شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"جنة الخفافيش" رواية تتجرأ على قول المسكوت عنه في قضية انفصال السودان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 9 مارس 201701:09 م
يرصد "بوي جون" في روايته الأولى "جنة الخفافيش" أجواء الحرب الأهلية في السودان في ستينيات القرن الماضي، وما آلت إليه الأوضاع بعد استقلال جمهورية جنوب السودان، من خلال حبكة روائية تراوح بين الزمنين. الشخصية الأساسية في الرواية هو "أركانجلو مرجان"، طبيب ناجح يعيش حياة هانئة لا يعكرها إلا حلم يتكرر في ليالٍ عديدة يرى فيه والده الذي توفي قبل سنوات طويلة ولا يعرف عنه إلا القليل. يقرر العودة إلى مدينته الأصلية "واو" بحثاً عن أي معلومات عن والده الذي قُتل في حادثة شهيرة. "كنت أخشى أن أُستقبل مثل ابنٍ جاء يتقبّل العزاء في والد مات منذ سنوات، لذلك دخل الخوف نفسي عندما طلب قائد الطائرة ربط الأحزمة استعداداً للهبوط، رغم أن نداءه كان إشارة إلى تحقق اللحظة التي ظللت أتمناها طوال حياتي، لحظة أن أكون حيث الحكايات تدور دوماً حول أبي الغائب، رغم الإحساس به يملأ كل ركن من المنزل". يلجأ الكاتب إلى استخدام أسلوب اليوميات المتقطعة في روايته، إذ يسجل البطل العائد تفاصيل ما يراه وما يحدث معه، غير أن هذا لا يمنعه من العودة في مرات كثيرة إلى الماضي سواء في ذكرياته هو عن المدينة التي عاش فيها سنواته الست الأولى، أو في أحاديث الأقارب الذين يلتقيهم ويحرّض قدومه ذاكرتهم. هكذا يقتفي "أركانجلو" أثر الحرب القديمة على المدينة، متطرقاً إلى موضوع انفصال جنوب السودان والآمال التي عقدها الناس هناك على هذا الانفصال، وكيف سيطرت عليهم "أسطورة أرض الأحلام"، التي سوف تدر للجميع لبناً وعسلاً، لكن ما حصل حقيقةً أثبت أن جميع ما حلموا به وما تمنوه كان مجرد أوهام. هكذا، تتجرأ الرواية على قول المسكوت عنه، مناقشةً سلبيات الانفصال لتقدم صورة واقعية عنه بعيداً عن ما يروّج كحقائق ومثاليات، "يشاع أن حكومتها تصرف مرتّبات موظفيها بالدولار، لا بجنيهها الذي لم يُطبع عشية الاستقلال سوى لزوم استكمال متطلبات وجود الدولة لا أكثر. إنه بالفعل وهمٌ يستحق من المرء أن يشفق على من يؤمنون به، لأنهم لو علموا كيف أن المرتبات هنا قد أصبحت تأتي كل أربعة أشهر كأنها فصول السنة، ويفرح لها الناس أكثر من بهجتهم بالعيد نفسه، لتأسفوا لأن الانفصال كما يسمّونه هناك أو الاستقلال كما هو الأمر هنا، كان البداية لنهاية أسطورة أرض الأحلام التي طال الحديث عنها من أهلها وغيرهم". تسلط الرواية الضوء على المجتمع المسيحي في جنوب السودان، فتصوّر عاداته وتقاليده ومعتقداته وطقوسه، وأنماط تفكيره وأساليب عيشه، وهو مجتمع نادراً ما قرأنا عنه في الرواية السودانية من قبل، ونكاد لا نعرف عن همومه وأحلامه ومشكلاته وأفكاره شيئاً، وتأتي "جنة الخفافيش" لتدخلنا إلى هذا العالم كون بطلها ينتمي إليه. إضافةّ إلى ذلك، فإن الرواية تلقي الضوء أيضاً على تاريخهم النضالي والسياسي وتفاعلهم مع الأحداث المحيطة، فأثناء محاولة "أركانجلو" للملمة أخبار والده من الأقارب والأصدقاء الذين بقوا على قيد الحياة، يكتشف أن والده لم يكن مجرد عازف، وأن حادثة مقتله مع باقي فرقته في أحد الأعراس لم يكن مصادفة، بل كان نتيجة نشاطهم السريّ الذي لم ترضَ عنه أحد الأطراف المتنازعة في ذلك الوقت. هكذا يتحوّل مسار البحث ويبدأ الطبيب العائد إلى مدينته بالنبش لمعرفة ما دور والده في ما حدث، ولماذا ظلّ كل ذلك طيّ الكتمان حتى بعد الاستقلال؟ لا بدّ من الإشارة إلى رمزية العنوان الذي اختاره الكاتب لروايته، فرغم أن هناك إشارة لوجود مكان يدعى "جنة الخفافيش"، وهو البساتين المزروعة بالمانجو والتي تلجأ إليها الخفافيش لأنها تستلذ بطعم ثمراتها، وتتطرق الرواية من خلالها إلى نقد الحكومة وأدائها، إلا أن هناك معنى آخر وراء هذا العنوان، معنى ندركه بعد أن نقرأ عن الخراب الذي سببته النزاعات في السودان، وبعد أن تتكشف الغوامض وراء مقتل والد البطل وفرقته. "مع تآكل الجنة ونقصان مساحتها سنوياً، بفعل زحف المباني الحكومية وابتلاعها دون رحمة أجمل البساتين التي تتنفس عبرها مدينتنا أصبحنا نخشى أنها سوف تختفي، وعند حدوث ذلك لا أحد منا يعلم إلى أين سوف تهرب المدينة من موجات الحر الحارقة. على كل حال، الجميع هنا في انتظار ما سوف تقوله الحكومة عندما يرفع الأهالي إليها الشكاوى، أما أنا فأعلم أنها لن تفعل شيئاً، لأن اللصوص الذين يجلسون في المكاتب هنا إخوة في الأفعال مع أولئك الجالسين في مكاتب فارهة في العاصمة". بوي جون شاعر وكاتب من جنوب السودان. هذه روايته الأولى وقد أنجزها ضمن برنامج "آفاق لكتابة الرواية" بإشراف الروائي اللبناني جبور الدويهي. الناشر: دار الساقي/ بيروت عدد الصفحات: 174 الطبعة الأولى: 2017
يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image