شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
جدلية حلب... بين خاسرٍ ورابحٍ وضحيةٍ توحدهم

جدلية حلب... بين خاسرٍ ورابحٍ وضحيةٍ توحدهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 14 ديسمبر 201611:18 ص
تحتل حلب التّغطيات الاعلامية والاخبارية، وتشغل الصّور ومقاطع الڤيديو حيّزاً كبيراً من اهتمام الجميع على مواقع التّواصل الاجتماعي، بين مؤيدٍ ومعارض، احتدم النّقاش حدّ التّخوين والشّماتة والتّشكيك، فكثرة المصادر الحلبية الهوى، جعلت من مأساة حلب مادةً جدلية، بدل أن تجمع الآراء كلّها حول التّضامن مع الضّحايا. صور الموت الآتية من حلب في ظلّ صمتٍ دولي مريبٍ عما يجري، يشبه الصّمت عن سقوط المدينة بيدّ الجماعات المتطرفة سابقاً، تعيد الى الاذهان صوراً اعتدناها آتية من العراق او اليمن، فيسجّل للحرب السّورية أنها الحرب الوحيدة في العالم، التي شهدت اهتماماً دولياً واعلامياً لافتاً لم ينجح في تخطّي المنابر والكاميرات، أو المواقف الرّنانة، دون مسعى جدّي لإنهائها. وما يجري في حلب اليوم، يظهر بشكلٍ جلي الانقسام الحاصل عالمياً، فما بين "حلب تتحرّر" و"حلب تُباد"، احتارت البوصلة في تحديد وجهة الصّواب، بينما يدفع المدنيون ثمن صراع المحاور والمشاريع، ما بين سوريا الموحّدة الكيان، وسوريا المفيدة، في وقتٍ تجهد القوى المتصارعة لاقتطاع حصّةٍ من الجغرافيا السّورية، لتفاوض عليها لاحقاً عند انتهاء الحرب. تركيا تطمح لتوسيع نفوذها، السّعودية ومن معها يسعون لتثبيت وجودٍ شامي ونفوذٍ لهم، ايران ومن يقاتل ضمن لوائها يحاولون ربط سوريا، او الحفاظ على ارتباطها بمحورٍ يمتد من طهران لبغداد فبيروت، روسيا وجدت في الميدان السّوري ضالّتها لتعويض ما خسرته من نفوذٍ في ليبيا. وأميركا تجدّ في سوريا ما سعت لارسائه منذ فترة، اي ساحة اقتتالٍ ما بين اعدائها، ان كانت ايران ومن معها، او القوى الجهادية السّنية التّقليدية، في حين أن الدّول جميعها، من روسيا لأميركا وصولاً الى اوروبا، تستغل السّوق السّورية، لتوريد السلاح وتنشيط مبيعه، بصفقاتٍ تصل للمليارات من الدولارات.

حلب تُباد أم تتحرّر؟

يعكف الاعلام الرّسمي السّوري ومن يدور في فلكه، على فتح الهواء مباشرةً لنقل الاحتفالات التي تجوب الاحياء الغربية من حلب، اي المناطق المؤيّدة للنظام، مستشهدةً بشهاداتٍ لمدنيين نجحوا في الخروج من الاحياء الشّرقية، ليتحدثوا عن قمع المجموعات الراديكالية واحكامها "الشّرعية" التي تبدأ بالجلد ولا تنتهي عند الذّبح، وركّز الاعلام على مشهد ذبح الطّفل الفلسطيني الذي انتشر سابقاً، مع أنه لا يمكن دحض رواية المدنيين، فالمجموعات عاثت خراباً وامعنت قتلاً وذبحاً، جعلت من سيطرتها على حلب والحلبيين شعاراً معنوياً، دفع ثمنه الأبرياء بينما هرب المقاتلون. وعلى الضّفة الأخرى، انتشرت فيديوهاتٍ ورسائل صوتية او شهاداتٍ حيّةٍ للمدنيين المحاصرين في الأحياء التي يتقدّم الجيش السّوري وحلفاؤه إليها، رائحة الموت تعبق في الأحياء، الجثث تفترش الشّوارع، الجرحى دون علاجٍ بسبب غياب المواد الأولية واستمرار الحصار، صواريخ النّظام والغارات الرّوسية، حوّلت المدنيين في مناطق الصّراع الحلبي لعدّاداتٍ تعدّ الدّقائق، بانتظار موتٍ محتّم. فات المؤيد للنظام، المبتهج بتحرير حلب، كما فات المعارض، النّاقم على سقوطها، وناقل صورة إبادتها أمرّ أساسي، ويفترض أن يكون هو الاساس، أي المدنيين، من اطفالٍ وشيوخٍ ونساء، هؤلاء يُهجّرون من بيوتهم لينضموا لملايين من السّوريين الذين نزحوا للداخل السّوري او لدول الجوار، مئات الآلاف من الحلبيين فقدوا بيوتهم وأشغالهم، ورموا أحلامهم خلف ظهورهم حتى صارت أقصى امنياتهم، هي البقاء على قيد الحياة، قبل أن يسبق أحلامهم سكّينٌ متطرف، أو صاروخٌ وغارةٌ من روسيا والنّظام، فما بين السّكين والبرميل، انضمت الانسانية لقائمة الضّحايا.

نحن شركاء في موقعة العصر

أضاف الامين العام للأمم المتحدة الى قلقه، شعوراً جديداً بالذّنب، وتعبيراً عن عجزٍ نشعر به جميعاً أمام ما يجري في سوريا وحلب خاصةً، نشاهد المجازر وصور النّزوح، دون أن نقدر على تحقيق اي تغيير أو نساعد في وضع حدٍّ لما يجري، نتضامن بالتغريدات، ونعجز عن ايجاد أرضيةٍ مشتركة يتلاقى فيها المعارض مع الموالي فبدل التّركيز على هول الكارثة الانسانية، وتبعاتها التي لن تزول ولو بعد عشرات السّنين، تحوّلت المأساة لمادة دسمةٍ لبروباغندا إعلامية، أصبح فيها ضحايا الارهاب في افغانستان وغزّة والعراق، لصورٍ يستغلها البعض مدّعين أنها من حلب، وتحوّلت على الضّفة الاخرى لمنابر تمجّد الهولوكست الذي يتحمّل مسؤوليته الطرفان، النظام وخصومه من تجّار القضية. في ظلّ الضّياع الاعلامي، والحملات المتبادلة، تخفت الاصوات الداعية للانسانية، فالانسانية أضحت مادةً انتقائية، مما ينذر باستمرار الحرب لأجيالٍ قادمة، نعيش الفصول الدّموية للحرب اليوم، وسيعيش أطفالٌ شاهدوا بأم العين مشاهد القتل تبعاتها، لتمتدّ عقوداً ولتعبر أجيالٌ، حلب لم تباد ولم تتحرّر، تحرّر المنطق من عقاله وابيدت الإنسانية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image