شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
صناعة الوحوش تزداد رعباً: أب يحضّر ابنتيه - 10 سنوات - لعملية انتحارية

صناعة الوحوش تزداد رعباً: أب يحضّر ابنتيه - 10 سنوات - لعملية انتحارية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 24 ديسمبر 201602:05 م

تقول الرواية ألا أحد أدرى بصالح الأولاد أكثر من الأهل، وتقول رواية أخرى أن قلب الأم الذي كان يحمله طفلها بعدما ذبحها، عندما وقع أرضاً وهو يركض، سأله (القلب) ما إذا أصابه مكروه. وتحكي روايات وأفلام وقصص شعبية، بطولة آباء فدوا أبناءهم بحياتهم.

في المقابل الأسود للصورة، ثمة قصة - حقيقية - موثقة يلعب فيها دور "البطولة" أحد عناصر "النصرة" سابقاً، ويُدعى أبو نمر، وهو يجهز ابنتيه الاثنتين اللتين لم تبلغا العشر سنوات بعد، لتفجير نفسيهما في مراكز تابعة للنظام السوري. بنبرة لطيفة محببة، تحاكي تلك التي يعتمدها الأهل عندما يروون قصصاً لأطفالهم قبل النوم أو عندما يشجعونهم على الذهاب إلى المدرسة، يشدّ الوالد من أزر الفتاتين، وكذلك تفعل الوالدة.

يقول إنهما أفضل من رجال هربوا بـ"الباصات الخضر"، وإنهما ذاهبتان للقاء الله بدل أن يقبض عليهما الكفار ويغتصبونهما. فاطمة، إحدى الفتاتين، كانت عند "حسن ظنّ" أهلها، وتمكنت من تفجير نفسها في مركز للشرطة في منطقة الميدان في قلب العاصمة دمشق، أما الأخرى فعادت أدراجها، لأن الشرطة لم تسمح لها بدخول المركز، حسب ما جاء في الحساب الفيسبوكي "أستغفر الله أستغفر الله"، الذي يُعتقد أن الأم تديره.

"غزوة دمشق"، هكذا سمّت الأم هجوم فاطمة، الذي أسفر عن تناثر جسمها هباء وجرح عدد من العناصر. الأكثر سورياليّة في الموضوع، هو تلك "الوصيّة" التي تركتها الانتحارية الصغيرة وفيها تدعو والدها "ألا يوقف عمليات التفخيخ في دمشق"، وتدعو أمها وأخواتها أن ينفذوا "العمليات الاستشهادية". كما يظهر في الوصية زوجها "أبو دجانة"، الذي تدعو الله أن "يفك أسره". وقد تبيّن لاحقاً أنه ابن عمها وهو في العاشرة من عمره، وبينهما عقد شرعي منذ سنتين، وقد اختفت آثاره بعدما كان ذاهباً لتنفيذ عمليّة في دمشق.

800b8912-0239-4973-b9fa-a041b474ef6b800b8912-0239-4973-b9fa-a041b474ef6b

ليس جديداً استخدام الجماعات المسلحة للأطفال في الحروب، بدءاً من خطفهم وتجنيدهم وزجهم في الصراعات المسلحة.

ليس بعيداً في التاريخ، يُذكر المشهد بنصيحة المصري أبو أيوب المهاجر لـ"القاعدة" بأن تسعى منذ أول أيام نشاطها لتجنيد الأطفال والمراهقين، فهم هشون سريعو التلقين والاقتناع، وحادو الطباع ومتمردون. ظهر تنظيم "فتيان الجنّة" كأول محاولة علنية من تنظيم "القاعدة" وبعدها من "دولة العراق الإسلامية" لتجنيد الأطفال في المناطق الساخنة، حيث كانوا يكلفون بمهام انتحارية أو شبه انتحارية تستهدف الشرطة والصحوات والسياسيين، وفي عدد من المرات الأسواق الشعبية. عندما اعتقل "أبو آمنة وأبو عامر"، الذي كان يدير التنظيم في العراق حتى العام 2008، كشف أن "فتيان الجنة" يحظى بتمويل يفوق تمويل بقية أجنحة "القاعدة".

أب يجهز ابنتيه الاثنتين اللتين لم تبلغا 10 سنوات بعد لتفجير نفسيهما! صناعة الوحوش باقية وتتمدّد، بل تزداد رعباً
أطفال يقاتلون، وآخرون يلعبون بالجثث، وأهل يحضرون أولادهم الصغار للتفجير... العالم يصل إلى قعر الجنون

انتشر الخوف من الأطفال في العراق خلال سنوات عديدة، وتتابعت لاحقاً الفيديوهات من هناك عن أطفال مفخخين، وخلال الشهر الماضي أعلنت الأمم المتحدة أن "داعش" نشر أطفال بأحزمة ناسفة في الموصل، إلى جانب استغلال النساء كدروع بشرية.

وفي العام الماضي وثق "المرصد السوري لحقوق الإنسان" مصرع 52 طفلاً مقاتلاً دون سن الـ16 عاماً، بينهم ما لا يقل عن 18 فجروا أنفسهم بعربات ملغومة، منذ تخريج أول دفعة من الجنود الأطفال وإرسالهم للقتال في مدينة كوباني في يناير الماضي. كما وثق المرصد مشاركة أطفال من "أشبال الخلافة" في إعدام آخرين اتهموا أنهم "عملاء للاستخبارات الروسية". كما تظهر الكتب المدرسيّة في الدولة الإسلاميّة الدروس التي تعزّز فكرة "الانغماس" لدى الأطفال، عبر تلقينهم أنه أسرع طريقة للقاء الله وأنجعها لمحاربة "الكفار".

"انفجر الصبي الذي لم يتخط الـ15 من عمره بالبكاء، عندما قبضت عليه الشرطة بعدما لاحظت أن يسير متوتراً في أحد الشوارع العراقية، وعندما مزق العناصر قميصه البرشلوني وجدوا حزاماً ناسفاً تحته". تفادت الشرطة آنذاك حادثاً مأساوياً، لكن في الوقت ذاته، فجّر شاب في العمر نفسه جسده خارج أحد المساجد. وفي تلك الفترة، قالت إحدى الأمهات في محافظة ديالى العراقية أن التنظيم جند ابنيها المراهقين رغماً عنها، وأن أحدهما فجّر نفسه أمام أحد المقاهي.

وإن كان تجنب المأساة ممكناً في حالات قليلة، يبقى نجاح تفجير الأطفال أكبر بسبب تحكم البالغين بلحظة التفجير عن بعد. هذا كان الحال مع فاطمة في دمشق.

وإن رأينا أطفالاً يقاتلون، وآخرين يقتلون أو يلعبون بالجثث، وإن رأينا أهلاً يودعون أبناء بالغين ذاهبين لـ"الاستشهاد"، فإن فيديو تحضير الأهل للفتاتين الصغيرتين الذاهبتين للتفجير يتخذ منحى شديد الرعب. فإلى أين قد يصل قعر هذا القاع في استغلال الأطفال؟ صناعة الوحوش باقية وتتمدّد.. بل تزداد "تألقاً".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image