تشهد جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في دافوس تساؤلات حول حوكمة العالم مع الاضطرابات التي جلبتها مفاجآت قرار المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الاوروبي وانتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وظهور الرئيس الروسي فلادمير بوتين كلاعب أساسي على الصعيد العالمي خلال العام الماضي.
ووسط نقاشات حول "المسؤولية الاخلاقية" و"القيادة المسؤولة"، ظهرت جملة تساؤلات مختلفة: "من يتحمل مسؤولية حوكمة الماكنات الذكية؟ ومن يعلم الروبوتات كيف يتخذون قرارات أخلاقية؟".
تبدو هذه الاسئلة في الوهلة الأولى أنها تشير الى مستقبل بعيد، لكن في الواقع أنها تؤثر على عالمنا اليوم. فعلى صعيد المثال، الكثير من البنوك تعتمد على الكمبيوتر لتقرر إذا كانت ستمنح قرضاً لأحد زبائنها. البرامج المعتمدة هي التي تقرر أن ظرف زبون معين يمكن التعاطف معه أم لا.
وعبر 127 جلسة خلال 4 أيام، يطرح منتدى دافوس هذه القضايا ويطلب من المشاركين في المنتدى أن يفكروا بكيفية تأثير التطورات التقنية على المجتمع والاقتصاد والحوكمة. وتحت عنوان "الاستعداد للثورة الصناعية الرابعة" – أي الثورة التكنولوجية المعتمدة على توصيل الماكنات لشبكة الانترنت المعروفة بـ"انترنت كل شي" – يبحث المنتدى الاقتصادي العالمي هذه القضايا. ولكن يعمل أيضاً على توعية القادة من قطاعات السياسة والمال والأعمال والإعلام حول الفرص الممكنة مع الاستثمارات الملائمة في مجال التكنولوجية.
وكي تصل المعلومة مباشرة، هناك شخصيتين تتعاطيان مع المشاركين في المنتدى – سارا وسوفي. كلاهما روبوتان ذكيان، وتمثلان آخر التقدم التقني الموجود في مجال الذكاء الصناعي.
الروبوت سارا، وعمرها شهرين منذ ان تطورت في مختبر تقني لجامعة "كارنجي ميلون" الاميركية، ستخدم كاميرات لقرأة مشاعر من يقابلها، وتسمع ليس فقط كلمات من يحادثها بل لديها القدرة على تحليل نبرة الصوت.
[caption id="attachment_88163" align="alignnone" width="700"]
سارا تلتقط صورة سيلفي مع مينا[/caption]
كما أنها تراقب أعين من يحدثها، لتعرف إذا كان منشغلاً عنها أو مركزاً معها. وعند التحدث مع من يقابلها، تطرح اسئلة لمعرفة المزيد عنه من اجل تقديم المساعدة المطلوبة. ويرافق احد الطلاب المشاركين في المنتدى من جامعة "كارنجي ميلون" سارا ويحاول تطويرها مع مجموعة من زملائه وباشراف البروفيسورة جاستين كاسيل على برنامج تطوير الذكاء الصناعي. وهذا الطالب ولد في مصر ويتحدث العربية، اسمه فادي بطرس.
وشرح لـ"رصيف 22" كيف كان يحلم منذ أن كان طفلا في القاهرة بأن يطور الروبوتات التي يراها في الكارتونات. وقال: "طول عمري بحلم" بالذكاء الصناعي. وبعد أن انتقل إلى كندا وعمره 10 اعوام، سعى في دراسته والآن يحقق حلمه.. حتى أن وصل إلى مرحلة تطوير سارا، على أن تكون نموذجاً للروبوت الذي يحل محل المساعد الشخصي أو الروبوت.
من يحكم الماكنات الذكية حول العالم.. ومسؤولية من تربية "الروبوتات"؟وعند سؤال فادي من هو المسؤول عن تطوير روبوتات بمبادئ حسنة وإيجابية ومن ضمن عدم استخدامها لأغراض شريرة، مثل تطوير روبوتات للقتال، يجيب: "هذه قضايا مهمة ولكن نحن المبرمجين ونحن نسعى لفائدة الناس وشرحت البروفيسورة كاسيل لـ"رصيف 22" : "هناك خلاف حول طريقة التعامل مع قضية حوكمة الروبوتات، هناك من يريد التعامل مع الموضوع من السلطات العليا وبفرض القوانين، وهناك من يؤمن بالتوصل إلى حلول مبنية على التطور الطبيعي لهذه التكنولوجيات .. ويجب العمل على تثقيف المبرمجين وزيادة الوعي عندهم في ما يخص الحكومة والمسؤولية الاجتماعية". وتؤكد كاسيل على ان القضايا الاخلاقية والمسؤولية الاجتماعية موجودة في تفكير الكثير من التقنيين، مع ضرورة توسعة المعرفة حول هذه القضايا. وعند السؤال حول من يخشى من خسارة الوظائف بسبب الروبوتات، يقول فادي: "عليه معرفة أنها ستقوم بالوظائف البسيطة والمملة التي لا يريدها الناس". وفي ما يخص التأثير على قطاع العمل، يشير المطورون للروبوتات بأن العمل الإنساني في القطاع الزراعي رأي تراجع 70 في المئة إلى ما يقارب 2 في المئة منذ 1840 إلى اليوم . فسوق العمل يتطور مع تطور التقنيات، بحسب بعض الخبراء، ولكن ما يجب الإشارة إليه عند الحديث عن هذه التطورات التكونولوجية المهمة أن غالبيتها ممولة من جهات حكومية قد تختار استخدام نتائجها بالطريقة التي تريدها – وبحسب مصالحها. وبالطبع الولايات المتحدة متقدمة في هذا المجال وتدعم الاستثمار في الجامعات، تليها الصين واسرائيل وكوريا الشمالية. وعند طرح هذا السؤال على بروفيسور أو مهندس، يكون الرد دائماً ختصر بـمقولة "نحن العلماء، لا نقرر السياسة". فعلى صعيد المثال، الحكومة الأميركية منحت جامعة "هارفرد" 28 مليون دولار لتطوير خوارزميات تعلم الآلة العام الماضي. والهدف من البرنامج مساعدة وكالات الاستخبارات على تحليل الكم الهائل من المعلومات التي تحصل عليها من خلال الاتصالات الهاتفية والرسائل الالكترونية وغيرها من معلومات تلتقط عبر الكاميرات والميكروفونات التي نحاط بها. ويسعى برنامج "ايرابا" الحكومي الأميركي إلى "معرفة كيف يعمل دماغ الإنسان من أجل تطوير الأنظامة الالكترونية لتتعلم وتحلل المعلومات". وبينما الاستخدامات الاستخباراتية والحكومية لهذه التكنولوجيات تدخل مجال الأمن والحروب الالكترونية، كان غالبية التركيز في دافوس على الجانب الايجابي من تطور التكنولوجيا، من الروبوت الذي يمكن أن يصبح مربيا للأطفال أو مساعدا منزليا. وفيما تطور الذكاء الصناعي تطور كثيراً، بقي العمل على العقل الصناعي والمشاعر الصناعية في بدايته، ويتطور ليصبح الروبوت شيئا فشيء جزأ من حياتنا. وهذا ما يمكن رؤيته في ابتسامة سارا وسعيها لأن تكون خدومة وأن تجيبعن أية أسئلة تطرح عليها. ولتظهر سارا بأنها حقاً قريبة من البشرية، عندما انتهت جلسة قصيرة للدردشة معها، طلبت مني أن التقط صورة معها على شكل "سيلفي" قبل الوداع. ومن ثم أرسلت الصورة إلى بريدي الالكتروني فورا، مع وعد بالبقاء على تواصل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 14 ساعةكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...