شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مذبحة بغطاء رسمي في مطار بيروت... ما هذا الجنون؟

مذبحة بغطاء رسمي في مطار بيروت... ما هذا الجنون؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 17 يناير 201705:53 م
فتحت الدولة اللبنانية في الجلسة الأخيرة للحكومة الباب أمام الراغبين بالحصول على وظيفةٍ في المطار. "كشّاش نورس"، مهمّته بسيطة، إذ عليه فقط طرد النّوارس من محيط المطار، حفاظاً على سلامة حركة الطّيران، بعد أن شهدت في الأسبوع الأخير عدّة حوادث كانت ستؤدّي لكوارث محتّمة. ينضم كشاشو النورس لنادي موظفي الدولة المدللين، فإلى جانب موظفي المديرية العامة للسكك الحديدية والقطار، الموجودين فعلياً في لبنان دون وجود سككٍ أو قطار، وموظفي الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، التي أُسّست في العام 1996 بدعم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك بغية إنشاء البنى التحتية اللازمة للوقاية من الإشعاعات المؤينة Ionizing radiation في لبنان، وتطوير الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في مجال البحوث العلمية، إلّا أنها لم تُفعّل، ولم تُقدّم أي إنجازٍ يذكر منذ عشرين عاماً لليوم، يتقاضى موظّفوها الأجور شهرياً.

من المسؤول عن قتل النوارس؟

بعد القرار الحكومي الاستثنائي القاضي بتوظيف كشاشي نوارس في المطار، وذلك حمايةً لمطمر "الكوستا برافا" ووجوده، فوجئ اللبنانيون بمجموعةٍ من الصيادين على طول الشاطئ اللصيق بالمطار، بمؤازرة القوى الأمنية نهار السبت 14/1/2017. وبدأ الصيادون بإسقاط النوارس، في مذبحةٍ مروّعة، إذ تجاوزت أعداد النوارس المقتولة العشرات، ولم يخجل المحركون من فعلتهم هذه. فمدير عام شركة طيران "الشرق الأوسط"، محمد الحوت، خيّر اللبنانيين بين طائر النورس وطائر "الميدل ايست"، أي طيران الشرق الأوسط، أما وزير البيئة طارق الخطيب، فكان حازماً في موقفه، وفاق سلفه محمد المشنوق في اجتراح الحلول السحرية، عندما طالب منتقدي جريمة صيد النوارس بحلٍ بديل، وإلا فليصمتوا. وقد غاب عن الخطيب أن لبنان الرسمي موقعٌ على "الاتفاقية الدولية لحماية الطّيور المائية" - Agreement on the conservation of African-Eurasian Migratory waterbirds منذ العام 2002، وتنص الاتفاقية على أن هذه الطيور محمية عالمياً من الصيد. اصطياد النورس، إضافة إلى مخالفته الاتفاقية الدولية، يخالف القانون اللبناني للصيد أيضاً، وتُعتبر هذه الأفعال أفعالاً جرمية يحاسب عليها القانون اللبناني. الفضيحة الكُبرى تكمن في الجهة المحرّكة للصيادين، إذ يُفترض بها أن تكون عارفةً بالقانون اللبناني والمواثيق الدولية، لا أن تخرقهما هي.

قتل النورس ليس الحل الأمثل

تقول الحكمة الشهيرة، لا تعطه سمكة بل أعطه سنارة وعلمه الصيد. الحكومة اللبنانية رُبما قررت أن تؤمن بهذه المقولة وتترجمها على طريقتها، فبدل أن تعطي المواطن حلّاً، أعطته ترخيصاً لصيد طيور النورس في محيط المطار، ظنّاً من القيمين على الفكرة أنها الحل الأمثل.
لبنان أمام خطر المحاسبة الدولية... جريمة المطار من منظارٍ دولي
هل لبنان أمام سيناريو شبيه بفيلم "Sully"؟ ومن سمح بقتل طيور النورس؟
بيئياً، قتل النورس لن يحل مشكلة النفايات بل سيفاقمها، فالنورس يتغذى من الجيف والنفايات وبقايا الطعام الفاسد، أي أنه يلعب دوراً مساعداً في أزمة النفايات، لا عاملاً سلبياً، وعلى عكس الادعاءات التي يسوّقها المسؤولون عن مطمر الكوستا برافا، فموجات النورس تعود لوجود المطمر، لا لوجود نهر الغدير، الذي بدوره يحتاج لتأهيلٍ وصيانة وإصلاح، وهو موجود منذ أكثر من عشرين عاماً لم نصادف فيها أي طائر، أو مشكلة شبيهة. لبنان ليس البلد الوحيد الذي يعاقب الطيور على أخطاء الطيران أو تعذره، ففي 15 يناير 2009، طلبت طائرة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية الإذن بالهبوط اضطرارياً في نهر هادسن، بعد أن اعترض الطيور مسارها. يومذاك، سُجّل هبوط الطائرة التي تزن 50 طناً بسلام، كمعجزةٍ قام بها الطيار "تشيزلي سالنبرغ"، وتصدرت صور "سالي" Sully المجلات، منها "بيبول" People، لكن "سالي" لم يكن ليعرف أن إنجازه كان بمثابة كارثةٍ على طيور النورس، والزرزور، والأوز وغيرها من الطيور، إذ سُجّل منذ العام 2009 لليوم، سقوط أكثر من 70 ألف طائرٍ ضحية للاصطياد في محيط مطارات مدينة نيويورك، أو فخوخ الصيد المتعددة، مع أن التحقيق لم يُثبت أن الطيور هي من تسبب في حادثة الهبوط الاضطراري. توزّعت أرقام الطيور المقتولة على الشكل الآتي: طيور النورس 28000، وحوالي 16،800 من طائر الزرزور الأوروبي، ونحو 6000 من الحمائم وغيرها.

أوقفوا المذبحة

من المؤكد أن الحكومة اللبنانية جاهلة ما تفعل، فهي التي شرعت مطمراً على بعد 100 مترٍ من مطارها الوحيد، و9 أمتارٍ من البحر، منتهكةً بذلك إتفاقاتٍ دولية حول السلامة البحرية ومنع التلوث. الحكومة اليوم لا تعي خطر جريمتها بحق النورس، مع أنها تحاول قدر الإمكان الظهور بمظهر العاجز عن ابتداع حلٍّ فعلي، كما فعلت إبان أزمة النفايات حتى غزت النفايات الشوارع، قبل أن تمر الصفقات وتتقاسم الحصص بين الفرقاء. لا تأبه السلطات المعنية بالبيئة، ولا يعنيها الملف، مع غياب المحاسبة الفعلية، وعدم الاكتراث القانوني وشراكة وزارة البيئة بالجرائم البيئية المتتالية، ينتظر لبنان وحكومته تحدٍّ كبير، يتجلى في ردود الفعل الدولية على كسره الاتفاقيات، من اتفاقية حماية الطيور المائية وصولاً لاتفاقية برشلونة للحفاظ على المتوسط، لربما سيشعر المسؤولون حينذاك بالخطر الفعلي، ويلجأون لحلٍ ناجزٍ، لا لمجزرةٍ موصوفة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image