رغم أنها كانت تصالح الجمهور بصوتها، إلا أن حياة أم كلثوم عرفت خصومات عديدة بينها وبين المقربين منها. بعضها يمس أصول المهنة وأم كلثوم الفنانة، كخصومتها مع العندليب عبد الحليم حافظ والشاعر عبد الرحمن الأبنودي. ومنها ما يتعلق بها على المستوى الشخصي بدافع العاطفة مثلاً، كما حصل مع الشاعر الشباب أحمد رامي، ومع الدكتور أحمد صبري النجريدي. وبين هذا وذاك، كانت كوكب الشرق عنيدة في زعلها، فتتسم القطيعة بينها وبين المقربين منها بالندية وتأبى أن تبادر بالصلح حتى لو أيقنت أنها في دائرة الخطأ. ووصل الأمر لحكم القضاء، كما حدث في خصومتها مع الشيخ زكريا أحمد.
أم كلثوم ورامي.. قصيدة أطاحت بالود
دب الخلاف بين الشاعر أحمد رامي وكوكب الشرق عام 1932 عندما نشرت صحيفة روز اليوسف في عددها 266 بتاريح 13 يونيو 1932 عنوانًا عريضًا يقول: "الشاعر رامي يهين أم كلثوم" ومعه كاريكاتير لرامي وهو يقدم قصيدة ملفوفة لأم كلثوم قائلًا: إلى سومة، إلى آلهة الوحي، أقدم هذه القصيدة.فيرد عليه عبد الوهاب حائلًا بينه وبينها: حاثب يا ثي رامي.. أنت بتعطيها قثيدتي أنا.. "في إشارة من الجريدة إلى لثغة عبد الوهاب". جاءت حملة الصحيفة لتؤجج الخلاف وتذكِّر الجميع بأن رامي أهدى قصيدة لعبد الوهاب عام 1930، ثم عاد وأهداها لأم كلثوم بعد عامين. تقول الناقدة والكاتبة المصرية الدكتورة نعمات أحمد فؤاد، والتي توفيت عام 2016، في تصريح لها أن الحملة الصحفية أصابت الهدف، حيث استدعت أم كلثوم رامي وقالت له فيما معناه: "متأسفة إني عرفتك! مش عاوزه أعرفك تاني"! ظل الخلاف محتدمًا وانطوى رامي على نفسه وأقسم ألَّا يسعى إليها يومًا وألَّا يستمع لها في المذياع. بل ورفض محاولات من سعوا للصلح بينهما. وفي عام 1933 كان من المقرر أن تجري أم كلثوم عملية "بتر الزائدة الدودية"، وكانت من الجراحات الخطرة في ذلك الوقت، فألح على رامي بعض ممن يتوسطون للصلح بأن يزورها، وبالفعل ذهب إليها في المستشفى، ليتم بذلك الصلح بينهما، بعدما دخل الاثنان في موجة بكاء، وهو يطعمها بيده.
كوكب الشرق والعندليب
"طبعـًا أنا يشرفني ويشرف أي فنان أن يختم حفلة بتغني فيها سيدة الغناء العربي، وأم كلثوم وعبد الوهاب أصرا أن أغني في هذا الموعد المتأخر، وعشان كده اللي أنا مش متأكد منه إذا كان ده شرف ولا مقلب". بهذه الكلمات خلق العندليب الأسمر خصومة كبيرة بينه وبين أم كلثوم استمرت لأكثر من خمس سنوات، عام 1964 في إحدى الحفلات التي أقيمت تفي ذكرى ثورة يوليو. وكان برنامج الحفل أن تغني أم كلثوم وصلتها ثم يأتي دور عبد الحليم، لكن طول وصلة أم كلثوم وتأخر الليل جعلا العندليب يصعد إلى المسرح غاضبًا، ما دفعه إلى التفوه بكلماته هذه، مما أغضب أم كلثوم وجعلها ترفض الحديث عن العندليب بشكل أو بآخر.
