شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أيام التراب": عراق اليوم من خلال سبع لوحات فنية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 27 فبراير 201704:09 م

يتناول "زهير الهيتي" في روايته الثالثة "أيام التراب" موضوع اختفاء الطبقات الاجتماعية في المجتمع العراقي ما بعد الاحتلال الأميركي، والفوضى التي عمّت بسبب غياب الدولة والتي فسحت المجال للأحقاد الدفينة ورغبات الثأر بالظهور والتمدد.

الرواية التي تتخذ من "حي البتاويين" العراقي مكاناً لها، ومن سبعة أيام زمناً لها، تجري على لسان "غصن البان"، شابة تنتمي إلى الطبقة الارستقراطية، تعيش مع أخيها في قصر العائلة الكبير بعد أن تزوجت أخواتها وتوفي والداها.

ستكون اللحظة التي تدفعها لكتابة حكايتها وصول مغلف يحوي رصاصة مع رقم 7، وهو ما يعني أن أمامها سبعة أيام لتغادر منزلها وإلا ستقتل ويتم الاستيلاء على القصر.

"مكثنا، أنا ومملوكة، نتبادل النظرات وقد تجمّدنا لفترة امتدت، مليئة بالعجز... استعضنا بلغة العيون عن لغة اللسان التي عطلتها الدهشة المرّة، ورسمت من حولنا هالة صعّبت علينا إخراج الكلمات المناسبة، أي كلمة تنطق ستزيد الموضوع تعقيداً. حتى الأنفاس باتت محسوبة على ميزان الدهشة الممزوجة بالشؤم. رسالة القتل واضحة لا لبس فيها... خياران لا ثالث لهما: الرحيل أو التصفية الجسدية".

يقدّم الكاتب الآثار الهائلة التي خلّفها الاحتلال، وكيف اقتحم ذاكرة المدن العراقية وشوّه تاريخها وحضارتها وتمدنها، ويجري نوعاً من المقارنة بين بغداد الأمس وما كانت عليه، وبغداد اليوم التي سيطرت عليها الميليشيات.

ميليشيات بدأت أعمال النهب والقتل تحت شعار تخليص البلاد من النظام البائد، في حين أنها تمارس نوعاً من التطهير الطائفي بإرهاب الأقليات الدينية الموجودة وبخاصة المسيحية منها، ونوعاً آخر من التطهير الطبقي لإزاحة الطبقة الارستقراطية التي كانت تشكّل النخبة الثقافية والسياسية للدولة العراقية، ولإحلال طبقة جديدة محلها، تشكّلت ممن كانوا على الهامش وأصبحوا اليوم في مواقع القيادة والقرار.

ماذا تفعلون إن وصلكم مغلف يحوي رصاصة مع رقم 7، وهو ما يعني أن أمامكم 7 أيام لتغادروا منزلكم وإلا ستقتلون

تنقسم الرواية إلى سبعة فصول، كل واحد منها يسرد وقائع يوم من أيام المهلة السبعة المحددة لغصن البان كي تغادر القصر، كما يصف ويحلل هذا الفصل واحدة من اللوحات السبع المعلقة في صالة القصر الكبيرة، والتي تشتبك تفاصيلها مع تفاصيل ما يحدث بطريقة أو بأخرى وكأن الجد الكبير حين اختارها ليضعها كان يتنبأ أن فيها رموزاً لما سيحصل لاحقاً.

"لماذا هذه اللوحات بالذات ولماذا تلك المواضيع الشائكة التي تثيرها؟ هل كان جدي يشعر بالارتياح وهو يجلس مع ضيوفه وينظر إلى لوحة "جزيرة الأموات" لبوكلين؟ أو يتأمل المخلوقات الغريبة لماكس إرنست التي تحاول التهام القديس أنطونيوس؟ أو يفكر في سالومي كما تصوّرها كارافاجيو وهي تشارك والدها في ذبح النبي يوحنا الذي يبدو مستسلماً لقدره مضرّجاً بدمائه على الأرض... أين المنطق في اختيارات جدي؟".

يستعين الكاتب بهذه اللوحات وبعوالمها ليبني عالم الرواية وأحداثها، موزعاً إياها على الفصول التي يحمل كل منها اسمين: اسم صاحب اللوحة، واسماً آخر هو العنوان الذي يختصر الثيمة أو الحكاية الأساسية التي تدور في هذا الفصل.

هكذا بين "الهذيان"، "الاختفاء"، "الحب"، "العتمة"، "الهزيمة"، "الجحيم"، و"الغموض"، تتشكّل لوحة بانورامية عن حياة هذه الأسرة وحكايات أفرادها: الأخ الذي عاد من الحرب العراقية الإيرانية منفصلاً عن الواقع ولا يتذكر سوى أشباح الموت وأصوات الذئاب، الأخت المتمردة التي أحبت شيوعياً وهربت معه فاستحقت أن تختفي من ذاكرة العائلة ومشاعرها، والخادمة "مملوكة" التي تتكشف الأحداث أن العصابة التي أرسلت رسالة التهديد هي من أفراد عائلتها، وأخيراً بطلة الرواية "غصن البان" التي عاشت علاقة جنسية عاصفة مع كاهن مسيحي أحبته، وكانت كاتمة أسرارها عاهرة الحيّ "ريجينة" التي لها حكاية هي الأخرى أيضاً.

تمر الأيام واحداً تلو الآخر، وبطلة الرواية تستدعي الذكريات وتدوّنها، محاولةً الحفاظ على ذكرى العائلة قبل اندثارها، وفي أيامها تلك تتخذ الكثير من القرارات التي تغيّر مصائر الناس من حولها، وفي كتابتها لما حدث ويحدث ترثي زماناً لا يمكن استعادته ومدينةً رحلت إلى غير رجعة.

"التراب يُغرق هذه المدينة ومن عليها. يريد استعادتها من البشر. وأنا اعتقدت في طفولتي بأنها مدينة خالدة. كم يبدو هذا التخيّل ساذجاً الآن! لم أكن أعرف أن التراب هو السلاح السري للطبيعة الذي يتربص بنا منذ الأزل. فها هو التراب يهال علينا كما على الميت الذي يوضع في القبر...  لكن إلى أين سيذهب مجد المدينة المكلل بالملاحم والأساطير، بالرجال والنساء الذين عاشوا وقضوا فيها؟!".

زهير الهيتي كاتب وصحفي عراقي من مواليد 1957، يقيم في ألمانيا. له ثلاث روايات: "يومي البعيد"، "الغبار الأمريكي"، "أيام التراب". كما صدرت له دراسة نقدية بعنوان: "صورة العراقي في الرواية العربية".

الناشر: دار التنوير/ بيروت - القاهرة - تونس

عدد الصفحات: 272

الطبعة الأولى: 2016

يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات أو موقع متجر الكب العربية جملون.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image