شكّل فيلم "لحظة ظلام" للمخرج المغربي نبيل عيّوش الخطوة الأولى في تسليط الضوء على "تابو" ما زال يلّفه غموض كبير في المجتمع المغربي، هو المثلية الجنسية وتغيير الجنس. وما ميّز الفيلم، إلى قصته، أنه منح أشهر متحول جنسياً في المغرب، الراقصة نور، دور البطولة.
نور
عام 2004 اهتزّ الرأي العام المغربي، حين أعلن الشاب نور الدين الطالبي، الذي كان يبلغ من العمر 34 عاماً، عن تحوّله من ذكر إلى أنثى ومطالبته بتغيير اسمه إلى نور، إلا أن القضاء المغربي رفض طلبه. في اتصال هاتفي مع موقع رصيف22، تقول نور، التي ولدت وعاشت في أكادير، إنها "ولدت ثنائية الجنس وعانت من مشاكل عدة في طفولتها وشبابها، بسبب ميولها الأنثوية ومعاملة محيطها لها على أساس أنها ذكر". وأضافت: "حين بدأت أدرك حالتي تأكدت أنني ولجت عالم الذكورة بخطأ بيولوجي، وقررت أن أتحوّل إلى أنثى، وقد تفهمت عائلتي الأمر وساندتني، وانتقلنا من مدينتنا إلى الدار البيضاء”.
توضح نور، التي تبلغ من العمر 45 عاماً، أنّها "تنحدر من أسرة فقيرة فاضطرتها الظروف إلى التوقف عن الدراسة، ودخلت إلى عالم الرقص الشرقي في الحفلات الخاصة بحثاً عن مورد رزق". تمكنت نور من جمع المال من الرقص فسافرت إلى سويسرا لتحقيق حلمها بإجراء عملية تحوّل جنسي. تقول: "ما ينغّص عليّ اليوم، هو الوثائق الرسمية التي لا تعترف بأنوثتي بعد أن رفض القضاء تغيير اسمي". علماً أنه بعد مرور 14 عاماً على إعلان نور تحوّلها الجنسي، بدأ المجتمع المغربي بتقبّلها نسبياً. وتشير نور إلى أنها "تعيش حياتها كأنثى وكأم بشكل طبيعي من خلال تبنيها ابنة شقيقها زينب". فعلى الرغم من وجود رحم لديها فإن تأخرها في إجراء عملية التحول الجنسي حرمها الإنجاب.
وعن نظرة المجتمع، أوضحت نور أنها كانت تتوقع منذ البداية رفض المجتمع لها، تقول: "نعيش وسط مجتمع مسلم يرفض هذا الواقع، الذي يتألّم بسببه عدد كبير من الذين يعانون من تشوهات خلقية في الأجهزة التناسلية". وأعلنت نور أنها بصدد تأسيس جمعية خاصة للتوعية حول موضوع الثنائية الجنسية وإسداء النصح للآباء في حال اكتشافهم تشوّهاً تناسلياً لدى أطفالهم.
وقد انتشرت أخيراً في المغرب حركات كثيرة ضد "رهاب المثلية"، وتحرّكات عدة تطالب بحقوق المثليين والاعتراف بهم. كان آخرها، احتجاج ناشطات حركة "فيمن" بالتعري أمام مسجد تاريخي وسط الرباط، وتضامن مجموعة غناء بريطانية شهيرة في مهرجان "موازين" مع مثليين معتقلين، وقضية أسبوعية "ماروك إيبدو". إذ اضطرت المجلة المغربية الناطقة باللغة الفرنسية، إلى سحب عددها الأسبوعي من الأسواق يوم الجمعة الماضي، بعد أن تعرّضت لحملة انتقادات واسعة على خلفية غلافها. الغلاف الذي أثار ضجة في المغرب، هو صورة لشابين مثليين في أحد المسابح، مرفقة بسؤال "هل ينبغي إحراق المثليين؟". قرر المسؤولون عن المجلة سحب الأعداد بسبب "ردود الفعل القوية التي قوبل بها العدد، خصوصاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي". وقد هاجم القراء غلاف المجلة واعتبروا أنها "تحرض ضدّ المثليين”.
سافر إلى أمريكا "عادل" وعاد منها "فدوى"
لقد انتظر المجتمع المغربي عشر سنوات ليعيش قصة جديدة شبيهة بالراقصة نور، وهذه المرة، مع أستاذ جامعي مغربي يُدعى "عادل" قام بتغيير جنسه إلى أنثى في ولاية فلوريدا الأمريكية، وأطلق على نفسه اسم "فدوى". وأثارت هذه القضية التي ظهرت نهاية العام الماضي نقاشاً واسعاً في وسائل الإعلام المغربية ومواقع التواصل الاجتماعي، كون "المتحوّل" أستاذاً جامعياً في كلية ابن طفيل في مدينة القنيطرة، وهو متزوج وأب لطفلة.
العيش في السر
يفضّل عبد الحفيظ، الذي يعيش في الدار البيضاء، مناداته بـ"حفيظة" بسبب ميوله الجنسية الأنثوية. هو يبلغ من العمر 32 عاماً، لكنه يقول إنه منذ طفولته يهوى اللعب بالدمى وبألعاب الفتيات، وساعده على ذلك وجوده بين ثلاث شقيقات، هو الأصغر بينهن". ويضيف: "في المراهقة بدأت أتأكد أنني أنثى في جسد ذكر، من خلال طريقة كلامي وتصرفاتي التي سبّبت لي مشاكل عدة وجعلتني فريسة سهلة لتحرّشات مثليي الجنس، منهم والد أحد أصدقاء الدراسة حين كنت في الإعدادي". وأشار حفيظ إلى أن "مدينة الدار البيضاء وحدها تحتضن عدداً كبيراً من ذوي الميول الجنسية الأنثوية، الذين يعيشون ميولهم في السر، خوفاً من نظرة العائلة والمجتمع لهم". وأضاف: "يعيش هؤلاء في مجتمع منعزل ويلتقون سراً للاستمتاع بلحظات أنثويتهم". عبد الحفيظ، الذي يعمل في أحد المصارف في الدار البيضاء يحاول إخفاء هويته الجنسية الحقيقية في العمل. يقول: "في بعض الأحيان تتغلّب ميولي الأنثوية وتظهر بشكل عفوي من خلال حديث عابر مع إحدى زميلاتي عن تسريحة شعرها، أو عن نوع العطر الذي تضعه، وهذا ما يسبب لي بعض الإحراج".الطب والقانون والمتحولون جنسياً
دخلت عمليات التحول الجنسي إلى المغرب خلال خمسينات القرن الماضي مع الطبيب الفرنسي جورج بورو، الذي كان يدير عيادة في الدار البيضاء، وأجرى عمليات تغيير جنس كانت أولاها لأحد الفرنسيين الذي حوّله من "جاك" إلى "كوكسينيل"، وهذه أصبحت نجمة استعراضية في فرنسا. ثم تحوّلت العيادة إلى ملتقى للعائلات البورجوازية المغربية والفرنسية لإجراء عمليات التحول أو التجميل.
أما اليوم، فالمشترّع المغربي يمنع إجراء عمليات التحوّل الجنسي، برغم عدم التطرق صراحة للموضوع في القانون. إذ يُجمع عددٌ من المحامين على أنّ المادة 489 من قانون العقوبات، تشير إلى الموضوع، كون المشترع المغربي أدرجها ضمن "الشذوذ الجنسي". وجاء في المادة: "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مئة وعشرين إلى ألف درهم من ارتكب فعلاً من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه ما لم يكن فعله جريمة أشد”. ويشرح منير الشواف، المحامي في هيئة الدار البيضاء، أنّ القراءات المختلفة للمادة 489 تُشير إلى أن "مثل هذه العمليات ممنوعة في المغرب، فالمشترع المغربي صارم في هذه الأمور، نظراً لعلاقة ذلك بخصوصية المجتمع المغربي المسلم"، لافتاً إلى أن "الفقه المغربي متشددّ في موضوع تغيير الاسم العائلي، فكيف إذا تعلّق الأمر بإجراء تحول جنسي”.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...