شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أخلاق خاصّة بالنساء... إضعاف أم تمكين؟

أخلاق خاصّة بالنساء... إضعاف أم تمكين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 5 مارس 201805:23 م
لدى الحديث عن الأخلاق الحسنة في كثير من المجتمعات، وتحديداً في بيوتنا العربيّة، تُستحضر دائماً حالة مقارنة بين أخلاق البنت والولد، وبين النساء والرجال في مرحلة التتمة اللاحقة لمختلف أدوارهم الاجتماعية ثم أدوارهم الوظيفية بعد البلوغ. في هذه المقارنة، يجري إظهار انحياز إلى الإبنة التي يطلب منها الوالدان استجابة أكثر مرونة لأوامرهما، وانصياعاً للأخلاق الحسنة. وفي الحالة التمييزية الصارخة ضد المرأة، يتم التعبير عن ذلك بكونها "حالة حسّاسة" اجتماعياً، إذ هي عار القبيلة، وشرف العائلة، وعلى الأقل هي إبنة! يمكن مقاومة هذه الحالة الواضحة بسهولة، لكن الإشكالية الكبرى تكمن في التمييز المبطّن، إذ يتم إدخال الابنة في فقاعة من المديح المشروط، والحب المشروط، والأفضلية المشروطة لكونها الابنة "المؤدبة"، فيقولون: إن الحياء من الرجل جميل، لكنه من المرأة أجمل. التضحية من الرجل أمر رائع، لكنها من المرأة أروع. هذه الصورة الاجتماعية الوردية لأخلاق المرأة تمثل سلاحاً غادراً يتم سلّه مباشرة لمعاقبة المرأة معاقبةً أشد من معاقبة الرجل، بحجة أن الأخلاق الحسنة متوّقعة منها أكثر! وبالتالي فالخطأ الذي ترتكبه أكبر. يلعب "التأويل الفقهي" دوراً معززاً لهذه الصورة الاجتماعية، فالجنة مرتع الرجال، لكنها تحت قدمي المرأة،  نسبة تأويل حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" الموضوع. فالجنة ليست تحت أقدام أي امرأة، فقط الأم. ورغم أن هذا التأويل نوع من التكريم، فهو مشروط أيضاً وشديد الخصوصية. تحاول الفتاة منذ سن مبكرة الدخول في هذا الماراثون الأخلاقي لتحصل على راية البنت الأكثر أدباً من الولد. بعض النسويات يقعن في فخ تعزيز المفاضلة هذا، ويعتقدن أنه جزء من "تكريم" المرأة أو دليل على كونها أقْدَر، دون أن يتساءلن عن عواقب ذلك، أو عن: لماذا يتم اعتبار (بعض الأخلاق الحسنة) ميزة للمرأة دون الأخلاق الأخرى؟
تم فقط تفضيل المرأة في حزمة من الأخلاق الحسنة المختارة بعناية لإبقائها في مرتبة أقل، تابعة وخاضعة
يتم تداول قصص النساء الصابرات كجزء من تكريمهن، دون الإشارة إلى حياتهن المسلوبة وأجسادهن المتورّمة
لا أحد سيقول لك: الشجاعة من الرجل رائعة، لكنها من المرأة أروع! ولا تحقيق المناصب الوظيفية العليا من الرجل أمر جميل لكنه من المرأة أجمل؟ على العكس تماماً، يتم فقط تفضيل المرأة أخلاقياً في حزمة من الأخلاق الحسنة المختارة بعناية لإبقائها في مرتبة أقل، تابعة وخاضعة، مع إبعادها تماماً عن الحزمة الأخلاقية المكمّلة، والتي تمكّنها اجتماعياً.

الصّبر

رغم أن "مصير الصبر حيوصّل مراكبنا"، يبدو أن مركب صبر المرأة لا ينبغي أن يصل بها إلى أيّ شطّ. فهي مطالبة بالصبر غير المحدود كجزء من أخلاقها الحسنة. تتصل، وهي معنّفة، بشيخ تستفتيه بشأن زوجها المعنِّف فيطالبها الشيخ بالصبر ويعدها بالأجر. ولا يبدو الرجل مهتماً بجمع سلّة الأجور من هذا النوع، فتفاتح اختصاصياً نفسياً في مسألة تحرّش، ليطالبها الاختصاصي بالصبر حفاظاً على السمعة الحسنة. ويتم تداول قصص النساء الصابرات كجزء من تكريمهن وتقديمهن كقدوات، دون الإشارة إلى حياتهن المسلوبة، وأجسادهن المتورّمة، ودون أن يتم التفريق بين الصبر الجميل الذي يكون حلاً للمشكلة، والصبر التمييزي الذي هو المشكلة.

الحياء

الحياء الذي كان حلية الرجال والنساء، ووُسم بالإيمان، أصبح صفة نسائية بحتة. فكثيراً ما توصف الفتاة التي تخرج من دور "الدرّة المكنونة" أو تعبر عن وجهة نظرها بأنها فتاة قليلة الحياء وطويلة اللسان. بالمقابل، فالولد الذي يعبر عن وجهة نظره هو ذكيّ وفصيح. يتم تقديم بطلات الإغراء في الأفلام العربية في أدوار تتخذ الحياء وسيلة للغواية، تعزيزاً لأنثوية الصفة وأهميتها في جاذبيتها. لا مشكلة في ذلك. لكن المشكلة في ربط سمات الحياء الاجتماعية بعفّة المرأة وأخلاقها، فيستسهل كثيرون قذف امرأة ما في عرضها بمجرد أن تتصرف ما يمكن اعتباره – بنسبيّة شديدة!- سلوكاً خارجاً عن الحياء العام، في اللبس أو في الكلام.

الأمومة الخارقة

صديقنا شوقي، روّج لفكرة "الأم المدرسة" التي احتفت بها نساء كثيرات ووجدنْ فيها "طبطبة" وتعويضاً عن النقص الهائل في رتبتهنّ الاجتماعية، فهي عظيمة ليس لذاتها، ولكن لكونها أماً. لا نجد وصفاً مقابلاً للرجل الأب الذي يتم تهميش دوره الداخلي في البيت. هذا الوصف موضوع لتعزيز الأمومة كوظيفة أولى للمرأة، وبالتالي يتم إقصاء جميع النساء الأخريات من أي مكانة اجتماعية خارج هذا الإطار المحدود. وهذه مجرد مغالطة أولى، لكن المغالطات تتوالى في وصف ماهية الأم. فلا يتم الاحتفاء بأم البنات بالقدر نفسه الذي تحظى به أم البنين. فأم الفتاة في شقاء، تحزن عليها الأمثال الشعبية، كالمثل الفلسطيني القائل: أم الولد بخير وأم البنت بويل. يجري الاحتفاء أيضاً بالأم العاملة بالقدر الذي يحتفى به بالأم التي ضحت بنفسها وحياتها ودراستها وعملها لتجلس مع أولادها. وهكذا حتى نصل إلى صورة إنسانية منقوصة ومشوهة يتم دفع النساء إلى اكتسابها كشرف عظيم. وبدلاً من الحديث عن إعادة توزيع عادلة لدور الوالِديّة ( الأم والأب ) داخل البيت، تتحدث النساء عن طرق "التوفيق" بين العمل والمنزل، ثم بين الدراسة والزوج. لا أحد يسأل رجلاً عن محاولاته في التوفيق بين قضاء أمسية مع زوجته وبين العمل ساعات إضافية، بينما يحاول الجميع خلق مثال للمرأة الخارقة التي تعمل وتدرس وتطبخ المحاشي وتربي الأبناء. تقع بعض النسويات في الفخ مرة أخرى ويستخدمن صورة الأمومة للحديث عن المهارة الاستثنائية للمرأة الخارقة. ويتحدث مروّجو الدراسات الزائفة عن اختصاص المرأة بمهارات متعددة في مقابل بلادة الرجل ( الفكاهيّة ) الذي لا يحسن غلي الحليب لطفله، دون أن يسأل أحدٌ هذه الأم هل حصلت على وجبتها دافئة ذلك اليوم أو حظيت بوقت خاصّ للاسترخاء كحق إنساني. ودون أن يسألها أحد عن استعدادها لبناء المزيد من "الفصول" واستقبال المزيد من "الطلبة في مدرستها". وأخيراً يتم استخدام فضيلة الأمومة للانتقاص من المرأة العاقر بقدر أكبر من الانتقاص من شأن الرجل العقيم. مع تأكيدي لفضيلة الأخلاق وحلاوة الصبر وجاذبية الحياء وغير ذلك، لا بد أن نشهد بإزاء ذلك، تربية الفتاة على الأخلاق المتممة، وعلى أن تفصح عن ذاتها، وأن تكون شجاعة وفاتنة وطموحة، وأن تملك حق اختيار وظيفتها الاجتماعية بمنأى عن أي تفضيل موهوم لصفات محددة، أو أدوار منقوصة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image