ولم تنته هذه الخصومة إلَّا عام 1970، في حفل خطبة ابنة الرئيس الراحل أنور السادات، الذي كانت لديه الرغبة في عقد الصلح بينهما. وكان يدرك تمامًا أن ذلك لن يتم إلَّا مفاجأة ومصادفة، دون علم أم كلثوم، وعندما رأى العندليب أم كلثوم ذهب وقبّل يدها، فقالت له: "أنت عقلت ولا لسه؟" لينهي ذلك الموقف خصومة طويلة شغلت الوسط الفني والسياسي.
عنيدة في خصومات قد تدوم لسنوات، هكذا كانت كوكب الشرق التي صالحت بصوتها الجمهور وأبقت على خلافات أخرى
عندما رأى العندليب أم كلثوم بعد أعوام القطيعة والخصام ذهب وقبّل يدها، فقالت له:أنت عقلت ولا لسه؟
أم كلثوم والشيخ زكريا
ظل عطاء أم كلثوم والشيخ زكريا خصبًا حتى ذاعت بينهما خصومة كبرى استمرت لما يقرب من 13 عامًا. وسبب تلك القطيعة أن زكريا أحمد طالب بمستحقات طبع ألحانه على أسطوانات أم كلثوم من الإذاعة المصرية، فرفضت أم كلثوم هذا الطلب بحجة أنها تمتلك تنازلًا خطيًّا منه عن تلك الألحان.وإن كانت قد اعترفت لبعض المقربين منها بأن له الحق في ذلك لكنه بالغ في المقابل الذي يطلبه، حيث كان يردد دائمًا "أم كلثوم ليها عندي وزة وانا ليا عندها 40 ألف جنيه" في إشارة منه إلى إوزة كانت قدمتها إليه حين زارها في منزل أبيها بطماي الزهايرة، مسقط رأس أم كلثوم. ومن ثم لجأ الشيخ زكريا للقضاء وكذلك فعلت هي، ليظل الخلاف قائمًا بينهما، وفي عام 1960 وأمام عبد الغفار حسني، رئيس محكمة القاهرة، تم الصلح بعد أن قال القاضي: "إن المجتمع العربي يود من قلبه سماع أم كلثوم تتغنى بألحان زكريا.. فيرد زكريا قائلًا إنه ينظر إليها كسيدة مطربات الشرق، وهدفه خدمة الفن في شخصها.." فترد أم كلثوم قائلة: "إنها تقدِّر زكريا وترتاح إليه فعلًا..". وانتهت الخصومة بينهما باتفاق عقده القاضي لتذليل الخلاف، وهو: "أن يُفتح التعاون بينهما بأن يلحن زكريا ثلاث أغنيات لأم كلثوم مقابل سبعمائة جنيه لكل لحن، ويقدم الألحان الثلاثة في العام ذاته 1960، في المقابل يتنازل زكريا عن دعواه ضد أم كلثوم وعن الحكم الذي صدر لصالحه عام 1958..".أم كلثوم وأحمد صبري النجريدي
كان النجريدي في أول أمره طبيب أسنان بطنطا، وعندما سمع صوت أم كلثوم هام به قبل أن يراها، ثم تعرف عليها بعد ذلك عن طريق علي بك البارودي، ومن هنا تحول من هاوٍ للتلحين إلى شخص يكرس حياته للموسيقى بعد أن أحب أم كلثوم. كان النجريدي نقطة تحول في حياة كوكب الشرق، فقد لحن لها 17 لحنا، بالإضافة إلى أنه خلصها من ارتداء ثياب البدو التي كانت ترتديها، كما تعلمت على يديه أصول العزف على العود. مر ما يقرب من عامين على معرفة النجريدي بكوكب الشرق، فتمكن حبها من قلبه وهنا عرض عليها الزواج. لكن أم كلثوم تركت الحكم النهائي في هذا الأمر لأبيها وأخيها خالد، اللذان لم يوافقا على هذا الزواج ولم تراجعهم هي في ذلك. فاعتبر النجريدي هذا التصرف إهانة له، ورحل عنها ولم يلتقيا إلا بعد 20 عاما. وعندما أبلغوا أم كلثوم بمجيئه قالت: "ياه هو لسه عايش".أم كلثوم وعبد الرحمن الأبنودي
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...