لم تزل أغنية "اعْطيني صاكي باش نْمَاكي" للمغنية المغربية زينة الداودية تثير نقاشاً ملتهباً في مختلف وسائل الإعلام. وقد ضجّت شبكات التواصل الاجتماعي بردود الأفعال المؤيدة أو الشاجبة. عدّ الرافضون الأغنية "عنواناً للكلام الساقط وتشجيعاً على الفحشاء والمنكر". أما المؤيّدون، فرأوا أنها "أغنية عادية شبيهة بالأغاني الشعبية وأنّها نتاج إبداع الشابة زينة التي عوّدتهم التجديد في الأغنية الشعبية". وفي المقابل، اعتبرت زينة الداودية في حديث مع رصيف22 أنّ أغنيتها "لا تحرّض على الفساد، بل تدعو إلى الفرح والرقص والحياة". هذا النقاش لم يقف عند حدّ الضجة الإعلامية، بل تعدّاه إلى القضاء.
يصف سعيد بونوار، إعلامي وباحث في الموروث الغنائي المغربي، كل ما أثير حول أغنية "أعطيني صاكي" بـ"التافه". لم تدخل الأغنية البيوت من بوابة الإعلام العمومي، كالتلفزيون والراديو، لا بل تابعها المغاربة عبر موقع "يوتيوب"، لذا فإنّ النقاش الجاري أملته الثورة المعلوماتية المجسّدة في وسائل التواصل الاجتماعي. يقول بونوار لرصيف22: "الأغنية الشعبية شهدت، في الماضي، كلاماً أقوى من الذي استعملته الداودية في أغنيتها، إلا أنّ الظرف الزمني الذي أنتجت فيه الأغنية ساعد على إثارة كل هذا الجدل".
الخروج عن المألوف
اختارت زينة الداودية، البالغة من العمر 38 سنة، الخروج عن السائد منذ طفولتها. في مسقط رأسها في أحد أحياء الدار البيضاء الشعبية، "رفضت" هند الحنوني (اسمها الحقيقي) منذ الصغر اللعب مع البنات، وفضّلت رفقة الصبيان ولعب كرة القدم. في سنّ المراهقة، انضمت إلى إحدى الفرق النسوية لكرة القدم في حيّها واصطدمت بجدار الرفض الأسري. منعها والدها من ممارسة هذه الرياضة على اعتبار أنها خاصة بالجنس الخشن، إلا أنها واصلت ممارسة كرة القدم والتحقت لاحقاَ بالمنتخب المغربي لكرة القدم النسوية.
ولكن إذا كانت ممارستها لكرة القدم لم تقضِ كليّاً على علاقتها بأسرتها، فإن اختيارها مسار الغناء كان له وقع آخر. أعلن أبوها مقاطعتها وانتهى بها المطاف في الشارع. يقول الباحث بونوار أنّ الرغبة الجامحة للمراهقة هند الحنوني في الالتحاق بعالم الغناء جعلها تدفع ضريبة عدم خضوعها لطاعة والدها، فلم تعد تملك مكاناً للسكن. كان هذا الوضع مرحلة انتقالية في حياة هند التي أعلنت انطلاقتها في المجال الغنائي أوائل التسعينيات من القرن الملضي. وقد انجرفت في المرحلة الأولى مع فن الراي الذي كان مقتصراً على الجزائريين وأبناء المنطقة الشرقية للمغرب. يقول بونوار: "اختيار هند لفن الراي جسّد تيمة الخروج عن المألوف التي بدأتها مع ممارسة كرة القدم. ولتأكيد ذلك اختارت اسماً فنياً وهو الشابة زينة”.في أول إطلالة لها على التلفزيون المغربي عام 1993، لم تحقق الشابة زينة الشهرة التي كانت تحلم بها. مع بداية الألفية الثالثة، انتقلت إلى الغناء الشعبي، وتحديداً فن العيطة، وغيّرت لقبها الفني ليصبح "زينة الداودية". واصلت الداودية تفردّها بأداء أغانيها مع العزف على آلة الكمان، إسوة بالمطربين الشعبيين الرجال حينذاك، وما زالت حتى اليوم تؤدي الأغاني الشعبية.
اكتشفت "الداودية"، في سن التاسعة، بأنّ صوتها يصلح للغناء بفضل تجويدها القرآن ومشاركتها في بعض الأنشطة المدرسية. تحقيقاً لحلمها الطفولي، لم تكمل دراستها وبدأت في التدرّب مع بعض المجموعات الغنائية التي تعرف بالعامية المغربية باسم "الكروب"، أي المجموعة.
اليوم، تحظى "الداودية" بشهرة واسعة داخل المغرب وخارجه. زاد الإقبال على أغانيها بفضل تجديدها في الغناء الشعبي المغربي عبر إدخال الألحان الخليجية والمشرقية، بالإضافة إلى كلمات من العامية المغربية، ولا سيما تلك التي يعتبرها البعض "لغة ساقطة"، خاصة في أغنيتها الأخيرة "اعطيني صاكي"، التي ترى الداودية أنها دعوة للنساء كي يعتنين بجمالهنّ لا تشجيع على التحرّش بالنساء. تقول الأغنية "أود الظهور اليوم جميلة، شعري أصفر وأحمر الشفاه. أثير انتباه وفضول الرجال. الجميع ينادي علي أيتها الغزالة، رقم هاتفك من فضلك لأكلمك يا صاحبة العيون الجميلة. جمالك يجنن، أما شعرك من نظر إليه يصرخ: ما هذا. أرتدي سروال جينز وحقيبة يدي جميلة، ولونها مثل لون أظافري".
