تتجه تركيا بكل مؤسساتها في 16 أبريل المقبل نحو المشاركة في سابع استفتاء شعبي في تاريخها للتصويت على تعديلات دستورية تتضمن 18 مادة تؤدي إلى تحويل نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي الجمهوري في حال تبنّيها.
وهي المعركة التي يعول عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته كثيراً للانطلاق بتركيا نحو "دولة الرجل الواحد".
وأوضح تقرير جمعية الشفافية الدولية أنه تم اعتقال 80 شخصاً من حملة رفض الاستفتاء بين 25 ديسمبر و 31 يناير الماضي، وذلك في ظل الترصد الحكومي بأصحاب كلمة "لا".
وخلال الشهور الأخيرة شهدت تركيا تداعيات الحملات المؤيدة والرافضة للتعديلات الدستورية وانعكست بدورها على مختلف جوانب الحياة.
"فزاعة" الانقسام
شهدت الحياة السياسية في تركيا خلال الشهور الماضية الكثير من التداعيات المؤسفة والمزعجة إزاء الفريقين المؤيد والرافض لتعديل الدستور، تمثلت أهمها في مسلسل التهديد والوعيد والتخويف من فزاعة الحرب الأهلية والانقسام بهدف توجيه إرادة الشعب. ويتصدر أردوغان عبر خطاباته وحكومته مطلقي هذه التهديدات ولكن يشاركهم أيضاً بعض ممثلي المعارضة، في تهديدات مقابلة. أمام أعضاء منظمات المجتمع المدني في يناير الماضي قال أردوغان بشأن سعيه نحو النظام الرئاسي "الأمر لا يتعلق بطموح شخصي بل بضرورة في بلد يعتمد نظاماً برلمانياً عفا عليه الزمن". وقبيل جولته الخليجية الأخيرة قال "الشعب لا يزال لم يع مفهوم النظام الرئاسي. ومن سيصوتون بـ(لا) يرغبون في تقسيم البلاد ويعارضون العلم"، مضيفاً في موقف آخر أن "من يقولون (لا) للنظام الرئاسي يقفون بجانب انقلابيي 15 يوليو". وفي أكتوبر الماضي قال رئيس الحكومة بن علي يلدريم خلال أحد اجتماعات حزب "العدالة والتنمية" الحاكم: "إذا لم يتحقق النظام الرئاسي فستشتعل الميادين، وتنقسم الدولة". وفي الاجتماع الأسبوعي الثاني للحزب في فبراير الجاري، أكد يلدريم "ضيفوا مَن سيصوتون بـ(لا) في خليط داعش، الذي يضم إرهابيي العمال الكردستاني وعناصر (الداعية الإسلامي فتح الله) غولن وحزب التحرر الشعبي الثوري". واستمراراً لنهج التهديد، قال نائب رئيس الحزب الحاكم عن مدنية مانسيا، أوزان إردم، خلال أحد المؤتمرات الشعبية لدعم النظام الرئاسي "لنستعد لخوض حرب أهلية حال فشل التصويت لصالح النظام الرئاسي في الاستفتاء". وفي السياق نفسه قال زعيم المعارضة كمال قليتشدار أوغلو "ستتحول تركيا إلى كوريا الشمالية حال تمرير التعديلات الدستورية التي تمنح كل الصلاحيات لشخص واحد، وسنفتقر إلى الحرية والعدالة والأمن".الدين والسياسة
