شاعر الغناء المصري سيد حجاب: الصيّاد الذي التقط "جنّية البحر"
الأربعاء 15 مارس 201708:57 م
أغوته "جنية القصيد" فعشقها، هام على وجهه يتلمس طيفها بين مراكب الصيادين، فلم يجدها، أدار مركبه وتوجه إلى قلب البحر حيث كانت تلوحُ له وهو يقف على الشاطئ. أدار مركبه، ونزل البحر، ظل يجذف ولمّا وصل لَمْ يجد لها أثراً.
سمع صوت غناء. انتبه. وجدها تغني وترقص حافية القدمين، لـ"يدندن بمجدافه على الميه". تبادلا قلبيهما، فأدارت الدنيا لهما ظهرها. غدرت به عفاريتُ الليل. سقط قتيلاً. نقلته الجنية إلى عالمها، لتعيش مع الجثمان، وتروي له ما يحدث على شاطئ بلاده.
هذه دراما فريدة صنعها سيد حجاب في قصيدته "صياد وجنية".
https://soundcloud.com/mervat-el-jissri/sjrtgpakx855
حجاب بين الفصحى والعامية
(أنا مهما أقول/ ما ينتهى لي بحر قول/ ده البحر جنبي... لو أمد إيديا أطول شموس كتير... شموس أصيل) (ابن بحر صياد وجنية) هو سيد حجاب، أحد سادة شعراء العامية المصرية. ولد على ضفاف بحيرة المنزلة بمحافظة الدقهلية في المطرية عام 1940، وهي مدينة صيادين، كل لحظة فيها مغناة بشكل أو بآخر. فالإنسان، بحسب حجاب، يعيش حياته يغنّي أو يُغنّى له من لحظة ميلاده إلى لحظة الرحيل، وهي اللحظة التي وافته تزامناً مع الذكرى السادسة لثورة 25 يناير. عاش ومات وهو يغني "للفرح موال، وللحزن موال". دخل عالم الشعراء من بوابة الفصحى بعدما أتقن علم العروض والقوافي على يد أبيه، الأزهري الشاعر الذي أثقلته كثرة الأولاد فكف عن كتابة الشعر. نظم الشعر العمودي في العاشرة، التقاه أحد أساتذته فأوصاه: "أنت تكتب عن عدد من المشاعر ستنتهي، مهما جودت فيها، وستصبح وقتها "صنايعي شعر"، أنت تعيش في مدينة بها 30 ألف صياد، كل صياد يمتلك ما بين 10 و15 قصيدة، عليك أن تسجل هذا التراث". راح حجاب، وهو ابن أسرة من المتعلمين والمثقفين، ينزل البحر مع أقاربه الصيادين، في محاولة للبحث عن القصيدة في قلب البحر والصياد. سرعان ما تخلى عن الشعر العمودي، فكان هذا القرار خطوته الأولى نحو النضج الفني. قرر أن يكتب عن الصيادين وحياتهم وأساطيرهم، واكتشف أن شعر الفصحى لا يتناسب مع ما يقبل عليه، فاتخذ قراراً بتغيير اللغة أيضاً. لم تتأتَّ لغة حجاب دفقة واحدة، ولم يعلم آنذاك كيف ينجو من الموجة المخيفة التي يواجهها وهو الذي تدرب جيداً في "بحور الخليل"، فسرد بالفصحى وصنع حواراً بالعامية، ولكنه لاحظ بعدها ازدواجاً منفراً في القصيدة، فأرقه ذلك كثيراً. في ذاك الزمن، كان شعر العامية يصنّف على أنه "بتاع الناس الغلابة"، بحسب قول "العم حجاب" لرفيق دربه "عمار الشريعي"، في "سهرة شريعي" 2011. ورغم ذلك، وربما لأجل ذلك، منحها حجاب وقته ومجهوده، ليقضي معها 67 عاماً من عمره المنتهي في السابعة والسبعين، يقرأ وجوه المهمشين من الصيادين والفلاحين والحرافيش، ويرسم ملامحهم بدقة ووعي في دفتر أشعاره الذي ترك به 5 دواوين (صياد وجنية، في العتمة، أصوات، نص الطريق، قبل الطوفان الجاي). https://www-youtube.https.co/watch?v=BMQ03_vs0rQ وصل ميراثه الإنساني أيضاً إلى "عشرات القصائد الغنائية التي وثقها عبر "الديوان المرئي" الذي قدمته الدراما المصرية في أواخر الربع الأخير من القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، ليكون ثالث ثلاثة أسهموا في تشكيل وتنوير الوعي الجمالي للمصريين، إلى جوار الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبدالحافظ"، حسبما ذكر الناقد الأدبي صبري قنديل في تقديم كتاب "سيد حجاب صياد الحواديت". طاف حجاب الشوارع والحارات والأزقة المصرية بالقرى والنجوع والمدن، وتشبع بالموروث والعادات والطقوس، وأعاد إنتاجها في قالب جمالي. جعلنا نتصالح مع الحياة والهوية والموروث بأسلوب درامي شكّل وجدان المصريين ووعيهم.قصة سيد حجاب، أحد سادة شعراء العامية المصرية"ورث عن الصياد شبكته وغزله، وعن الفلاح فأسه ومحراثه، وعن النجار شاكوشه ومنشاره، وعن البناء مسطرينه ولوحه الخشبي، وعن الكمساري صفارته ودفتر تذاكره، وعن التباع الكتف العريضة الحمول، وعن الفواعلي كروانته، وورث عن الأراجوز أصابعه المتحركة"، وفقاً لما ذكر الشاعر إبراهيم خطاب صاحب كتاب "سيد حجاب صياد الحواديت". وأضاف خطاب "لم يكن هذا إرث حجاب فقط، بل ورث عن الراحل بديع خيري خفة الظل وليونة الجملة الشعرية، وعن بيرم التونسي الإقدام وقت النزال وقدرة التحمل، وعن فؤاد حداد المثابرة والتواضع، وعن صلاح جاهين البساطة وفلسفة الرؤية دون تكلف والغنائي بعمق". خرج حجاب من مدينة المطرية بالدقهلية إلى القاهرة وقد كتب شعراً كثيراً تنوّع بين الفصحى والعامية، ولم يكن قد حسم أمره بعد إلى أن التقى صلاح جاهين، ليحسم له أمر الكتابة بالعامية. وشيئاً فشيئاً صارت لغته عامية خالصة، بعدما استقر على أنها الأكثر تمثيلاً لبيئة الصيادين، وللصور الشعرية المكثفة في مفرداتهم.