أمسك أمين رقيب بورقة عقده بإحكام، وهو ينزل من الطائرة التي أقلته من دكا عاصمة بنغلادش، إلى الدمام شرق السعودية.
كان يعتقد أن الأوراق الثلاث التي وقّع عليها، في مكتب صغير لتسفير العمالة في مدينة شيتاغونغ الساحلية، ستكون طريقة لانتشال عائلته المكونة من 11 فرداً من الفقر الذي يعانونه.
أسهب صاحب المكتب في مدح الشركة التي تعاقد معها، ليعمل عامل نظافة في الشوارع، مؤكداً له أن الشركة هي أكبر الشركات في البلاد، ولها فروع عدة.
ولكن ما إن خطت قدماه على أرض مطار الملك فهد الدولي، وركب الباص الصغير مع أكثر من 80 عاملاً آخر، ووصل لمقر السكن، حتى بدأت تلك الأحلام تتلاشى بسرعة.
فالغرفة التي وعد أنه سيحصل عليها مع رفيق سكن، تحولت غرفةً لنحو 16 عاملاً مع أن مساحتها لا تتجاوز 30 متراً مربعاً.
راتبه الذي وعد به، تقلص من 400 دولار لنحو 150، بعد أن حُسمت منه نفقات الإقامة والأكل والتأمين، بالإضافة إلى رسوم تجديد بطاقة العامل سنوياً.
امتدت ساعات العمل قرابة 12 ساعة في اليوم، لتتحول حياته إلى مأساة. وبدلاً من أن يكون فقيراً بين أفراد أسرته، بات فقيراً في الغربة. لا يستطيع حتى السفر إلى بلاده مجدداً لعجزه عن دفع قيمة تذكرة العودة.
"لو كنت أعلم ما سيتبقى لي، لما تركت عائلتي"
رقيب (45 عاماً)، الذي يحمل مؤهلاً دراسياً متوسطاً، هو واحد من نحو 850 ألف عامل نظافة يعملون في السعودية، معظمهم من بنغلادش، ولا يحظون بالاهتمام الكافي، ويتعرضون للاستغلال من الشركات التي تتعاقد معهم، مستغلة حاجتهم المادية. وهم يعملون في ظروف صعبة، ويسكنون في غرف جماعية أشبه بعلبة السردين. ولا يتجاوز ما يتقاضونه في أحسن الحالات 150 دولاراَ أمريكياً في الشهر، وتنخفض لدى بعض الشركات الأكثر استغلالاً لأقل من 100 دولار. يقول رقيب :"لو كنت أعلم أن كل ما سيتبقى لي من راتبي 150 دولاراً فقط لما تركت أولادي وعائلتي". يتكفل رقيب وزملاؤه بتكاليف السفر عند الإجازات، ويضيف: "يجبرنا صاحب الشركة على دفع قيمة التذكرة، وهي توازي رواتب ثلاثة أشهر تقريباً، مع أن العقد ينص على حقنا في الحصول على إجازة كل عامين، وتذكرة سفر، ولكن هذا لا يحدث".عقود بالملايين
يمتد عمل رقيب وزملائه لأكثر من 12 ساعة يومياً، وهو يبدأ من منتصف الليل، حتى الظهيرة. ومع أن عقود شركات النظافة الخاصة التي تتعاقد معها أمانات المدن لتولي مهمة جمع النفايات، تبلغ مئات الملايين الدولارات، فإن الحلقة الأهم في معادلة النظافة وهم العمال، باتت الحلقة الأضعف فيها. فمع أن قيمة تسعة عقود وقعتها أمانة جدة مع شركات النظافة العام الماضي أكثر من ملياري ريال (نحو 530 مليون دولار)، فإن ذلك الرقم الكبير لم ينعكس على وضع العمالة.كيف يعيش عامل براتب يقل عن 100$ في السعودية؟ لا يبقى أمامه سوى خيار التسول...
"لو كنت أعلم أن كل ما سيتبقى لي من راتبي 150$ فقط لما تركت أولادي وعائلتي" - عامل نظافة في السعوديةويكشف حمادي زين الدين، وهو أحد عمال النظافة الذين التقتهم رصيف22 في الدمام، أنه يعمل يومياً من الساعة الثانية بعد منتصف الليل إلى الساعة العاشرة صباحاً، ولا يتجاوز راتبه ورواتب بقية زملائه 120 دولاراً، بالكاد يكفيهم للمعيشة في السعودية. لذا يضطر للعمل بشكل غير نظامي في غسيل السيارات، ليتمكن من إرسال بعض المال لعائلته في سيلهث، شمال بنغلادش. ويضيف :"أسكن في غرفة صغيرة مع 12 عاملاً آخر، ظروفنا المعيشية غاية في الصعوبة، ولكن لا حيلة لنا".
الدفع غير منتظم
يحاول بعض السعوديين التعاطف مع هذه العمالة، عن طريق توزيع مراوح ورقية وحلوى، لكن هذه المبادرات الفردية غير كافية لتغيير الواقع. يضيف رجي رحمن، وهو عامل آخر كان يقف في شارع خالد بن الوليد في حي الراكة في الدمام: "راتبي قليل جداً، لا يتجاوز الـ100 دولار، ومع ذلك تحسم مني الشركة نحو 25 دولاراً كل شهر للأكل، أنا أعمل في السعودية منذ خمس سنوات وأحاول أن أوفر أي مبلغ يعينني عند العودة لبلادي". لا تقتصر معاناة العمال على تدني الرواتب وظروف السكن السيئة، في بلد تزيد فيها نسبة التضخم بمقدار 2% شهرياً، المشكلة الأخرى أنه حتى هذه الرواتب الصغيرة لا يتم دفعها بانتظام، فهي تتأخر في بعض الحالات لعدة أشهر. كما أن شركاتهم التي تتقاضى من الدولة مبالغ كبيرة لتأمين العمالة، تجبرهم على دفع 300 دولار، إذا رغبوا في الحصول على إجازة للسفر لبلادهم.أظهر بعض العمال في جدة احتجاجاً على وضعهم، بالتوقف عن العمل. ويؤكد القانوني المختص في القضايا العمالية ربيع الموسوي، أن القانون السعودي يمنع التظاهر أو الإضراب، ويحمي أيضاً العمال من تأخر رواتبهم. لكن هذا لا يعني أن التأخر لا يحدث. ويقول لرصيف22: "هناك مشاكل حقيقة في تأخير الرواتب، في كثير من الشركات، ويظل القانون الذي سنته وزارة العمل ناقصاً، لأنه يعاقب الشركات التي تتأخر في دفع رواتب عمالها بإيقاف الخدمات عنها، ولكنه لا يملك حق إجبارها على الدفع".9 عقود وقعتها أمانة جدة مع شركات النظافة عام 2016، قيمتها نحو 530 مليون$، ولم يتحسن وضع العمال بأي شكل من الأشكال
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعيخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ أسبوعشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ اسبوعينSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع