رغم نبرات الصوت المرتفعه لجماهير أندية كرة القدم العربية التي يحرص كل منها على التباهي بتاريخ ناديه، يجهل الكثيرون ماضيها الفعلي...
في صفحات تاريخ بعض أندية كرة القدم القديمة قصص طويلة عن علاقة هذه الأندية بالاستعمار، إما محاربةً له، أو خروجاً من تحت عباءته.
الجزائر... كرة القدم لمحاربة الاستعمار
يتحدث سليم شقعار الناقد الرياضي في صحيفة الشروق الجزائرية عن 132 عاماً هي مدة الاستعمار الفرنسي في الجزائر تخللها الكثير من عمليات القتل والتعذيب والاغتصاب وسلب لمقدرات الدولة. لم يكتف الاستعمار بذلك وحسب بل سلك طريقاً لاستغلال البلد العربي رياضياً أيضاً من خلال تجنيد لاعبيه ومنحهم الجنسية الفرنسية لتمثيله في المحافل الدولية. من هنا، طرأت لدى الأحرار الجزائريين فكرة إنشاء فريق كرة قدم لجمع الشباب الجزائري تحت راية النضال والمقاومة، وكان ذلك في عام 1947. ورغم أن القوانين الفرنسية المعقدة التي كانت تمنع الجزائريين من تشكيل أي جمعية رياضية إسلامية حفاظاً على استقرار الاستعمار وعلى رأسها الزام الجزائريين بإشراك فرنسيين ويهود في كل فريق لكرة القدم ليكونوا جواسيس له يعلمونه بأي محاولة للانقلاب عليهم، إلا أن الجزائريين نجحوا في تأسيس فريق جمعية الشلف الذي بات مركزاً رئيسياً لمحاربة الاستعمار. وتوالى في ما بعد ظهور العديد من فرق كرة القدم التي تأسست من أجل القضاء على الاستعمار الفرنسي. وقال سمير بشير، الناقد الرياضي في تلفزيون الهداف الجزائري، إن جميع الفرق المسلمة توقفت عن النشاط في 1956، والتحق لاعبوها بالجبال مكان تجمع الثوار وبات لدى جميع الفرق شهداء في الثورة. أما البطولات الشخصية فكانت كثيرة، إذ يروي سمير بشير قصة لاعب اسمه محمد كورييعة "الثوري" اشتهر بسرعته في تنفيذ العمليات الثورية والهروب بسرعة مثل سرعته في ملاعب الكرة.مصر: فريق يتفاخر بتاريخه وآخر يُلام
في مصر، امتد الصراع بين جماهير الأهلي والزمالك ليصل إلى معايرة أحدهما الآخر بتاريخ مؤسسي الناديين. فالأهلي أسسه عمر لطفي بك عام 1907، وأخد اسم الأهلي لأنه نشأ لخدمة طلبة وخريجي المدارس العليا الذين كانوا الدعامة الأساسية للثورة ضد الاحتلال الانجليزي، ولذلك نشأ وطنياً للم شمل الشباب المصري. وفي عام 1943 تلقى الأهلي دعوة من بعض الأندية الفلسطينية لتعزيز موقفها في مواجهة الأندية الصهيونية. وقتذاك رفض اتحاد الكرة سفر بعثة الأهلي إلى فلسطين بضغط من السلطات البريطانية، إلا أن "مختار التتش" لاعب مصر وأسطورة الأهلي، جمع فريق الأهلي وسافر بصورة غير رسمية بمساعدة فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية الذي استخرج للاعبين تصريحاً بالسفر للعب في فلسطين باسم نجوم القاهرة، ضارباً بقرار الملك فاروق واتحاد الكرة عرض الحائط، مما ترتب عليه شطب الأهلي وحرمانه من المشاركة في النشاط المحلي.العلاقة التي لا تنتهي بين كرة القدم والسياسة... تاريخ أبرز النوادي التي ناضلت ضد الاستعمارفي المقابل، يعاير البعض جماهير الزمالك بسبب الأصول اليهودية لمؤسسها البلجيكي جورج مرزباخ. وأكد الناقد الرياضي بالأهرام العربي علاء عزت أن مزرباخ الذي شغل منصب رئيس لإحدى المحاكم المختلطة في مصر قبل تأسيسه لنادي الزمالك، كان واحداً من أبناء الجاليات اليهودية الكبيرة في مصر وكان اليهود وقتذاك شركاء في جميع المؤسسات الكبرى في مصر، ولم تربطه أي صلة بالكيان الصهيوني. وعلى الرغم من عدم وجود صلة بين مزرباخ والكيان الصهيوني، فإن الجيل الجديد من جماهير الكرة المصرية يصر على التنصل من تاريخ مؤسسيه.
