على غرار "الرسوم المسيئة" إلى النبيّ محمد، تفتقت قرائح السودانيين عن إبداع "أحلام مسيئة" للرسول مع زعم بعض قادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، رؤيته في أحلامهم وهو يطلق مواقف مؤيدة للنظام السوداني المستبدّ.
آخر محاولات خلط الحزب الحاكم المتعمد بين الدين والسياسة، ما قاله النائب في المجلس التشريعي لولاية الخرطوم كمال حمدنا الله.حمدنا الله استغل مداخلته في جلسة البرلمان المخصصة لمناقشة تقرير لوزارة الصحة، كي يوجه الكلام إلى وزير الصحة في ولاية الخرطوم، بروفيسور مأمون حميدة، ويقول له: "عندما ذهبت إلى الحج قبل عامين التقيت أحد الأطباء وذكر لي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وطلب منه أن يبلغ مأمون حميدة السلام بالنيابة عن أمته".
وعوضاً عن تأنيب النائب لحرف انتباه النواب عن أجندة الجلسة بأموره الخاصة، تعالت أصوات النواب بالتكبير والتهليل، وأجازوا تقرير الوزير بالاجماع، لا بل سارع بعضهم للمطالبة بمنح حميدة وسام رئاسة الجهمورية لانجازاته في الحقل الصحي.
هذا مع العلم أن حميدة نفسه كان قد خاض معارك مريرة مع النواب بسبب "قانون التبغ". وهو يحظى بدرجة كراهية عالية في الأوساط السودانية بسبب تصريحاته المستفزة من شاكلة: على السودانيين أكل الضفادع للمساهمة في مكافحة أمراض الخريف.
الجاتا جاتا من الأرض
للسودانيين تاريخ مع المنامات. قديماً، تم فصل المحاضر في جامعة جوبا السودانية، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، الأستاذ فاروق كدودة، وقيل إن السبب حلمٌ راود مدير الجامعة إبان فترة تمكين الإسلاميين من مفاصل السلطة في السودان.
حينذاك، جاء المدير حاملاً خطاب فصل كدودة، وقال له بكل برودة أعصاب إن القرار صدر لكونه رأى في المنام أن عليه فصله. فما كان من كدودة إلا أن جمع أوراقه وبدأ بإخلاء المكتب. وقال قولة شهيرة حمد الله فيها ثم أخبر المدير أنه سينفذ القرار الصادر بحقه خوفاً من أن يأتيه في اليوم التالي ويقول له: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}.هذه القصة ليست ضرباً من ضروب الخيال، لا سيما إذا وضعناها إلى جانب مقولات كثيرة يمارس فيها المسؤولون السودانيون خلطاً غريباً بين الشرعية الإلهية وبين أفعالهم المسيئة لأهل الأرض، إلى درجة قول الشاعر السوداني محمد الحسن سالم حميد: "الجاتا جاتا من الأرض ما جاتا من تالا السما"، أي أن الذي حل بالبلاد مصدره أعمال أهل الأرض ولم ينزل إليها من السماء.
نماذج غريبة
سلوكيات المسؤولين السودانيين الغريبة كثيرة. فحين أراد رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في البرلمان، سالم الصافي حجير، معالجة أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني، قال: "نسأل الله أن يصل سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية إلى جنيه. وليس ذلك على الله ببعيد".
ويظهر خلط قادة الحزب الحاكم بين الدين والسياسة في الصفات التي يجب أن يتحلى بها مرشحو الحزب للانتخابات الرئاسية التي ستجري في أبريل 2015. فقد وضعوا 18 شرطاً على المرشح، منها أن يكون "القوي، الأمين، الحفيظ، العليم" (من أسماء الله الحسنى). وعندما أراد حزب المؤتمر الوطني معاقبة أعضائه الذين ارتكبوا مخالفات، أقرّ لوائح فرض فيها معاقبة مرتكبي المخالفات "التربوية التزكوية" بحفظ سور كبيرة من القرآن الكريم.النبي من جديد
في إحدى المناسبات الجماهيرية، خرج أحد أعضاء الدفاع الشعبي، الذراع العسكرية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، ليقول للناس إنه رأى النبي في الحلم بمعية الرئيس السوداني عمر البشير، وإثنين من كبار قادة الحزب هما علي عثمان طه، ومساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع.
وقال عضو الدفاع الشعبي، إن الرسول أمسك بيد د. نافع، وتلا قول الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ}. وكانت ردة فعل الحاضرين، تكبيراً، وتهليلاً، واستبشاراً بأحاديث "المجاهد"، اللفظة المتدوالة بين أفراد مليشيا الدفاع الشعبي لوصف أنفسهم، لكون ذلك تأكيداً على أن قادتهم يمثلون ظل الله على الأرض.
ومعلوم أن المحكمة الجنائية الدولية، تتهم الرئيس السوداني بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب في إقليم دارفور، غرّبي السودان، المضطرب منذ العام 2003.توقّفوا
يرى عدد من أعضاء الحزب الحاكم ذي التوجهات الإسلامية، أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم "رؤيا حق"، إذ لا يمكن للشيطان أن يتمثل في شخصه الكريم.
وشدد سعيد فضل المولى، وهو أحد "الكوادر" الشبابية للحزب، على أن أعضاء الحزب متشربون الروح الإسلامية، ويعرفون مغبة التقّول على النبي صلى الله عليه وسلم. وقال لرصيف22: "نحن نستبشر بأيّة رؤى للرسول الكريم ونحسبها رؤيا حق، ومن يكذب على النبي صلى الله وسلم "فليتبوأ مقعده من النار"، كما يقول الحديث الشريف".في المقابل، قال نائب رئيس هيئة علماء السودان، الشيخ عبد الحي يوسف، في خطبة الجمعة في 13 فبراير، إن قصة رؤية الرسول الكريم يقرأ السلام لمأمون حميدة إنما هي دجل ونصب واستخفاف بعقول المسلمين.
وأضاف الشيخ المقرب من الحكومة إن كثيرين من الكذبة والأفاكين يدّعون رؤية الرسول الكريم في المنام، وأنه أثنى على فلان من الناس تزلفاً لكبير وتصنعاً لمسؤول، وهذا من أفحش الكذب.
كذلك دعا الناشط الشاب، جمال الصادق، إلى "وقف الأحلام المسيئة" وقال لرصيف22 إن "على قادة حزب المؤتمر الوطني التوقف عن المتاجرة بالدين فوراً، والكف عن التذرع بالنبي المكرم لتبرير قرارات الحزب الفاشلة والامتناع عن تسلق المناصب بالتعلق في أستار النبوة". وإعلاناً لرفض "منامات" قادة الحزب الحاكم يقول المواطن السوداني المعز إبراهيم: "إن كان عمر البشير وعلي عثمان ونافع علي نافع مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد كل ما فعلوه، فلا أريد دخول الجنة وأُفضل دخول النار".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...