أدرك رجال السياسة أهمية الدين في تحريك صفوف الشعب وتوجيه إرادته، فبات التغلغل السياسي يتخطى عتبات المساجد. وتبنى الشيوخ والأئمة رؤى وتوجهات سياسية، البعض يقول للتعديلات الدستورية "نعم" مثل جماعة إسماعيل أغا الصوفية، والآخر يقول "لا" مثل جماعة سعيد النورسي. وفي واقعة أثارت الرأي العام، وخلال خطبة صلاة الجمعة بمسجد "إماس" في إسطنبول، قال الإمام حسين غولتش "من سيصوت بـ(لا) خلال الاستفتاء الدستوري المقبل هم الخونة والمصابون بالغفلة، ومثل القتلة الذين شاهدناهم ليلة انقلاب يوليو"، ثم أخذ يذكر إنجازات أردوغان وحزب "العدالة والتنمية"، ما دفع بعض المصلين إلى مقاطعته وتذكيره بأن المسجد يحوي مصلين من كلا الفريقين المؤيد والمعارض ولا يصح هذا الحديث خلال الخطبة، واندلعت موجة احتجاج وخلاف بين المصلين.إذا لم يصل أردوغان إلى مبتغاه وخلده النظام الرئاسي... هو يهدد بحرب أهلية على لسان الكثير من أنصاره
والد أطلق على مولدته الجديدة اسم "نعم" دعماً لأردوغان في الاستفتاء القادم.. فزاعة الانقسام في تركياوتفاقمت الأزمة في مشهد آخر بعد يومين من واقعة مسجد "إماس"، إذ أدى الخلاف السياسي بين العاملين في أحد مصانع الملابس بمنطقة "إسنيورت" في إسطنبول، إلى انقسام صلاة الجماعة للعاملين بمخزن المصنع إلى جماعتين الأولى لمؤيدي النظام الرئاسي، والأخرى للمعارضين له. وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي والصحف الموالية للحكومة صوراً وفيديو لمجموعة من المعتمرين المؤيدين لأردوغان والتعديل الدستوري، يدعون داخل الكعبة لأردوغان و"التصويت بـ(نعم) لصالح الدولة والإسلام والقائد القوي والعمل في سبيل الله، وضد الكفار وجماعة غولن والعمال الكردستاني". وفي إطار تأويل الدين لصالح الرؤية السياسية، أكدت هدى كايا أمينة حزب "الشعوب الديمقراطي" عن مدينة إسطنبول، أن التصويت لصالح الدستور الجديد يخالف الإسلام، واستندت في تفسير رأيها إلى أن "التعديلات الدستورية ستمنح أردوغان صلاحيات مطلقة وهو أمر منافٍ للدين الإسلامي، ويعد إنكاراً لله، وفي لفظة التوحيد نقول (لا إله إلا الله)، وعليه يجب أن نقول (لا) لكل الآلهة المزعومة".
متغيرات اجتماعية
كان لصراع التعديلات الدستورية الكثير من التداعيات على المجتمع التركي بجميع أطيافه والذي يعاني من انقسام سياسي حاد خلال الفترة الأخيرة، ما دفع المزارع مصطفى تشليك المقيم بإحدى قرى محافظة "ديار بكر" جنوب شرق تركيا للتوجه إلى دائرة القيد الحكومية لتسجيل اسم طفلته التي رُزق بها قبل أيام، مطلقاً عليها اسم "نعم"، معللاً ذلك بإعجابه بالرئيس أردوغان ودعمه له في مسيرة الاستفتاء الشعبي في أبريل المقبل، وقال إنه أطلق هذا الاسم على طفلته للتأكيد على تصويته هو وزوجته لصالح التعديل الدستوري. وأكدت الأم أن طفلتها "نعم" ستعد شاهدةً على دعم الأسرة لإنجازات أردوغان في قريتهم. وفي واقعة أخرى جرى تداول فيديو "حافلة نقل الموتى" تسير في شوارع إسطنبول وتحمل داخلها نعشاً وبالخارج تضاء لوحتها الإعلانية بعبارة "إرادة الشعب لن تُقهر"، وهي شعار سياسي طالما رفعه الحزب الحاكم أخيراً. وتعليقاً على هذه الواقعة تساءل أمين حزب "الشعب الجمهوري" محمود تنال: "هل تتدخل السياسة في سيارات الموتى؟"