ليبيا: المقاومة تتلقى دعماً من كرة القدم
قال علي مهدي الفايدي، رئيس مجلس إدارة موقع "الكورة والناس" إن كرة القدم في ليبيا بدأت في مدينة بنغازي بعد الاحتلال الإيطالي للمدينة في عام 1911. حينذاك، انتقلت اللعبة من معسكرات الجيش الإيطالي إلى الميادين والشوارع عندما بدأ الإيطاليون في ممارستها في ميادين المدينة. لم يسمح للشعب الليبي بالمشاركة في البطولات التي نظمها الاتحاد الإيطالي على الأراضي الليبية واقتصرت المشاركة فيها على فرق تم تكوينها من وحدات الجيش الإيطالي. ومع مرور الوقت سمح لهم بالمشاركة في مباريات ودية في ما بينهم ثم سمح لهم الاستعمار بتنظيم بطولات خاصة بهم فظهر العديد من الأندية. في عام 1941 طرأت لدى "اسعد بن عمران" فكرة تأسيس جمعية عمر المختار بغرض الوقوف بجوار الأسرى في سجون الاستعمار، بالقرب من صحراء القاهرة، قبل أن يحصل "علي الفلاج" و"محمود مخلوف" و"المهدي المطردي"، على إذن من الاحتلال البريطاني لإنشاء فرع للجمعية بمدينة بنغازي. نبت من الجمعية فريق أهلي سمي عام 1947 بالأهلي تيمناً بالأهلي المصري، إذ رأى مؤسسو الجمعية أن المبادئ التي يتبناها هي نفسها التي أسس عليها الفريق المصري. خاض الفريق العديد من المباريات وكانت تذهب أموال تلك المباريات لدعم المقاومة في ليبيا. وشارك لاعبو الفريق وجمهوره في التظاهرات التي خرجت ضد الملك والاستعمار في عام 1954 وراح ضحيتها عدد كبير من لاعبي ومشجعي الفريق، قبل أن يتوقف النشاط الرياضي في النادي على أثرها. وجح فريق أهلي بنغازي في تأسيس ملعب يخوض عليه مبارياته وأخذ ذلك الملعب في البداية اسم ملعب البركة قبل أن يتحول إلى ملعب 24 ديسمبر. ومن الأندية التي بناها الاستمعار ولا تزال تمارس كرة القدم حتى الآن فريق اتحاد طرابلس الذي أنشأه بعض الأكراد، وفريق أهلي طرابلس الذي أسسه يهود الفلاشة. وما زالت جماهير كرة القدم في ليبيا يتفاخر بعضها بتاريخ مؤسسيه الوطنيين، ويعاني من ينتمون للأندية التي بناها الاستعمار بسبب أصول مؤسسيها.تونس: تصحيح التاريخ المغلوط
وأوضح "أدمن" صفحة راديو الشعب التونسي لرصيف22 أن النادي الإفريقي منذ نشأته عام 1915 باسم الملعب الإفريقي، أسسه رجال توانسة. وحتى مع إعادة تأسيسه مرة أخرى عام 1920، إثر تعليق نشاط الملعب الإفريقي، حافظ الفريق على هويته التونسية، عكس الترجي الذي تأسس عام 1918 كجمعية فرنسية 100% وتحولت إلى جمعية 80% فرنسية عام 1919. ارتبط اسم النادي الإفريقي منذ تأسيسه بالحركة الوطنية سواء بالاسم أو بالألوان واستوحى مؤسسوه اللونين الأحمر والأبيض في شعار الفريق وقميصه من لون العلم التونسي، وكان الغرض من ذلك التأكيد على هوية الفريق التونسية. وفي الثالث من مارس عام 1918، تأهل الإفريقي لمواجهة فريق استاد تينزوا في نهائي كأس "الإسبيرانس"، والإسبيرانس Esperance كلمة فرنسية ترجمتها الترجي ويقصد بها الأمل، والأمل بالنسبة للفرنسيين في تلك المرحلة هو إنهاء الحرب العالمية الأولى التي عانت فرنسا بسببها كثيراً. بث الحضور الكبير للجماهير التونسية في تلك المباراة الخوف في نفس المستعمر الفرنسي الذي رأى في التفاف هذا الجمع الكبير حول نادٍ ذي خلفيه إسلامية خطراً يهدد وجوده في تونس، فاتّخذ قراراً عاجلاً بإيقاف نشاط الإفريقي عقب تلك المباراة.المغرب: أندية رياضية كواجهة لمقاومة الاستعمار
