الرأي الأرجح أن اكتشاف مخدر الحشيش، المستخلص من نبات "القنب الهندي" كان في الصين عام 2737 قبل الميلاد، في عهد الامبراطور شنج نانج، الذي سماه "واهب السعادة"، بحسب كتاب السموم والمخدرات بين العلم والخيال، لهاني عبدالقادر عودة. وهناك من يخلط بين الحشيش والأفيون، ويعتبر أن المصريين الفراعنة هم أول من اكتشف الحشيش، بسبب وجود برديات عليها كلمات عن نبات الخشخاش - كما أكد المؤرخ الإغريقي هيرودوت - إلا أن الحشيش لا يُصنع من الخشخاش بل الأفيون هو الذي يصنع منه، كما يشير عودة. عرف المصريون الحشيش في وقت مبكر عن شعوب عربية أخرى. يقول يعقوب صروف، الذي ولد عام 1852 وتوفي عام 1927، وزار الكثير من البلدان العربية، في "المقتطف"، إنه لم يرَ القنب الهندي إلا في مصر، وأنه يزرع في البساتين ويسمى بالحشيشة عندهم. وكان المصريون يستخدمون الحشيش كمخدر قبل الفترة التي تحدث عنها يعقوب صروف، فقد ذكر المقريزي (1364م - 1442م) الذي كان يعيش في عهد دولة المماليك، في كتابه "في المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار"، أن الحشيش هو متعة الفقير، ولم يحرّمه الشرع، وحكى كيف أن إمام مسجد السلطان أبو العلا بالقاهرة، كان متجهم الوجه وفرّ إلى الصحراء وعاد مبتسماً، فلما سئل عن سبب انشراحه، أشار إلى نبات ينمو في الصحراء تناوله، فذهب العامة وتناولوا هذا النبات، وهو القنب.
بين الفرق الإسلامية والمتدينين
الفقيه الحنبلي السلفي، ابن تيمية، كان يعيش بين مصر وسوريا، من "1263 إلى 1328"، وأفتى في كتابه "المقاصد الشرعية" بتحريم "الحشيشة"، وقال إنها مثل الخمر، مشيراً إلى أنها ظهرت في القرن السادس الهجري، حين قامت دولة التتار. أكثر الروايات رواجاً، رغم وجود ما يكذبها، هو أن فرقة الشيعة الإسماعيلية النزارية، التي تُسمّى "الحشاشين"، هي أقدم الفرق الدينية الإسلامية التي كانت تتعاطى الحشيش. وكان مقرها قلعة آلموت في بلاد فارس (إيران حالياً)، وظلت هذه الفرقة قائمة منذ منتصف القرن الحادي عشر الميلادي (السادس الهجري) حتى شردها قائد التتار، هولاكو خان، عام 1256، ثم قضى عليها الظاهر بيبرس في الشام عام 1273.يقول ماركو بولو في كتابه "البندقية: في ما يتعلق بالممالك وروائع من الشرق" إن حسن الصباح، زعيم الحشاشين، كان يأمر أتباعه بشرب الحشيش حتى يغيبوا عن الوعي، ويمتثلوا لأوامره، وكان يأخذهم إلى مكان في قلعته الحصينة به حديقة غناء وجوارٍ، كي يوهمهم بالجنة والحوريات، ويقنعهم تحت نشوة الحشيش أنهم ماتوا وذهبوا إلى الجنة لأنهم أطاعوه.
وقد شكك علي بريشة في صحة الرواية، وذكر في كتابه "رحلات ابن البيطار" أن ماركو بولو، ولد عام 1259، بينما دمر هولاكو قلعة الحشاشين قبل ذلك، كما أن ألد أعداء فرقة النزارية المعاصرين لهم لم يصفوهم بـ"الحشاشين"، رغم أنهم نعتوهم بالملاحدة والزنادقة.