، قائلاً "لا يمكن تقبل هذه الواقعة سواء من الناحية القانونية أو الأخلاقية". أما الصحافية أليف تشاكير، فقد دفعتها حيرتها بين دعمها لأردوغان وتأييدها لحكومة العدالة والتنمية وبين قلقها إزاء الصلاحيات المطلقة التي يمنحها التعديل الدستوري لمنصب الرئيس، إلى إطلاق مقترح غريب يعكس حالة طائفة من الشعب التركي حالياً، قائلة: "أعرف أن الدستور الجديد سيمنح الرئيس صلاحيات مطلقة كثيرة، واقترح أن يتم إضافة مادة دستورية لاقتصار هذه الصلاحيات على أردوغان فقط خلال رئاسته للجمهورية لأنه شخصية قوية تختلف عن الآخرين، ومن ثم يتم نزعها من أي رئيس يليه، لأن أي رئيس سيمتلك كل هذه الصلاحيات سيمثل خطراً على تركيا".الشرطة الشعبية
فوجئ مواطنو تركيا بوجود الكثير من السيارات والحافلات الشبيهة بسيارات الشرطة الرسمية، تجوب شوارع العديد من المدن التركية، وتحمل عبارة "قوات الشعب الخاصة" وشعار الدولة العثمانية، داعين المواطنين إلى التصويت لصالح التعديلات الدستورية خلال الاستفتاء، ما أثار القلق في نفوس البعض من ممارسة هذه "المليشيات" أو "الشرطة الخاصة" أعمال عنف وضغط على المواطنين وتوجيههم للتصويت على عكس إرادتهم ولصالح أردوغان. ومن المثير تجول هذه السيارات بحرية في شوارع وميادين تركيا في ظل ترصد وحبس العشرات من المشاركين في حملات رفض التعديلات الدستورية، وسط تساؤلات عن ماهية هذه القوات الخاصة وأهدافها، فضلاً عن صلتها بشركة "سادات" الأمنية."لا" نوبل
الكاتب التركي أورهان باموق الحائز جائزة "نوبل" للآداب، لم يسلم برأيه المعارض لتوسيع صلاحيات الرئيس، إذ أعلن في وقت سابق اعتزامه التصويت بـ"لا" في الاستفتاء المقبل، ما دفع صحيفة "حرييت" التركية الخاضعة للوصاية الحكومية منذ انقلاب يوليو الماضي إلى حظر نشر حوار خاص أجرته معه مراسلتها في واشنطن جانسو تشامليبيل، بزعم الحيادية السياسية وعدم المشاركة في توجيه الرأي الشعبي. ولكن في المقابل، لا تتوانى الصحيفة عن نشر المواد الإخبارية المؤيدة للتصويت لصالح النظام الرئاسي. فعلى سبيل المثال نشرت الصحيفة تصريحاً مطولاً لأمين الحزب الحاكم عن مدينة إزمير أتيلا قارا، داعياً الشعب التركي للتصويت بـ"نعم"، ومضيفاً: "شعبنا يدركنا جيداً ويمتلك بصيرة، وسيصوت بـ(نعم)". وتعليقاً على هذه الواقعة، صرح باموق لموقع "تي24" أن مراسلة صحيفة حرييت أجرت معه حواراً طويلاً، وأكدت بنفسها عن رضاها الكامل عن الحوار، إلا أن هناك منصة للتكميم والرقابة منعت نشره. وأضاف: "أوضحت إعلامياً موقفي الرافض للتعديل الدستوري، وعليه للأسف لم يُنشر الحوار". وفي واقعة مشابهة، تم فصل الإعلامي عرفان ديرمانجي، من عمله كمقدم برامج على قناة "دي" التابعة لمجموعة دوغان الإعلامية، وذلك بعد إعلانه اعتزامه التصويت بـ(لا) في استفتاء أبريل. وتلقى ديرمانجي الكثير من الدعم الشعبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...