قال عبدالعزيز بلبودالي، الناقد الرياضي في جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية، إن بعض المؤرخين لحقبة ما قبل استقلال المغرب من الاستعمار الفرنسي والاحتلال الذي دام من 1912 حتى 1956، أكدوا أن مقاومة وجود المستعمر كانت لها عدة أوجه وأساليب. والرياضة كباقي المجالات الأخرى، لعبت دوراً هاماً في مقاومة المستعمر الفرنسي، إذ يشير التاريخ إلى مساهمة المقاومين في التصدي للمستعمر بتأسيسهم أندية رياضية، واعتمادها وسيلة في تحرير المغرب من الحماية الفرنسية. عدة أندية تأسست بهدف استعمالها سلاحاً ضد الاستعمار، يأتي في مقدمتها نادي الوداد الرياضي الشهير، الذي أسسه "محمد بن جلون" بمشاركة ثلة من الوطنيين المناضلين من أجل محاربة الاستعمار، حتى ذاع صيت الوداد في كل البلاد. مثّل الوداد، في فترة الحماية، الواجهة الرياضية للتيار الوطني. فكان كل المغاربة وداديين، وكان حين يضرب لاعب من فريق الوداد الكرة، يعتبر المتفرج المغربي تلك الضربة وكأنها في جسد خصمه الفرنسي. كان المغاربة في فترة الاستعمار ممنوعين من التجمع والتظاهر، فهيأ لهم فريق الوداد شروط التظاهر والتجمع وجعلهم يجتمعون في الملاعب رافعين شعارات تهتف بحياة الوداد ظاهرياً وبسقوط خصومها ووراءهم الفرنسيون باطنياً. فبدأ الفرنسيون يحسبون لفريق الوداد ألف حساب وأصبح انتصار هذا الفريق يقع عليهم كالصاعقة، وقد زاد من حدتها رؤيتهم للوداد كأول فريق يخوض البطولة بمجموعة وطنية ضد فرق فرنسية. تخوف المستعمر من شعبية الوداد والتفاف الناس حوله فبات يطوق الملاعب أثناء مباريات الفريق الودادي بالدبابات لتخويف الجمهور. كان أي شخص ينتمي للوداد في نظر المستعمر مقاوم، وكان انضمام أي لاعب للوداد يعني اختيار صف الوطنية ومعاداة الاستعمار. في أول رحلة للوداد منذ تأسيسه إلى الجزائر لمنازلة أحد الأندية هناك، حمل اللاعبان بوشعيب خالي وعبد القادر جلال مناشير وطنية من المغرب إلى الجزائريين. وفي أحداث 1953 حينما انتفض الشعب المغربي في وجه الاستعمار، تعرض أحد مسيري الوداد للاعتقال، كما أصيب اللاعب عبد النبي المسطاطي وولد عائشة العفاري بطلقات نارية من بنادق المستعمرين خلال زيارة بعثة من أمريكا اللاتينية إلى المغرب لتقصي الحقائق بعد نفي السلطان محمد الخامس. وجاءت هذه البعثة لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء نفي السلطان محمد الخامس من المغرب. في ذاك العام، تشكلت النواة الأولى للمقاومة المسلحة بقيادة "محمد الزرقطوني"، أحد أنصار الفريق الودادي، داخل الدار البيضاء، ثم توسعت لتشمل جميع المدن المغربية. وقُبض على الزرقطوني يوم 18 يونيو 1954 فـ"اختار الشهادة بابتلاع قرص من السمّ عوض إفشاء أسرار المقاومة"، بحسب بلبودالي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...