة. وتحكي فيه الطفلة المتوحدة موزة قصتها مع التوحد، فضلاً عن لقاء مع والدة الطفلة التي تحكي تجربتها مع ابنتها. وأبرز الفيلم اعتزاز الأم بتجربتها وفخرها بابنتها كما سلط الضوء على تجربة موزة في التعلم مع متخصصين، وقد ساعدها هذا كثيراً على تحسن حالتها.
عالمي توحد
https://www.youtube.com/watch?feature=youtu.be&v=DF-d9kIz2DE&app=desktopفيلم وثائقي يمني من إخراج محمد زنور وهو مجموعة أفلام قصيرة عن أحلام مرضى التوحد. في شكل درامي يحكي شاب موضوع قصته الفائزة بجائزة قائلاً إنها قصة حقيقية لمعاناة طفل مع التوحد وكيف اعتقد أهله في البداية أنه مجنون حتى ظهر أحد أصدقاء الأب وهو متخصص في علم النفس وساعد الطفل على الخروج للعالم ليصبح في النهاية هو الشاب الفائز بالجائزة، ويختتم حديثه بأن التوحد ليس اختياراً.
مرض التوحد
https://www.youtube.com/watch?feature=youtu.be&v=ElTwrGRXbOI&app=desktopفيلم وثائقي سعودي تم عرضه في المؤتمر السنوي الثاني لمرض التوحد بكلية البترجي للعلوم الطبية والتكنولوجيا بجدة. يسلط الوثائقي الضوء على علاقة بين طفل متوحد ووالده الذي لا يعرف بحالة ابنه الدقيقة، ومن تساؤلات عدة عن تصرفات ابنه الغريبة، كما يعتبرها، يلجأ إلى طبيبٍ نفسي ليكتشف حالته النفسية. يحاول الوثائقي حث الأهل على اللجوء إلى المعالجين النفسيين والمختصين إذا وجدوا تصرفات غريبة ومختلفة لدى أولادهم، ليتم التشخيص ومساعدة الأولاد وهم في بداية نموهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...