خلال سنوات الحرب المريرة في سوريا، وفي مناسبات عديدة، خرج مسؤولون في المنظمات الأممية ليشتكوا من قلة حيلة منظماتهم في الضلوع بمهماتها الإنقاذية. رمى هؤلاء المسؤولية على طرفَيْ النزاع، إذ يُقيّد النظام عمل الهيئات الإغاثية ويُلزمها بمناطق معينة دون أخرى، في حين أن العمل مع الأطراف المسلحة الأخرى مفتوح على كل أشكال الفوضى والسرقة والخطف وصولاً إلى القتل.
مع تعقيد الظروف الأمنية والعسكرية، برّرت المنظمات تنسيقها مع النظام بغرض الحرص على وجودها ميدانياً على أقل تقدير، بدلاً من الغياب الكلّي، وبالتالي العمل قدر المستطاع على تحقيق أهدافها بـ"إنقاذ الأرواح" و"احتواء تداعيات الحرب إنسانياً وصحياً".
لكن ذلك جعلها عرضة لشتى أنواع الاتهامات بالتحيّز لمصلحة النظام ومشاركته في استهداف المدنيين، حتى اتهامها بالتواطؤ معه في "جرائم الحرب".
في الحقيقة، عدا التعقيدات البيروقراطية المرتبطة بالنظام الداخلي للأمم المتحدة، والاعتبارات الإنسانية التي تحول دون اتخاذ موقف سياسي واضح، يُضاف إليها تعقيدات الحرب السورية بشكل خاص، يمكن استخلاص نتيجة واحدة في هذا الشأن: لقد مُنيت الأمم المتحدة بفشل كبير في المهمة الإنسانية في سوريا.
أسبابه كثيرة دون شك، ولا تتحمّل مسؤوليته كل منظمة على حدة، بل يبدو أنه نظام تأسيسي عام بحاجة إلى المراجعة. أحد الأمثلة البارزة هنا يتعلق بأداء منظمة الصحة العالمية، والاتهامات التي طالتها مراراً. هل هو تواطؤ مع النظام السوري؟ لا يمكن الحكم تماماً بذلك. هل هو فشل في سوريا؟ ليس هناك من حكم مبرم أيضاً، لكنه بالتأكيد ليس نجاحاً بأي شكل.
نستعرض هنا أبرز السقطات التي لاحقت منظمة الصحة العالمية، كنوع من الإشارة إلى حجم الأزمة الأمميّة في سوريا. لا يمكن أن نفتي بدقة كل ما ورد حول المنظمة، لكن دائماً ما تحمل الاتهامات وجهاً من الحقيقة، تجدر معرفته على الأقل.
"تسترت على فظائع الأسد"
الطبيبة والناشطة والباحثة في مجال الصحة العام آني سبارو Annie Sparrow تسبقها شهرتها في أي مكان. لأكثر من 15 عاماً عملت في المجال، وتابعت الوضع الصحي في سوريا منذ بداياته مع منظمات عديدة كـ"هيومن رايتس ووتش" وغيرها. في تقريرها الأخير، الذي نشره موقع "ميدل إيست آي" Middle East Eye، تتهم سبارو منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع الأسد والسكوت عن جرائم الحرب. وتشهر عدداً من الوثائق لتأكيد ما تقوله بشأن تحريف المنظمة، عبر ممثّلتها في سوريا إليزابيث هوف، لحقيقة الوضع الصحي هناك، وتبني الأخيرة مرويات النظام والتعامل مع وزارة الدفاع من خلال عمليات مشبوهة. بحسب التقرير، بالرغم من إنفاق المنظمة لملايين الدولارات على الصحة العامة، فإن الأخيرة وصلت إلى وضع كارثي في سوريا. الأرقام تتكلّم عن نفسها. انخفض متوسط الأعمار من 70.8 سنة في العام 2010 إلى 55.4 في العام 2015. وهو رقم مرعب مقارنة بأفغانستان ورواندا والعراق التي يراوح فيها المتوسط من 61 إلى 69 سنة.الثابت الوحيد، أن الأمم المتحدة قد مُنيَت بفشل كبير في المهمة الإنسانية في سوريا...على خط آخر، تقول سبارو إن العشرات، ممن تم إجلاؤهم أو شُرّدوا أو يعيشون في مناطق المعارضة أو حوصروا، هم خارج اهتمام المنظمة الذي يُفترض أن تتبع مبدأ الحيادية. والسبب وفقاً للطبيبة "يمكن أن يُستَشف من خلال إحدى الخطب التي ألقتها هوف أمام مجلس الأمن في 19 العام الماضي، وفيه منحت المنظمة الأولوية لعلاقاتها الدافئة بالحكومة السورية". يأخذ التقرير على هوف عرضها لمغالطات مثيرة للقلق بشكل خاص هي:
-
التستّر على الأمراض المعدية ومنها شلل الأطفال
-
تجاهل طرف الاعتداء الرئيسي على المرافق الصحيّة
-
التواطؤ مع النظام
-
تسميات محايدة لقضايا مؤلمة
شكرية المقداد... مستشارة المنظمة
في مطلع العام الماضي، أثار تعيين شكرية المقداد، زوجة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، مستشارة لمنظمة الصحة العالمية في مجال تقييم الحالة النفسيّة للنازحين السوريين جدلاً واسعاً. حينها، وبحسب صحيفة "التلغراف"، دافعت هوف عن الخيار باعتبار أن المنظمة توظف الأشخاص الأكفاء من جميع الأطياف السياسية، بغضّ النظر عن أسمائهم أو ارتباطاتهم. لكن المتابعين تساءلوا عن إمكانية الوثوق بنزاهة المقداد وزوجها طرف في الحرب السورية.الأسد يتحكم بعمل الأمم المتحدة
في أغسطس الماضي، نشرت "الغارديان" تقريراً مطولاً عن مبالغ طائلة بملايين الدولارات ذهبت من الأمم المتحدة للنظام السوري. بحسب الصحيفة، دفعت الأمم المتحدة أكثر من 13 مليون دولار للحكومة السورية لتنمية قطاع الزراعة، وحوالي 4 ملايين دولار لشركة تزويد لمنتجات الوقود مملوكة للدولة، فيما أنفقت منظمة الصحة العالمية نحو 5 ملايين دولار لدعم بنك الدم الذي تتحكم فيه وزارة الدفاع، وسط مخاوف من حصر تقديم أكياس الدم إلى مصابي الجيش فقط. وعقدت منظمتان تابعتان للأمم المتحدة شراكة مع مؤسسة أسستها أسماء الأسد ودفعتا لها نحو 8.5 مليون دولار، فيما دفعت منظمة اليونيسيف 267 مليون دولار لجمعية "البستان" التي يملكها رامي مخلوف المعروف بارتباطه الوثيق بالنظام السوري. وأظهرت وثائق أخرى أن وكالات تابعة للأمم المتحدة أبرمت اتفاقيات عمل مع 258 شركة سورية أخرى لها علاقات مع الأسد أو مقربة منه، مقابل مبالغ تراوحت بين 54 مليون دولار و36 مليوناً وصولاً إلى 30 ألف دولار كحدّ أدنى.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.