"هل ترضى أيها العربي أن تخرج أختك مع شاب يهودي؟" سؤال جاء ضمن سلسلة حملات تشنها المنظمات اليهودية المتشددة في إسرائيل لمواجهة ما تسميها ظاهرة "الانصهار"، أي تزوج الفتيات اليهوديات شباباً من عرب 48، أو الوقوع في غرامهم بدلاً من شبان يهود.
الظاهرة التي توصف بين أوساط اليهود بـ"الهولوكوست الصامت" نظراً لخطرها المزعوم على الهوية اليهودية - خاصة في ظل دراسات تتحدث عن أن 50% من اليهود خارج إسرائيل تعرضوا للانصهار - استوجبت عمل تلك المنظمات بطرق وأساليب مختلفة مستخدمةً التهديد والوعيد ضد الشباب العربي، ونشر دعايات وموادّ تحض على كراهية العرب والتحريض ضدهم.
"خطوات شيطانية"
في سياق تلك الدعايا، نشر موقع "هيدبروت" اليهودي المتشدد تقريراً بعنوان "70 ألف يهودية تعيش لدى عرب... ما هي الخطوات التي يتبعها العرب لإسقاط البنات اليهوديات؟ اقرأوا وستفاجأون". التقرير الذي نشر في 13 نوفمبر 2014، يصور العربي وكأنه شيطان حقيقي، يفكر ويخطط وينفذ مؤامرات خارجية لإسقاط الفتاة اليهودية وممارسة الجنس معها. يقول الموقع إن الشاب العربي يصطاد فتاة تكون وحيدة ليست محاطة بالأصدقاء، ترتدي ملابس مكشوفة تنم عن التسيب والانفتاح، ويفضل لو كانت تمر بظروف نفسية أو أسرية صعبة، ليقوم بالتودد إليها ومديحها والتغزل في جمالها، ثم يدعوها لتناول الطعام، وينفق بسخاء، ويتحدث عن ثرائه، ويقدم لها هدية غالية. ويتهم "هيدبروت" الشباب العربي بتلقي 10 آلاف دولار من جمعيات عربية وإيرانية مقابل "كل فتاة يهودية عذراء يتم فض بكارتها"، وبإجبار الفتيات على إقامة علاقات جنسية. تبدأ بعد ذلك بحسب مزاعم الموقع مرحلة ابتزاز الفتاة التي تجد نفسها مضطرة لتلبية الرغبات الجنسية للشاب العربي خوفاً من أن يكشف المستور أمام أسرتها، لافتاً إلى أن هناك الكثير من النساء اليهوديات يعشن حياة مزدوجة بين زوج يهودي وعشيق عربي لهذا السبب. وإذا رغب الشاب في تزوج الفتاة، تابع التقرير، فسينقلها لمحل سكنه ويحبسها في المنزل ويضربها، ويجبرها في أحيان كثيرة على اعتناق الإسلام. أما النهاية فتأتي عندما تنجح الفتاة في التخلص من هذه الورطة لتعود إلى بيتها اليهودي منكسرة طول العمر. ويزعم الموقع المتشدد أن هناك حالات انتهت بالقتل وحرق الجثة.اصطياد من فيسبوك
نشر موقع "هاكول هيهودي" (الصوت اليهودي) بتاريخ 2 فبراير 2016 تقريراً استعرض فيه هو الآخر طرق الشباب العرب لاستدراج اليهوديات تحت عنوان "هكذا يصطاد العرب الفتيات اليهوديات". وزعم كاتب التقرير أفراهام شابيرا أن الكثير من الشباب العربي في إسرائيل يتخفون خلف أسماء عبرية يهودية لصيد الفتيات، وفي النهاية وبعد حدوث حالة من الارتباط العاطفي، يكشف الشاب هويته العربية، وتتقبله الفتاة في كثير من الأحيان.يتهم إسرائليون الشباب العرب بتلقي 10 آلاف$ من جمعيات عربية وإيرانية مقابل كل فتاة يهودية يمارسون الجنس معها
منظمات إسرائيلية مخصصة لمنع العلاقات الرومانسية بين الشباب المسلمين والفتيات اليهودياتأما بنتسي غوبشتاين مدير عام منظمة "لهافا" اليهودية المتشددة التي تركز على منع الانصهار أياً كان نوعه بين الفتيات اليهوديات والعرب، فقد خاطب الفتيات اليهوديات عبر الموقع قائلاً: "أطلب من كل الفتيات ممن لديهن فيسبوك عدم قبول صداقة فتيات لا يعرفنهن. صادفتني حالات لعرب انتحلوا صفة بنات يهوديات لإسقاط بناتنا على الفيسبوك، وعندما طلبن منهم صوراً أرسلوا لهن صورا مفبركة". وكشف عن تشكيل المنظمة التي يترأسها فريقاً من عشرات اليهود ينتحلون شخصيات عربية لمعرفة الشباب العربي المنتحل لشخصيات يهودية. وأضاف: "المشكلة أن لديهم (العرب) المال، ويقدمونه للفتيات حتى قبل أن يلتقوا، وبعد ذلك وعندما يكتشفن أنهم عرب، لا يحبذن قطع العلاقة".