ونقل المقريزي في خططه عن كتاب "السوائح الأدبية في مدائح القنبية" للحسن بن محمد، أن الشيخ جعفر بن محمد الشيرازي الحيدري حكى له أن مكتشف الحشيش هو شيخ صوفي يدعى حيدر في خراسان، وكان يبيحه لتلاميذه بل يرغبهم فيه، ومن هناك انتقل إلى العراق ثم إلى باقي المنطقة العربية.
ويؤكد هذه الرواية بدر الدين الزركشي، المحدث والفقيه المصري (1344م - 1392م)، في كتابه "زهر العريش في الكلام عن الحشيش". وذكر أحمد علي حسن في كتابه "التصوف جدلية وانتماء: دراسات ومناقشات في أصول التصوف ومعارفه وفنونه"، أن محي الدين بن عربي، وعمر بن الفارض، القطبين الصوفيين، اتّهما بتعاطي الحشيش.
الشيخ علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، والمعروف بانتمائه للفكر الصوفي، نُسب إليه تسجيل صوتي، يقول فيه إن من الصوفية من يدخنون الحشيش، ويتاجرون فيه:
وقال جمعة في فيديو آخر إن الخمر نجس، ولكن الأفيون والحشيش طاهران، ولا ينقضان الوضوء:
وهي الفتوى التي أثارت جدلاً كبيراً في الشارع المصري. كما أثار أستاذ الفلسفة الإسلامية، الدكتور حامد طاهر، نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق ضجة كبيرة حين قال: ما لم يرد نص صريح بتحريمه لا أحرمه، ويكفى أن نقول إن الحشيش أو الهيروين ممنوع أو محظور، وهذا ليس تقليلاً من خطورتهما، ولكن يجب محاسبة من يتعاطاهما أو يتاجر بهما بعقوبة مدنية على درجة خطورة الجرم قد تصل إلى الإعدام. وعلل طاهر رأيه بأن تعاطي الحشيش محظور وممنوع ما لم يرد في شأنه نص شرعي لأن لفظ "حلال أو حرام" يستخدمه الفقهاء لترهيب الناس وترغيبهم، ولأن مصطلح حلال أو حرام مصطلح ديني لا يجوز أن يطلقه سوى الله عز وجل ورسوله الكريم وشدد عليه القرآن في قوله: "اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"، فالحلال والحرام جزء من الدين المكتمل "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام" ولكن الأفضل أن نقول هذا ممنوع أو محظور.
مشاهير يدخنون الحشيش
على رأس من نسب إليهم تدخين الحشيش، كان الرئيس أنور السادات؛ ففي تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، نقلته عنها مواقع وصحف مصرية كثيرة، ذُكر أن الرئيس المصري كان مغرماً بهذا المخدر، وكان عصره ذهبياً لرواج تجارته (1970 -1981)، وقالت إن سكان مصر المخضرمين يصفون تلك الفترة الممتدة من 1970 لـ1981 بـ"العصر الذهبى لمدخني الحشيش".
