من عباءة الإخوان المسلمين خرج، ومن عباءته خرج أسامة بن لادن. اشتهر بأنه الأب الروحي للجهاد، واغتيل في باكستان في ظروف غامضة في 24 نوفمبر 1989، ووجهت أصابع الاتهام لجهات عديدة، منها الاستخبارات الإسرائيلية والسوفياتية والأمريكية والباكستانية، وحكومة كابول والجهاديين الأفغان، وأيمن الظواهري. هو الشيخ الفلسطيني عبد الله عزام. فما هي حكايته؟
البدايات
تقول موسوعة الإخوان المسلمين إن عبد الله عزام ولد سنة 1941، في قرية سيلة الحارثية، في جنين بفلسطين في أسرة ريفية متدينة. تلقى علومه الابتدائية والإعدادية في مدرسة القرية، وبدأ دراسته الثانوية في مدرسة جنين الثانوية ولم يمكث فيها طويلاً، إذ قبل للدراسة في المدرسة الزراعية الثانوية في مدينة طولكرم، وحصل على شهادتها عام 1959. وكان عزام قد تعرف في جنين على الشيخ فريز جرار، وهو من أنشط الدعاة في تلك الفترة في تربية الشباب، وأكثرهم عقداً للندوات والمحاضرات في مركز جماعة الإخوان في جنين. أخذ عزام يكثر من زيارة مركز الجماعة، ويحضر الندوات واللقاءات ويكثر من الجلوس مع الشيخ فريز ويصحبه في أكثر جولاته. بعد حصوله على شهادة في الزراعة تم تعيينه معلماً. وفي تلك الفترة اطلع على كتب حسن البنا وعبد القادر عودة وسيد قطب. وتابع دراسته الجامعية في كلية الشريعة بجامعة دمشق، ونال منها شهادة الليسانس في الشريعة بتقدير جيد جداً سنة 1966. بعد سقوط الضفة الغربية وقطاع غزة في يد إسرائيل عام 1967، خرج عبد الله عزام مشياً مع غيره من أهل القرية إلى الأردن، فبدأت فكرة التدريب على السلاح للوقوف في وجه إسرائيل تلح عليه. حصل على الماجستير عام 1969، واشترك في تلك الفترة في عدة عمليات جهادية، أشهرها معركة الحزام الأخضر عام 1969، ومعركة 5 يونيو سنة 1970. عام 1971، ذهب عزام إلى مصر لتحصيل درجة الدكتوراه، وحصل عليها عام 1973. وفي مصر، وجد لنفسه مهمة أخرى، هي مد يد المساعدة لأسر المعتقلين من الإخوان، على الرغم من مضايقة المخابرات المصرية له. عندما عاد عبد الله عزام إلى الأردن، عمل مسؤولاً لقسم الإعلام بوزارة الأوقاف، ثم مدرساً وأستاذاً في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، لمدة 7 أعوام بين 1973 ـ 1980، وكان متميزاً بطريقته وأسلوبه في الدعوة. لذا كان الكثير من الشباب خارج الجامعة يحرصون على حضور محاضراته، وقد فصل البنات عن البنين خلالها. استطاع أن ينشر أفكاره في صفوف الطلبة والطالبات في مختلف كليات الجامعة. وعام 1981 سافر إلى السعودية للعمل في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، ثم طلب العمل في الجامعة الإسلامية في العاصمة الباكستانية ليكون قريباً من الجهاد الأفغاني.الأب الروحي
توجه عزام إلى مدينة بيشاور في شمال غرب باكستان عام 1982، وكانت نقطة تجمع لمقاومي الاتحاد السوفياتي آنذاك، وهناك التقى لاحقاً الشاب السعودي أسامة بن لادن. وعندما أسس عزام "مكتب الخدمات" لينظم حركة تدفق المتطوعين العرب، قام بن لادن بتمويله وتغطية جميع التكاليف. ثم نشر مجلة "الجهاد" الشهرية ذات الطباعة الفاخرة، التي تمجد الجهاد وتدعو الشباب للالتحاق والتطوع لقتال "الكفار"، وتندد بـ"الفظائع" التي ارتكبها السوفيات وتستجدي التبرعات لمساندة "المجاهدين". هكذا، أصبح عزام شخصية معروفة ومعتادة في شوارع بيشاور، وساحات القتال في أفغانستان. فكان يعتبر الأب الروحي للجهاديين الأجانب والأفغان والعرب.الجهاد والاغتيال
عام 1989 وبعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان، انقطع الدعم المالي الذي كان يصل للجهاديين، واختفى أيضاً العدو الأساسي الذي كان مبرر وجودهم. حينذاك اقترح عزام تحويل هدف الجهاد إلى القضية الفلسطينية، باعتباره من أصل فلسطيني، لكن مجموعة جديدة راديكالية من العرب، يقودها الطبيب المصري أيمن الظواهري، كانت تزداد قوة وتحاول تنظيم نفسها، في هيكل تنظيمي يسمح بمواصلة العمل الجهادي في أفغانستان. وهكذا بدا عزام، وهو مؤسس فكرة الجهاد وأستاذ بن لادن نفسه، بمثابة عقبة في طريق طموح الظواهري لتأسيس منظمة جهادية إسلامية يمولها بن لادن. وفي صيف 1989، عندما بدأت الحرب الأهلية بين فصائل الجهاديين الأفغان، مال أسامة بن لادن والظواهري إلى فكرة الاستمرار بشكل آخر، وهي الفكرة التي أفضت إلى تأسيس تنظيم القاعدة، وهو تنظيم هدف إلى "ضرب المصالح الأمريكية والغربية وتحطيم جدران الاضطهاد والإذلال بالقوة"، بحسب الفتوى التي خرج بها بن لادن لاحقاً عام 1996. أما عبد الله عزام، فانفجرت سيارته ومات اغتيالاً يوم 24 نوفمبر 1989 في بيشاور، تاركاً المجال مفتوحاً للظواهري وبن لادن لتطوير منظمة القاعدة. وفي بداية التسعينيات، بدأ العديد من "الأفغان العرب" العودة إلى ديارهم، ووجدوا منظمات محلية تستغل إمكانياتهم العسكرية مثل الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، التي قادت حرباً أهلية مسلحة أسفرت عن سقوط مئتي ألف ضحية بين سنتي 1991 و2002، أو الجمعية الإسلامية المقاتلة الليبية. وكان ذلك حسب خطة وسياسة بن لادن في انتشار وتوزيع أعضاء منظمته في جميع أنحاء العالم ليقوموا بتنفيذ برنامجه.أصابع الاتهام
كانت هناك خمس محاولات لاغتيال عبد الله عزام في الشهور القليلة التي سبقت مقتله. ولم يتم تحديد هوية منفذي الاغتيال حتى الآن، فهناك العديد من الاحتمالات حسب أحد الصحافيين الذين رافقوه. يقول الصحافي: "هناك المخابرات السوفياتية، والمخابرات الأفغانية المساندة للسوفيات لأن عبد الله عزام كان صاحب تأثير كبير في تنظيم الجهاد الأفغاني، وهناك أيضاً إسرائيل والموساد، لأنه ساهم في تأسيس حركة حماس، والحكومة الباكستانية بقيادة بينظير بوتو، التي يقال إنها علمت بتحريض عزام على سحب الثقة منها في البرلمان، وكان هناك الأمريكيون لأن عزام عارض طلبهم بعقد صلح بين الجهاديين والحكومة الأفغانية بعد انسحاب السوفيات". وحول موقف الأمريكيين منه في تلك الفترة، أذاع برنامج تحت المجهر بفضائية الجزيرة القطرية، في 27 فبراير 2003 قول عبد الله عزام: "طلبوا أن تغلق المعسكرات في أفغانستان وفي باكستان حتى لا يتسنى للشباب العربي بالذات أن يجد مكاناً يؤدي فيه فريضة العبادة وواجب الإعداد، لقد طلب اليهود من مؤتمر جنيف أن تغلق المعسكرات في باكستان". وإذا كان هناك من يشك في أن الأمريكيين وراء اغتياله، فإن البعض الآخر يشك في أيمن الظواهري، وهؤلاء يعتقدون أن الظواهري تخلص منه لأنه كان له تأثير كبير على بن لادن، وأن علمه الغزير والكاريزما الخاصة به كانا سيعدلان من راديكالية الظواهري. بينما نفى بن لادن هذا الاتهام في الحلقة نفسها من برنامج تحت المجهر، قائلاً: "اليهود كانوا أكثر المتضررين من تحرك الشيخ عبد الله، فالمعتقد أن إسرائيل مع بعض عملائها من العرب هم الذين قاموا باغتيال الشيخ، أما هذه التهمة فنعتقد أن من يروجها اليوم اليهود والأمريكان مع بعض عملائهم، ولكن هذه أدنى من أن ترد، يعني لا يعقل أن الإنسان يقطع رأسه، ومن عاشوا الساحة يعلمون مدى الصلة القوية بيني وبين الشيخ عبد الله عزام، والترهات يذكرها بعض الناس". كما رفض حذيفة نجل عبد الله عزام اتهام السوفيات، مؤكداً في الحلقة نفسها على ما قاله بن لادن: "من تولى قضية التحقيق هو نائب شرطة منطقة بيشاور، ويدعى العقيد إسكندرخان، وكان على اتصال دائم معنا، يعني كان يزورنا باستمرار ويطلعنا على الأمور أولاً بأول، وقد تحدث صراحة بأن الموساد الإسرائيلي يقف وراء هذه العملية، وأن جهاز الاستخبارات الروسي كان بعيداً كل البعد، لأن الروس كانوا قد انسحبوا وخرجوا من أفغانستان، ولو أرادوا أن يغتالوا والدي لاغتالوه في الفترات السابقة، التي كان يمارس فيها دوراً كبيراً في القضية الأفغانية وفي الجهاد الأفغاني". وكان دخول إسرائيل في دائرة الاتهام منطقياً، فبعد وقت قليل من الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وتأسيس حركة حماس، بدأ عزام بتجنيد شباب من فلسطين وتدريبهم في أفغانستان. ولكن هناك وجهة نظر أخرى في القضية، إذ بعد انسحاب السوفيات اشتبكت فصائل الجهاديين في حرب أهلية استمرت 5 سنوات، وأدت في النهاية إلى سيطرة طالبان على الوضع. وكان الأفغان العرب، ومن بينهم الظواهري، قد تحالفوا مع قلب الدين حكمتيار، وهو قائد بشتوني يلقى دعماً من المخابرات الباكستانية، بينما كان عزام قد تحالف مع منافس حكمتيار "أحمد شاه مسعود". وهو قائد طاجيكي كان يلقبه عزام ببطل الجهاد الجديد، الذي تم اغتياله بواسطة عملاء القاعدة قبل يومين من تفجيرات 11 سبتمبر 2001. وكان تعاون عبد الله عزام مع مسعود أغضب حكمتيار. وقال عبد الله عبد الله، مستشار مسعود ووزير خارجية أفغانستان في ما بعد: "أول شيء خطر ببالي بعد اغتيال عزام هو أن حكمتيار هو المنفذ". وأخيراً يطرح السؤال نفسه هل كان التاريخ سيتغير لو عاش عزام؟ صهر عزام، عبد الله أنس، يعتقد أن عزام كان سيواصل "رسالته لتحرير أراضي المسلمين". لقد دعا الناس إلى الجهاد في أفغانستان لأن السوفيات احتلوها، ولكن "ما ينسب للجهاد الآن في العراق وفلسطين، من قتل المدنيين والخطف والتفجيرات في الأماكن العامة، ليس هو الجهاد الذي كان يدعو إليه عزام".الجهاد
لعبد الله عزام العديد من الكتب التي تركز على فكرة الجهاد، منها "في الجهاد آداب وأحكام" ، و"التربية الجهادية والبناء"، و"آيات الرحمن في جهاد الأفغان". وفي كتاب "الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان"، اعتبر أن الجهاد ضد الاحتلال الأجنبي أمر واجب على جميع المسلمين، وفريضة مثل أركان الإٍسلام: الصلاة والصيام والزكاة. وبعد نشر الكتاب، تكوّن تيار فكري يؤيد هذه النظرية ويدعو لها. ويضيف عزام في الكتاب أن "حكم الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم، جهاد اليهود والصليبيين حيث وجدوا في بلادنا أو بلادهم مدنيين وعسكريين، محتلين واقتصاديين، مبشرين ودعاة كفر ودعارة وضلالة، بالسيف والسلاح، وإن حكم قتال وجهاد الحكام المرتدين الموالين لهم المدافعين عنهم الحامين لقواعدهم وتواجدهم فرض عين لوحده، وتبعاً لجهاد اليهود والنصارى، بالسيف والسلاح، وإن حكم مواجهة باطل المنافقين وحججهم بالحجة الحقة والكتاب والسنة وأدلة الدين واجب أيضاً ولا سيما على العلماء والدعاة الجهاديين”.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...