"صائد المنتحلين"
ونشر موقع القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي في 19 أكتوبر 2016 تقريراً كشف فيه عن بعض نشاطات المنظمة المتعلقة بهذه المسألة، وقال: "حددت منظمة لهافا هدفاً لنفسها هو منع العلاقات الرومانسية بين المسلمين والفتيات اليهوديات. ومن أجل تحقيق الهدف، أطلقت غروبات واتس آب لنشر أسماء الشباب العرب وتفاصيلهم الشخصية، إلى جانب دعوات لإزعاجهم من خلال تهديدهم عبر الهاتف". اسم مجموعات الواتس آب هذه "حديث يومي"، ويقوم شخص يسمّي نفسه "صائد المنتحلين" بإرسال صفحات الفيسبوك وأرقام الهواتف الخاصة بشباب عرب يقيمون علاقات مع يهوديات. ويطلب "الصائد" في إحدى الرسائل التي حصل موقع القناة الثانية عليها من شباب المنظمة الاتصال بالشباب العرب من رقم هاتف اسم صاحبه ليس مدرجاً في شركة الاتصالات وأن يوضحوا له "بشكل قاطع وبصورة قانونية "أسباب انطواء أفعالهم على إشكاليات. وفي إحدى الرسائل كتب "الصائد" لناشطي الحركة "أوضحوا له (للعربي) أن ابنة الملك هي لابن الملك". وقال عدد من الشباب العرب الذين تحولوا إلى ضحايا لتلك المضايقات للموقع إن هذه المكالمات كثيراً ما تتضمن تهديدات وشتائم، وأن الحديث لا يدور عن مكالمة أو بضع مكالمات بل العشرات. وقال أحدهم: "يأمرونني بأن أبتعد، هددني أحدهم بأن يأتي إلي ويضربني إذا لم أفعل". وفي معظم الحالات، لا يتجه الشباب العرب للشرطة الإسرائيلية لتحرير محاضر أو مراقبة هواتفهم، لأن الكثير من عناصرها يتعاونون سراً مع منظمة "لهافا" المتشددة، باعتقادهم. وكشف تقرير آخر لموقع القناة بتاريخ 3 فبراير 2016 عن اتهامات موجهة لأحد عناصر الشرطة بتسليم المنظمة التفاصيل الشخصية لفتيات يهوديات شوهدن مع شباب عرب. الغريب أن غوبشتاين استنكر التحقيق مع الشرطي، معتبراً أنه يجب منحه "شهادة تقدير لقلقه بشأن أخواتنا". "لهافا" ليست وحدها في هذا المضمار، وهناك عدد من المنظمات المتشددة الأخرى، أخذت على عاتقها "محاربة" ظاهرة العلاقات الرومانسية بين اليهوديات والعرب، من بينها منظمة "ياد لأحيم" (يد للإخوة)، التي تكثف من نشاطاتها في مدارس البنات الإعدادية والثانوية، والمدارس الداخلية، لزرع العداوة بين الفتيات للشباب العرب، وإقناعهن بأن السقوط في هوى عربي خطيئة غالباً ما تنتهي بكوارث قد تصل إلى القتل. موقع "بحداري هاحداريم" (في الغرف المغلقة)، وهو واحد من المواقع الناطقة بلسان اليمين اليهودي المتشدد، قال في تقرير بتاريخ 8 سبتمبر 2016 إن المنظمة تلقي محاضرات أسبوعية في المؤسسات التعليمية، من خلال "ناجيات" من القرى العربية، يروين تجاربهن "الشنيعة" بعدما أحببن أو تزوجن شباباً عرباً.غرام المجندات
في 26 أبريل 2014 بعث بنتسي غوبشتاين برسالة عاجلة إلى رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال بني غانتس - نشرتها القناة السابعة - حذره فيها من تنامي ظاهرة غرام مجندات إسرائيليات بشباب عرب، معتبراً أن ذلك يمثل خطراً كبيراً على الأمن القومي الإسرائيلي، ويهدد بوصول معلومات سرية عن الجيش للعرب.حرب اللافتات