أعطيني صاكي، "ليست" بأغنية مغربية
يقول الإعلامي والباحث سعيد بونوار إن أغنية الداودية الأخيرة لا يمكن تصنيفها في خانة الموروث الغنائي المغربي، مشيراً إلى أنّ الأغنية اعتمدت الكلام العاميّ ولا علاقة لها بالنظم الشعري المغربي، المعروف بالزجل. ويضيف: "يمكن تصنيف الأغنية في خانة الأغاني التقنية بارتكازها على كلام عاميّ ولحن خليجيّ، كما أنّ الأعنية ظلّت وفية لجملة موسيقية واحدة تتكرر"، موضحاً أنّ كلمات الأغنية التي أطلقت كل هذه الضجة، تُسمع يومياً في الشارع العام وعبر أثير بعض الإذاعات الخاصة في المغرب.
ويرى بونوار أن هذه الأغنية لم تتجاوز الخطوط الحمراء، لأنّها لم تتغزّل بمفاتن حساسة للمرأة ولم تتضمّن إيحاءات جنسية. ويلفت إلى أنّ بعض الأغاني الشعبية القديمة التي ما زالت تتداول، تستخدم لغةً أكثر “فظاعة” - في المعايير الاجتماعية السائدة - من أغاني الداودية. وقدّم نماذج لبعض منها تشجع على شرب الخمر: "زيد جوج يا مول الروج خليوني نسكر على حسابها"، بمعنى أنه يطلب من الساقي أن يسكب كأسين من الخمر ويتركه يسكر على حساب حبيبته، في حين نسمع في أغنية أخرى: "أنا عزبة من نهودي والقاع داه..."، وهي جملة تحمل إيحاءات جنسية تفيد أن التي تتغنّى بها تقصد "أنها ما زالت عذراء، وأنها تملك نهدين جميلين".
الداودية في "قفص" الاتهام
لم يقتصر نقاش الأغنية الأخيرة للداودية على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام فحسب، بل تعدّاها كذلك ليصل إلى القضاء. فقد رفع المحامي يونس بنسليمان، وهو نائب عن حزب العدالة والتنمية الإسلامي، دعوى قضائية على الداودية. وكشف في تصريحات إعلامية أنّ دوافعه هي "قيام الداودية بما اعتبره تحريضاً على الدعارة وإخلالاً علنياً بالحياء العام في أغنيتها الأخيرة"، وأضاف أنّ "كلمات الأغنية تُعدّ فضيحة مدوية تُسيء للمجتمع المغربي وتهين المرأة أيضاً".
وفي السياق ذاته، أفادت مصادر بأنّ عدداً من المواطنين وقّع عرائض مطالبين بملاحقة الداودية بتهمة "التحريض على الفساد والتشجيع على الانحلال الأخلاقي وسط المجتمع". في المقابل، أكّدت الداودية أنّ لا علم لها بأي دعوى قضائية، مشيرةً إلى أنّه، في حال وجودها، فإنها متأكدة أنّ ما يشاع لا أساس له من الصحة، وأنّ الكلمات المستعملة في الأغنية هي من قاموس الدارجة المغربية العادية وليست ساقطة.
المغربي والخليجي
بداية الستينيات من القرن المنصرم، قام عدد من المطربين المغاربة بالغناء باللهجة المصرية بحثاً عن الشهرة والاعتراف بهم في الوسط الفنيّ العربي. ومن بين هؤلاء، عميد الأغنية المغربية عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط والراحل محمد الحياني. ولا ننسى المغربية سميرة بنسعيد التي اختارت الإقامة في مصر. وبعدما كانت اللهجة المصرية هدفاً لمجموعة من المطربين من الخليج والشرق، انتقلت وجهة عدد آخر في سنوات الثمانينيات إلى الغناء باللهجة اللبنانية. وشكّلت أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة محطة للتغنّي باللحن الخليجي، وقد سبق الداودية في هذا المجال، منور وجنات وغيرهما.
ولكن في السنوات الأخيرة، باتت اللهجة المغربية وجهة لمجموعة من المطربين الخليجيين والشرقيين. ومن بين أبرز الفنانين العرب، عاصي الحلاني الذي أدّى أغنية بعنوان "الساطة"، والكويتي عبدالله الرويشد واللبنانية ديانا حداد. وقد اعتزم أخيراً الفنان اللبناني وليد توفيق أداء أغنية باللهجة المغربية بعنوان "كيفاش"، بمعنى كيف. يرى الباحث بونوار أنّ توجّه هؤلاء إلى استخدام اللهجة المغربية، ر
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين