من أين تأتي اللهجات العربية المختلفة؟
الأحد 18 ديسمبر 201608:03 ص
ربما تبادرت إلى أذهان الكثير منا تساؤلات حول كيف أننا كدول عربية، يُفترض أننا نتحدث لغة واحدة، لا يفهم بعضنا على بعض. بل إن معاني مفرداتنا تختلف وتتضاد في بعض الأحيان. فكيف ومتى أصبح لكل دولة عربية لهجة تكاد تصبح لغة منفصلة؟
يصل الاختلاف بين ألسنة الدول العربية المختلفة، من مجرد تغير معنى اللفظ الواحد، إلى وجود مفردات كاملة للغة مصغرة، أو لنقل لهجة منفصلة، فنجد المصري يقول ماشي والعراقي يقول صار، والمغربي يقول واخ للتعبير عن الموافقة والمصري يقول أوي والجزائري يقول ياسر، والمغربي يقول بزاف والتونسي يقول برشا للتعبير عن الكثرة، وغيرها الكثير من الأمثلة.
ولا يقتصر الأمر على هذا الحد بل امتد إلى تنوع الألسن أو اللهجات داخل المجتمع الواحد. وقد وثّق الباحث السعودي سليمان الدرسوني في كتابه الإلكتروني "معجم اللهجات المحكية في المملكة العربية السعودية"، نحو 23 لهجة داخل المملكة وحدها، لكل منها خصائصها ومفرداتها المميزة. الأمر نفسه ينطبق على الدول العربية المختلفة. في مصر هناك اللهجة الريفية واللهجة الإسكندرانية، واللهجة الصعيدية، ويصل الأمر إلى اختلاف نطق الشعوب العربية المختلفة للغة الفصحى نفسها.
تطور اللغة
يقول د. أحمد فؤاد باشا، عضو مجمع اللغة العربية، لرصيف22: "قديماً كان هناك مستويان من اللغة العربية، اللغة الفصحى وهي أصل اللغة، وفيها الكثير من التقعر والصعوبة في المفردات، وتلك التي نظم بها شعراء الجاهلية أشعارهم، واستخدمت في أوقات محددة، وكانت علامة تنافس وتميز بين القبائل العربية. واللهجات المحكية، وهي أكثر ملائمة لمعطيات الحياة، وتعبر عن الأفراد ويتحدثونها في أنشطتهم الحياتية المختلفة، وهي بسيطة ويفهمها الجميع وتستخدم باستمرار في جدهم وهزلهم". ويضيف: "أصبح لدينا الآن مع تطور اللغة والزمن، مستوى ثالث وسطي بين اللغة الفصحى المقعرة التي اندثر الكثير من مفرداتها، واللهجة العامية أو المحكية، وهو مستوى اللغة الفصيحة، وتلك تتميز بسلامة مفرداتها مع البساطة والوضوح، وهي اللغة التي نظم بها شعراء كبار مثل أحمد شوقي وفاروق شوشة، أشعارهم".كيف نشأت اللهجات المختلفة؟
هناك نظريتان مختلفتان عن نشأة اللهجات العربية المختلفة، الأولى تبنتها دراسة مالانغ السابق ذكرها. وتعدد الدراسة أسباب تشعب اللهجات العربية المحكية في الوقت الحالي، فتقول إن ارتباط اللغة بالمجتمع، يجعلها تتأثر بما يمر به من ظروف اجتماعية وسياسية وجغرافية وحضارية، وتؤدي بنا إلى لهجات عدة. بالنسبة للعوامل السياسية، فرض الحكومة للغة رسمية للتعامل في المجالات الأساسية والتعاملات الرسمية، من أهم العوامل المؤثرة، فيلجأ الأفراد للهجة تعبّر عنهم يمارسون بها طقوس حياتهم اليومية. أما عن العوامل الاجتماعية، فهي بالأهمية نفسها، فالناس طبقات حرفية وأرستقراطية وتجارية وعلمية وطبيعي أن تختلف مفردات كل طبقة، والعوامل الجغرافية حاضرة بقوة أيضاً في تشكيل اللهجات، فنجد سكان المناطق الريفية، يختلفون في مفردات لهجتهم عن سكان المناطق الساحلية، وعن المناطق الصحراوية الصعبة وغيرها، كما تؤثر العوامل الحضارية، فثقافة الفرد تشكل عقله ووعيه وشخصيته، ومن الطبيعي أن تشكل لغته الخاصة بالقدر نفسه. هنا تختلف المفردات بالتبعية، كما قد تحدث ظروف طارئة تضطر الفرد لتغيير مفرداته، للحصول على قدر أكبر من التميز أو الخصوصية، كالفئات الدينية التي تعتبر أقلية أو اللصوص والمطاردين، وهنا نجد تشعباً لا يتوقف في اللهجات ولا يمكن حصره.سبق أن تساءلتم طبعاً عن أسباب اختلاق اللهجات بين الدول العربية... إليكم الجواب
هل يعود الاختلاف في اللهجات العربية إلى أننا بالأصل لم نكن عرباً، بل تعلمنا العربية لممارسة الدين بعد دخول الإسلام؟يعارض الباحث المصري إبراهيم أنيس تلك النظرية، ويقدم نظرية ثانية في كتابه "من أسرار اللغة" في طبعته السادسة، الصادرة عن مكتبة الأنجلو المصرية عام 1978. فقد اعتبر أن السبب في اختلاف اللهجات هو اختلاف الألسن، واللغات الأصلية لسكان الدول، التي أصبحت عربية حالياً. وقال إن اللغة العربية رحلت إلى المدن الكبيرة في العراق والشام ومصر، وغيرها الكثير من الجهات التي فتحها العرب بعد الإسلام. وقد حلت العربية محل اللغة الأصلية في كل قطر من هذه الأقطار. ففي العراق، حلت محل الآرامية والفارسية، وفي الشام قهرت الآرامية والسريانية، بل اليونانية أيضاً، وفي مصر هزمت القبطية وحلت محلها. ويتابع: "إذا سلمنا بصدق نظرية الطبقات فإننا نستطيع في سهولة ويسر أن نعلل تلك الفروق الصوتية، التي تميزت بها كل بيئة من هذه البيئات العربية، فالمصري عندما يسمع العراقي ينطق العربية حتى لو كان يتلو بعض آيات القرآن، يدرك لتوّه أنه عراقي أو على الأقل يدرك أن نطقه يخالف المألوف في البيئة المصرية، وكذلك الحال مع الشامي والمغربي". ويشكك أنيس في صحة النظرية الأولى قائلاً: "ليس من المقبول أو المعقول أن نتصور أن ذلك الخلاف الصوتي راجع إلى اختلاف القبائل لأن الأسانيد التاريخية، تبرهن على أن بعض القبائل ذات اللهجة الواحدة، أقامت في معظم تلك الجهات بمعنى أنه لم تختص قبيلة ما بقطر معين بعد غزوه، فلم تسكن مصر بعد الفتح العربي الإسلامي، قبيلة واحدة من قبائل شبه الجزيرة العربية".