بضعُ كلماتٍ كانت كفيلة بالزجّ بالشاب باسل الامين في السجن، لم يستطع باسل أن يمرر مقلباً غير إنساني عرضته قناة الـOtv. حاله حال كُثُر، فالمقلب حرّك الرأي العام اللبناني، ونُشرت لأجله حملاتٌ رافضة لفحواه، مما أجبر معدّه ومقدّمه، مارسيل خضرا على الاعتذار، لكن باسل كان الوحيد الذي عُوقب، ولا يزال لليوم خلف القضبان.
"أوقفوا هدّي قلبك" كان الشّعار الذي اعتُمد لمهاجمة البرنامج العنصري "هدّي قلبك"، وشكّل الشعار نوعاً من الحماية الذاتية لمستخدميه ما دام لا يخالف القانون، والقانون هنا، فيما خص الحريات، يتحول من مسلّمةٍ يجب اتباعها، إلى مادّةٍ جدليةٍ نظراً لوجود إشكالية رئيسية، وهي الأولوية في السمر، بين الدستور الكافل لحرية التعبير، وبين القانون الجزائي المراعي لوجوب المحاسبة عند القدح والذم.
عرّفت المادة 385 من قانون العقوبات الذم بأنه نسبة أمر إلى شخص (ولو في معرض الشك أو الاستفهام) ينال من شرفه أو كرامته. ولجريمة الذم ركنان: ركن مادي وآخر معنوي. الرّكن المادي يعني الفعل الذي يولّد الشعور بالاحتقار لدى الأهل والمجتمع والبيئة، وهذا الشعور كان ظاهراً كرد فعلٍ على كلام باسل الأمين، وإهانته الأرزة والعلم والجيش والرؤساء والشعب على حدٍ سواء. وقد اعتبر الاجتهاد أن جرم الذم يتحقّق نتيجة توافر ثلاثة عناصر، هي: وجود واقعة محددة جرى إسنادها الى شخص المجني - أي إلى باسل - وأن يكون من شأن هذا الإسناد المساس بشرف واعتبار المجني عليه - أي من أهانهم باسل - وأن يكون قد جرى الإفصاح عنها علناً، ولا بد من أن يكون الفاعل قد نسب في أية صيغة كلامية أو كتابية، أي الإشارة إلى التّدوينة "السّتاتس" التي كتبها الأمين على فيسبوك.
يعني أن العناصر الثّلاثة متوافرة، لكن العنصر الأخير غير واضح، خاصّةً أن الجهة المخوّلة المحاسبة غير معروفة، فأسندت المهمّة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، المنوطة به أصلاً متابعة جرائم السرقة الإلكترونية والتهديدات السيبرانية، لا الكتابات والمقالات. وعليه، يُنفّذ المكتب أوامر النيابة العامة، التي أمرت بتوقيف باسل الأمين، على أن يُحاكم ويُحدّد جُرمه، وفي حال ثبوت الجرم، يُعاقب تبعاً للمادة 209 من قانون العقوبات اللبناني، وقد تصل العقوبة لثلاثة أشهر مع غرامةٍ قدرها مئتا الف ليرة لبنانية، وتختلف العقوبة إذا وقع الذم على أحد أفراد السلطة العامة فتعاقب عليه المادة 386 بالحبس من شهرين إلى سنتين إذا وقع على رئيس الدولة، وبالحبس سنة على الأكثر إذا وجّه الى المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة، أو وجّه الى موظف ممن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته. وبالحبس ثلاثة أشهر على الأكثر أو بغرامة من 20 ألفاً الى 200 ألف ليرة إذا وقع على أي موظف آخر بسبب وظيفته أو صفته، أي أن الأمين مُهدّد قانوناً بالحبس سنتين.
حرية التعبير بين "التعبير" والإهانة
انتقاد السياسات الحكومية اللبنانية أمرٌ بديهي، مع رائحة الفساد التي تفوح مختلطةً برائحة النفايات، وعوادم المصانع المحسوبة على الطبقة السياسية، المرتهنة لجيوبها وللمحاور، فلا خدمات كهربائية، ولا مائية ولا وجود لنقلٍ عامٍ فعّال، ولا موازنة منذ 11 عاماً ولا مجالس ومؤسّسات، مُمدّد لا دستورياً لمن فيها. الشتائم تحضر تلقائياً تبعاً لهذه العوامل، شتائم مكفولة دستورياً، ما دامت لا تمس بالجوهر الوطني، فشتم الوطن يتعدّى حرية التعبير بحسب القانون، وشتم الوطن أصلاً بسبب سياسيه أو بعض إعلامييه غير منطقي، فالوطن الذي يحوي إعلامياً عنصرياً، يحوي ناشطاً رافضاً للعنصرية أيضاً، تجمعهما الهوية اللبنانية الواحدة. والاعتقاد الساري عند المدافعين عن مضمون كلام باسل الامين، بأن محاسبته تنمّ عن فكرٍ قمعي ديكتاتوري غير موجودٍ في البلدان الديمقراطية، غير صحيح، فإهانة الدولة هي فعل جرمي في كلٍ من إيطاليا وألمانيا وفرنسا وغيرها. فالمادّة 543 من القانون الجنائي الإسباني تنصّ على أن "الجرائم أو الاعتداءات اللفظية أو المكتوبة، أو ما يشابهها، والتي تطال الكيان الإسباني، والحكم الذاتي، أو رموزاً أو شعارات مرتبطة به، التي ارتكبت علناً، يعاقب عليها بالغرامة مع 7 إلى 12 أشهر"، أما المادة 90A من القانون الجنائي الألماني بعنوان "تشويه سمعة الدولة ورموزها" فينصّ على التالي: "أي شخص، في العلن، في اجتماع أو من خلال نشر كتابات، يعمد إلى الاستخفاف أو ازدراء ضار بالدّولة وإلى إهانة جمهورية ألمانيا الاتحادية أو إحدى دولها أو نظامها الدستوري والألوان، والعلم، وشعار النبالة أو النشيد في جمهورية ألمانيا الاتحادية أو واحدة من البلدان الأعضاء فيها، يُعاقب بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات أو بغرامة". وفي إيطاليا، ليس مسموحاً تشويه سمعة الجمهورية الإيطالية، أي المؤسسات الدستورية، والقوات المسلحة، وكذلك إهانة الأمة الإيطالية، فإن المواد 290-291 من القانون الجنائي الإيطالي تنصّ على عقوبة هي غرامة بين 1000 يورو و5000 يورو. أما القوانين البريطانية، فهي لا تعاقب على إهانة الدولة ورموزها مباشرةً، وإنما تجرم الكلام الجارح الفاضح. فقانون Communication Act 2003 مثلاً، في الفقرة 127، لا يمنع كل أنواع الكلام المزعج أو المستفز أو القبيح، وإنما يعاقب مطلق التصريحات الإلكترونية - بما فيها التغريد على تويتر والستاتوس على فاسبوك - التي تشكل إهاناتٍ صارخة (Grossly Offensive Statements) بغرامة أو حبس حتى الستة أشهر. لذلك، لا يمكن للشتائم أن تكون مدرجةً قانوناً تحت بند حرّية التّعبير، بل الإهانة تعتبر مسّاً بالجوهر الوطني، وبغضّ النّظر عن صوابية سجن باسل الأمين من عدمه، او أحقّية مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بممارسة دوره كضابطةٍ عدلية، فإن الأمثلة عالمياً كثيرة عن حالاتٍ مشابهة، والجدل محسومٌ قانوناً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين