مُعلّقاً على وقف نشر النسخة الورقية من صحيفته، قال مالك جريدة "إندبندنت" البريطانية يفيغني ليبيدوف إن "صناعة الصحافة تشهد تغييرات يقودها القراء، إذ إنهم يظهرون لنا أن المستقبل إلكتروني".
كان ليبيدوف يعي ما يقول جيداً، فقد قفز بجريدته إلى برّ الأمان قبل غرق القارب، بعدما قرر التحول بها كلياً إلى الإنترنت بنسخة تتجدد على مدار اليوم، ليسمح بالاستمرار في الاستثمار بالمحتوى التحريري الرفيع، الذي يجذب المزيد من القراء عبر الإنترنت، بحسب تعبيره.
مصير الإغلاق النهائي الذي تجنبه ليبيدوف وجريدته، وقعت فيه العشرات من الصحف العربية التي بقيت حتى آخر لحظة تراهن على "الورقي" وتنتظر قارب نجاة من شركات الإعلان ومن اشتراكات القراء، الذين تضاءلوا حتى أصبح مشهد قارئ الجريدة الورقية على ناصية المقهى من الصور التي تنتمي لشريط ذكرياتنا الجميلة، والتي يبدو أنها لن تعود ككل الذكريات.
التحول الرقمي لا مفر منه
نجحت الصحف والمجلات الورقية في دول الخليج في الصمود أمام الأزمة بفضل الإمكانات المالية التي تملكها وتطور سوق الإعلان ومستوى القدرة الشرائية في المنطقة، لكنها تأثرت كغيرها بتراجع عائدات الصحافة الورقية واستشعرت خطراً يهدد وجودها مستقبلاً في مواجهة الصعود الكبير الذي تحققه الصحافة الإلكترونية، التي بدأت تحوز ثقة المؤسسات الاقتصادية الكبيرة في المنطقة.نهاية الصحافة الورقية اليومية مسألة وقت لا أكثر... كيف تواجه الصحافة الخليجية الأزمة؟
هل تكون الصحف الخليجية أذكى من غيرها في مقاربة التبدلات الهائلة في عالم الإعلام؟على طريقة "إندبندنت"، بدأت صحف الخليج في الانتقال التدريجي من الورقي إلى الإلكتروني. فقد أشار تقرير مؤشر الإعلام الرقمي، الذي صدر نهاية الشهر الماضي، إلى توجه لدى المؤسسات الصحافية الكبرى في الخليج نحو التحول الرقمي للمحتوى، سواء في هيئة بوابات إلكترونية، أو تطبيقات على الهواتف الذكية، أو من خلال وجود قوي وناجح على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، لافتاً إلى أن "التحول الرقمي قد أصبح واقعاً لا مفر منه في الاقتصاد الحالي". وسيمكن التحول الرقمي الكُلي الصحف الخليجية مستقبلاً من توفير مصاريف الطباعة والتوزيع، التي تأخذ حيزاً كبيراً في موازنات الصحف السنوية، وسيقلص بشكل واضح من عدد الموظفين الثابتين في المؤسسات الصحافية، وبالتالي سيوفر مصاريف التأمين والحوافز المالية. في المقابل تعوّل المنصات الإلكترونية الصحافية أكثر على منتجي المحتوى والمساهمين المستقلين، وذلك سينعكس أيضاً على المساحات التي تحتلها مكاتب الصحف وتجهيزاتها. كما سنشهد بعد سنوات نموذج الصحيفة الافتراضية كلياً، حيث توجد على الإنترنت ولا مكتب لها على الأرض، وتجرى فيها كل عمليات العمل الصحفي من تحرير ونشر واجتماعات على الإنترنت. مؤشر الإعلام الرقمي الذي تم إنشاؤه لتوثيق الاتجاهات الحديثة التي تطرأ في صناعة الأخبار في دول مجلس التعاون الخليجي ومراقبة تطورها، يرى أن هذا التحول الرقمي، على الرغم من القيمة المضافة والإمكانات المتزايدة التي يوفرها لحياة المستهلك النهائي، فإنه يُحَمِل الشركات والأعمال عبئاً إضافياً. يتمثل ذلك في ضرورة تحليهم بالمرونة الكافية التي تمكنهم من مواكبة كل ما يطرأ من تطورات تقنية، ليتمكنوا من المنافسة والريادة في هذا الاقتصاد المتحول باستمرار.
منصات التواصل ساحة للمنافسة
مستفيدةً من الحضور الكبير لمواطني المنطقة على منصات التواصل الاجتماعي، تسعى الصحف الخليجية إلى تعزيز حضورها على هذه المنصات لتمرير محتواها وجذب المزيد من القراء. فبحسب أرقام المؤشر، فإن عدد المستخدمين النشطين على الإنترنت في دول مجلس التعاون الخليجي قد بلغ 39.3 مليون من إجمالي عدد السكان في المنطقة وهو 53.7 مليون نسمة. وتتصدر السعودية نسبة المستخدمين بـ20.8 مليون مستخدم نشط مقارنة بإجمالي عدد سكانها البالغ 32.2 مليون نسمة. وأكثر المنصات استخداماً وشعبية في دول الخليج هي: تويتر وفيسبوك وانستغرام ولينكدإن. وتختلف شعبية كل منصة من دولة إلى أخرى. ويحظى فيسبوك بالنصيب الأكبر من الاستخدام في المنطقة بنسبة 75% ويليه تويتر في المركز الثاني بـ49% وثالثاً انستغرام بـ46% ثم لينكدإن في المرتبة الرابعة بـ12% فقط. وتحضر الصحف الخليجية بنسب متفاوتة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي بحثاً عن الجمهور. فوفقاً للمؤشر، الذي عالج 112 صحيفة تعمل في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن تويتر هو المنصة الأكثر جذباً للصحف في المنطقة بنسبة 88%. في المقابل تستخدم 75% من الصحف الفيسبوك لترويج محتواها فيما تسجل خدمة التسجيل في خدمة الرسائل الإلكترونية نسبة مرتفعة بـ66%. واللافت أن البحرين هي أكثر الدول الخليجية التي تستخدم صحفها مواقع التواصل الاجتماعي لنشر المحتوى، إذ تسجل الصحف البحرينية نسبة 100% في استخدام توتير وفيسبوك وانستغرام، تليها عُمان.التطبيقات لملاحقة القراء
جانب آخر من التنافس القائم حول "كعكة" الجمهور بين الصحف، يدور على جبهة تطبيقات الهواتف الذكية، التي أصبحت في وقت وجيز جداً، مناخاً خصباً لمستخدمي الإنترنت، لجهة سهولة استعانة بالهاتف فقط. فقد بلغ عدد مستخدمي الهواتف في الشرق الأوسط 298 مليوناً في 2016 بزيادة بلغت 9 ملايين عن 2015. هذا ما دفع أغلب الصحف الخليجية إلى وضع "إستراتيجية لغزو الهواتف الذكية وتبني الاتجاه السائد بامتلاك تطبيقات خاصة بها" من خلال دراسة لـ112 صحيفة خليجية، وذلك على مختلف أنظمة تشغيل الهواتف الذكية، أجراها مؤشر الإعلام الرقمي. ويُظهر هذا الجزء من التقرير أن لدى 40% من تلك الصحف تطبيقات على نظام التشغيل iOS ولدى 38% منها تطبيقات على نظام التشغيل أندرويد، بينما تحظى تطبيقات نظامي التشغيل بلاك بيري وويندوز بنسب منخفضة جداً. ويلفت التقرير إلى أن تضاؤل موازنات الدعاية في الصحف، والتي اعتادت الحكومات والعلامات التجارية إنفاقها من خلال الصحف الورقية بشكل أساسي، حثّ صناع القرار في مجال النشر ووسائل الإعلام وصناعة الأخبار، على البحث وإنشاء قنوات جديدة لنشر المحتوى وتوزيعه، وهذا ما يمثل قيمة مضافة لصحفهم ويجعلها أكثر قابلية للوصول إلى أكبر شريحة من القراء، مشيراً إلى أن غالبية القراء من الأجيال الحديثة، والذين هم الجمهور المستهدف للمعلنين، يتجهون إلى أجهزتهم الذكية لمعرفة ما يجري في العالم، وليس إلى الصحف المطبوعة. وعليه، يبدو أن تبنّي التحوّل الرقمي هو التوجّه الفائز بتلك المرحلة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...