تعتمد هذه المنظمات في عملها على عدة طرق، فبالإضافة إلى التحرش بالشباب العرب، وتخويفهم وتهديدهم، تشن حملة "توعوية" واسعة عبر الملصقات واللافتات التي تنتشر في مختلف أنحاء إسرائيل، وتحذر الفتيات من السقوط في غرام الشباب العربي، وتحذر الآباء والأمهات اليهود من وقوع بناتهم في ذلك. جاء في أحد هذه الملصقات ضمن حملة "لن يبدأوا مع أختي!": ماذا ستفعل إذا بدأ عربي مع أختك؟ لنضع حداً لذلك! رصدنا أخيراً ظاهرة محزنة، مئات الفتيات من بت يام (مدينة تابعة لتل أبيب) ومناطق الوسط يصاحبن عرباً، إنهم (العرب) يندمجون داخلنا، وبذلك تتزايد ثقتهم في أنفسهم. لنضع حداً لذلك، ونقلل ثقتهم في أنفسهم. يا يهود تعالوا ننتصر". وورد في ملصق آخر لمنظمة "لهافا" :"أيتها اليهودية لتدركي أنك ابنة ملك! حظيت بأن تكوني ابنة شعب عظيم، مختار ومقدس، شعب إسرائيل. انطلاقاً من تجربة مريرة وحب كبير، نوصيك بحرارة: لا تخرجي مع العرب أو الأغيار، ليس عليك أن تكوني ملتزمة دينياً كي تدركي أنه من الجميل جداً أن تكوني يهودية فخورة. ليس عليك أن تكوني يهودية ملتزمة كي ترغبي في أن يردد ابنك "شماع يسرائيل" (صلاة يهودية) وليس "الله أكبر"، احذري من الغريب الذي يسعى فقط لإهانتك. فاليهودية لا تخرج إلا مع يهودي". وكُتب في ثالث: "اليهودية الغالية أنت ابنة ملك، فكري في هذا مجدداً! يمكنك منعه الآن! هناك أكثر من 50,000 ألف يهودية في الأسر العربي، يتعرضن لتعذيب يومي كونهن يهوديات. آن الأوان لنا كي نوقف ذلك! اليهوديات الغاليات الأمر منوط بكن. بإمكانكن منع هذا الآن وإخبارنا. هل تعرفون بحالات انصهار؟ أبلغونا على الرقم وانضموا أيضاً إلى مجموعات الواتس آب الخاصة بنا وأرسلوا الاسم والمدينة (أي تفاصيل الفتاة أو الشاب العربي على الرقم...)". وهناك الكثير من الملصقات الموجهة للعرب، والتي تهددهم بشكل صريح بلغتين عبرية وعربية باللهجة الفلسطينية مثل "أيها العربي لا تتجرأ حتى على التفكير في يهودية"، و"أيها العربي لا تعبث مع أختي"، وترجمت "دير بالك تتحشر ببنات يهوديات"، ولافتة أخرى وضعت على إحدى السيارات تقول "يا يهود... تعالوا ننتصر... بنات إسرائيل لشعب إسرائيل". الرسالة الأكثر تهديداً كانت في ملصق بالعبرية ومترجم إلى عربية ركيكة، جاء فيه: "الشاب العربي المحترم. نحن لا نريد أن تتعرض للأذى. ومثلما لا ترغب في أن يخرج يهودي مع أختك، كذلك لسنا مستعدين أن يخرج عربي مع واحدة من شعبنا. ومثلما كنتَ لتفعل أي شيء كي لا يخرج يهودي مع أختك، كذلك نفعل نحن أيضاً. إذا كنت تفكر في الذهاب للتسكع في الشارع أو المتجر في القدس للخروج مع بنات يهوديات فلتنس الأمر، يمكنك التسكع في قريتك وإيجاد صديقات هناك، لكن ليس عندنا! في الأسبوع الماضي أصيب عربي فكر في إيجاد بنات يهوديات. لا نريد أن تتعرض للأذى. احترم شرف بناتنا، لنعاملك بالمثل".اعتراف بالتحريض على الكراهية
لكن، مقابل المزاعم والقصص التي تروّج لها المنظمات اليهودية المتشددة حول العواقب "الوخيمة" التي قد تتعرض لها الفتاة اليهودية بحال أحبت أو تزوجت شاباً عربياً، هناك من ينكر هذه الروايات ويشدد على أنها تأتي من منطلق عنصري بحت، كـ"مركز الإصلاح الديني" والذي يعرف عن نفسه بأنه "الذراع العام والقانوني للحركة لليهودية التقدمية (تيار الإصلاح) في إسرائيل والعالم". وقد نشر المركز دراسة مطولة (50 صفحة) في فبراير 2014 بعنوان "ماذا لو أن عربياً بدأ مع أختك؟... عن العنصرية والجندر في إسرائيل". جاء في مقدمة الدراسة التي أعدتها عنات هوفمان، الناشطة النسوية ورئيسة حركة "نساء الهيكل": "رغم نفي حازم من قبل الشرطة الإسرائيلية لظاهرة اختطاف يهوديات على يد عرب، اكتسب التحريض على هذه الخلفية زخماً. تنشر المنظمات وكبار المسؤولين تحذيرات و"قصص إنقاذ" تتمحور حول علاقة نساء يهود وشباب عرب. يذكّون الخوف من الانصهار للتبشير بكراهية الأجانب وتعميق الشك والانفصال بين الجمهور اليهودي والعربي في إسرائيل. موجة العنصرية هذه تلطخ الاسم والقوة الأخلاقية لليهودية وتلقي بظلال كثيفة على التجربة الإسرائيلية".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...