نجيب محفوظ
الأديب العالمي نجيب محفوظ اعترف للكاتب رجاء النقاش أنه كان يدخن الحشيش يومياً، وأنه أقلع عنه خوفاً من ضبطه بحوزته، خاصة بعد حملات تفتيش الشرطة لمنازل القاهرة بعد انفجار سينما مترو، بحسب كتاب "في حب نجيب محفوظ"، لرجاء النقاش. وقال محفوظ إن الصوفية هم أكثر من روجوا للحشيش وتعاطوه لأنه كان يسعدهم ويسرّع من ارتقائهم إلى حالة التجلي والوصول التي يسعون إليها دائماً، مشيراً إلى أن تدخينه في مقاهي القاهرة كان أمراً عادياً كشرب الشاي، وكانت أكبر عقوبة لتدخينه في الأماكن العامة هي بضعة قروش، ولذلك كان نعم الصديق للشعب المصري ووسيلته لنسيان الهموم.أحمد رمزي ورشدي أباظة
الفنان أحمد رمزي قال في أحد التصريحات إنه كان يدخن الحشيش بسبب رشدي أباظة الذي كان يتناوله بشراهة، وفي هذا الفيديو يحكي هو وعمر الشريف كلاماً مثيراً.نجم وإمام
فاروق الفيشاوي
سعيد صالح
الفنان سعيد صالح، اتهم مرتين بتعاطي الحشيش، وألقت الشرطة القبض عليه، مرة عام 1991، والثانية عام 1996.أحبوه فغنوا له
سيد درويش الذي يعتبره البعض أبا الغناء المصري الحديث، اشتهر بتعاطي الحشيش وغنى له من كلمات بديع خيري قائلاً: "دا الكيف مزاجه إذا تسلطن أخوك ساعتها يحن شو شو شوقا... إللى حشيش بيتي نيتي نيشي اسأل مجرب زي حالاتي".والمغني الشعبي الشهير شعبان عبدالرحيم، اعترف بأنه كان يدخن 100 سيجارة حشيش يومياً:
وغنى له شاكياً من ارتفاع سعره وعدم توفر أصناف جيدة منه:
كذلك فإن أغنية "سيجارة بني" من أشهر الأغاني الشعبية المتداولة للمغني محمود الحسيني:
تقنين الحشيش
الأمر نفسه تكرر في المغرب، هذا البلد الذي يعد أهم مصدر للحشيش في العالم، إذ ينتج 65% من مجموع الإنتاج الدولي، بحسب تقرير المرصد الأوروبي للإدمان والمخدرات عام 2014، إذ أثير الأمر في البرلمان، وطالب نواب المعارضة بإباحة زراعته، بشرط استغلاله في الأغراض الطبية والتصدير، ولكن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي يقود حزب العدالة والتنمية، المسيطر على البرلمان، رفض وحزبه الأمر. يُذكر أن زراعة القنب الهندي كانت متاحة في المغرب، إبان الاحتلال الفرنسي، وصدر تشريع عام 1919، يبيح زراعته بشرط إبلاغ السلطات، ولكن تم تجريمه بعد الاستقلال. كذلك كانت هناك حملة في مصر عام 2015، لتقنين تجارة الحشيش، وكان على رأس المطالبين بذلك، رجل الأعمال والسياسي الشهير، نجيب ساويرس، في مقال له بجريدة الأخبار المصرية، الأمر الذي أثار جدلاً شديداً حوله .
لماذا يحبون الحشيش؟
تقول الدكتورة ليلى عبد الجواد، أستاذة علم النفس، والمشاركة في مشروع صندوق مكافحة الإدمان في مصر، إن تدخين الحشيش يساعد على فقدان الإحساس بالزمن والمسافات، ويجعل الشخص ميالاً إلى الوحدة، ومن الممكن أن يجعله يستغرق جداً في نومه، وهي أمور قد يبحث عنها البعض، ممن يريدون الهروب من المشاكل. وتضيف أن الهلوسات السمعية والبصرية التي تصاحب تعاطي الحشيش قد تغري البعض أيضاً للدخول في تجربة الانفصال عن الواقع والعيش في عالم خيالي يتمناه، ولكن الكثيرين لا يدركون أن الاعتياد على تعاطي الحشيش يسبب إدمانه، ومع الوقت سيؤدي إلى اضطرابات نفسية. ويعتقد البعض أن الحشيش ينشط الإبداع، ولكن دراسة أجراها باحثون بمعهد علم النفس بجامعة "ليدن" بهولندا، ونشرت في دورية "علم الأدوية النفسية"، أثبتت أن القنب بأنواعه كلها، وعلى رأسها الحشيش، يؤثر على المزاج والإدراك وغيرهما من الوظائف المعرفية للإنسان، وليس العكس كما يعتقد البعض.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومينحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 3 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين