انتهى الحديث عن "أجواء التفاؤل" و"الحصص الوزاريّة" بعدما وصلت "الهديّة الحكوميّة" في أجواء ميلاديّة احتفاليّة. وسط هذه المصطلحات الحاضرة مع كل استحقاق سياسي في لبنان، ولدت الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال عون، بعد أسابيع من المساومات. هكذا سيذهب زعماء السياسة إلى عطلة الميلاد بـ"ضمير مرتاح" بعدما ثبّت كل منهم حصصه. في المقابل، يتركون للبنانيين حكومة بثلاثين وزيراً فيها من التنوع الطائفي والمذهبي والـ"حقائبي" ما يجعلها، ككائن بحدّ ذاته، أكثر تعقيداً من الملفات التي تنتظرها خلال الأشهر القليلة من الحياة المكتوبة لها.
لم يتوقع اللبنانيون تغييراً جذرياً في اللعبة، فاللاعبون على حالهم، والقوانين (الانتخابية) التي تحكمها صامدة في وجه أي تغيير. لكن ما حملته حكومة الرئيس سعد الحريري من "لمسات إضافيّة" لم يكن ليمرّ عابراً حتى لو حملت الحكومة عنوان "الوحدة الوطنيّة". التجربة مع "حكومة المصلحة الوطنيّة" السابقة، برئاسة تمام سلام، تحكي الكثير عن عناوين "وحدوية" عريضة لا تلبث أن تنتهي مع كبسة زر الكاميرا لالتقاط الصورة التذكاريّة الأولى.
منذ الساعات الأولى، سُجّلت ملاحظات كثيرة على التشكيلة الحكوميّة، قبل الدخول في تقييم أدائها، الذي يحتاج لبعض الوقت وإن استبق كثر الموضوع ورأوا أن المكتوب يُقرأ من عنوانه، مسلمّين بفشلها.
حقائب جديدة
بعدما تألفت الحكومة السابقة من 24 وزيراً، ضمت الحالية 30 وزيراً. واستُحدثت وزارات دولة جديدة هي "مكافحة الفساد" و "شؤون رئاسة الجمهورية" و"شؤون النازحين" و"شؤون المرأة" و"شؤون التخطيط" و"شؤون حقوق الإنسان". كما جرى الاتفاق على خلق حقيبة في الحكومة المقبلة لـ"الأقليات" وتخصيص حصة للسريان، بناء على إصرار رئيس الجمهوريّة.وزارة للفساد
لاقى بعض هذه الحقائب انتقاد المتابعين، لا سيما في ما يتعلق بمكافحة الفساد، الذي علق كثر بأنها يجب أن تبدأ من الوزراء أنفسهم. وتهكم البعض بأن على الوزير نيقولا تويني الموكل بالحقيبة أن يبدأ بزملائه. أما "شؤون الإنسان" فانتقد البعض استحداثها بينما كان اللبنانيون يتابعون أخيراً سجن أحد الناشطين بسبب تعليق فيسبوكي.رجل في حقيبة امرأة
عدا النظر للمرأة كـ"كائن فضائي" تلزمه حكومة خاصة، نال تخصيصها بوزارة نقداً واسعاً لعدة أسباب. بدا لافتاً في مجتمع تشكل النساء نصفه وجود امرأة واحدة في حكومة مؤلفة من ثلاثين وزيراً (الأمر الذي لم يتغيّر عما كان في الحكومة الماضية). وفي ظلّ إمعان الطبقة الحاكمة في تمييع البنود الظالمة للنساء في القانون اللبناني، لا سيما ما يتعلّق بمنح الجنسية وبالعنف الأسري، أتى تعيين رجل (جان أوغاسبيان) على رأس الوزارة المختصة بشؤون المرأة، كخطوة إضافية في سياق التعاطي الهزلي مع تمثيل النساء في الحياة السياسية كما مع مقاربة القضايا المتعلقة بهن.وجوه غير مألوفة
أدخلت الحكومة الجديدة نحو 15 وجهاً جديداً إلى النادي الحكومي، بعضهم كان في الحياة النيابية وبعضهم الآخر جديداً كلياً. لكن الجميع كان موزعاً بين صقور وحمائم وبين تكنوقراط وثابتين في الحياة السياسية. المرأة الوحيدة في الحكومة في حقيبة الشؤون الإدارية، تُعدّ أول وزيرة محجبة في تاريخ لبنان، وهي عضوة في المكتب السياسي لحركة أمل. ومن الأسماء الجديدة الأخرى أتى نقولا تويني من تجمع العائلات البيروتية ورائد الخوري من عالم المصارف وطارق الخطيب كحزبي سني في "التيار الوطني الحر" ورئيس بلدية.الثلث المعطّل والمحكمة الدوليّة
ضمت الحكومة جميع الأطياف السياسيّة ما عدا "الكتائب". وكان الجديد فيها امتلاك قوى الثامن من آذار للثلث المعطّل، بينما ضمت الكثير من خصوم الحريري التاريخيين. وفي هذا الإطار، طُرحت الأسئلة بشأن المحكمة الدولية المولجة متابعة قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، لا سيما أنها كانت ولا تزال مرفوضة تماماً من قبل فريق الثامن من آذار. يأتي ذلك بعد توكيل سليم جريصاتي المعروف بمعارضته الشديدة للمحكمة الدولية بوزارة العدل، ويعقوب الصراف، الذي استقال من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة احتجاجاً على تجاوز البعد المحلي للمحكمة الدولية والذهاب مباشرة الى مجلس الأمن، بوزارة الدفاع. يُضاف إليهما يوسف فنيانوس من "تيار المردة" والمتخصص في التنسيق بين "أمل" و "حزب الله" وبين القيادة السورية، وقد حصل على وزارة الأشغال. مع العلم أن اسمه كمحام تم تداوله عدة مرات في موضوع المحكمة الدولية. وأخيراً شكل حصول رئيس "الحزب السوري القومي الاجتماعي" علي قانصوه المعروف بصلاته الوثيقة مع دمشق، على حقيبة وزارية بعدما تنازل له عنها "حزب الله" مفاجأة إضافيّة.الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب
قد لا يكون الأمر جديداً كلياً في هذه الحكومة، فقد اعتاد اللبنانيون توزيع الحقائب وفق المصالح السياسية لا بناءً على الخبرات والشهادات العلمية. في هذه الحكومة أيضاً نجد طبيبة في وزارة الشؤون الإدارية، ومصرفياً في وزارة الاتصالات، ومهندساً في وزارة الدفاع، ومهندس اتصالات وزيراً للصحة، وصاحب ال63 عاماً الآتي من خلفية علوم الرياضيات وصاحب الخبرة في الشؤون الإدارية وزيراً للشباب والرياضة، وطبيباً جراحاً وزيراً للثقافة، ومدير أعمال وزيراً لحقوق الإنسان، ومحامياً وزيراً للبيئة، ومدير أعمال آخر وزيراً للشؤون الاجتماعية...ملفات الداخل والخارج
يُنتظر أن تعقد الحكومة جلستها الأولى يوم الأربعاء المقبل، بينما تنتظرها ملفات ساخنة في أشهرها القليلة المتاحة للعمل. في الداخل أزمات عدة تبدأ من قضية النفايات وصولاً إلى تحقيق الوعد بإقرار قانون انتخابات جديد وإجراء الانتخابات النيابية. وفي الخارج تبدو الأزمة السورية الأكثر خطورة إذ بدت إشارة الحريري لـ"الوحشية" في حلب من القصر الجمهوري خير دليل على عمق القضايا الخلافية التي تنتظر الحكومة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين