ربما تكون أهداف الفضائيات الأجنبية الموجهة للمنطقة العربية واضحة، لكثير من المتابعين، باعتبارها إحدى أدوات الساسية الخارجية للدول التي أطلقتها، لكن تلك الفضائيات التي بلغت 17 قناة ناطقة بلغة الضاد، ما زال الجدل يثار حول حصاد عملها وحجم تأثيرها وجماهيريتها منذ انطلاق باكورتها في مطلع الألفية الثالثة.
وقد جاءت هذه الفضائيات كمرحلة لاحقة لما عرف منذ منتصف القرن الماضي بالمحطات الإذاعية الموجهة، وفي مقدمتها راديو لندن ومونتي كارلو وصوت أمريكا وغيرها، إذ لم يعد للأخيرة نفس التأثير والجاذبية في ظل فيضان المنطقة العربية بمئات الفضائيات المتنوعة والتي بلغت حتى عام 2014، نحو 1300 قناة.
وأكد العديد من الخبراء أن تلك الفضائيات التي طالما ارتدت ثوب الموضوعية والحيادية، كشفت عن وجهها بعد ثورات الربيع العربي فاتضح انحيازها إلى سياسات بلادها، ما أدى إلى انحسار تأثيرها وجماهيريتها.
في المقابل فان العديد من الدراسات خرجت بنتائج مختلفة حول تأثير وجماهيرية الفضائيات الأجنبية الموجهة للعرب، وأكدت عمق تأثيرها وخاصة لدى النخب والشباب، لكن ذلك التأثير وتلك الجماهيرية ليسا ثابتين بل تمثل منحنى يصعد ويهبط بحسب كل بلد عربي.
وتبقى لتلك الفضائيات سطوتها في أوقات الأزمات والحروب والاضطرابات، بل أنها ما زالت تحتل مراتب متقدمة من حيث عدد المشاهدين للقنوات الإخبارية وذلك بعد قناتي الجزيرة والعربية.
ومؤخراً، عمدت تلك الفضائيات إلى استغلال مواقع التواصل الاجتماعي من اجل مزيد من التأثير وجذب الجماهير العربية ونجحت إلى حد ما في زيادة عدد متابعيها على صفحات السوشال ميديا.
أهداف مختلفة
في مقالة نشرتها مجلة "اتحاد الإذاعات العربية" للأكاديمي التونسي الدكتور المنصف وناس أستاذ علم الاجتماع والاتصال، بعنوان "الفضائيات الموجهة إلى المنطقة العربية: قراءة مدخلية"، اعتبر الكاتب أن تلك الفضائيات ليست بريئة ولا محايدة وتروّج لمضامين وأطروحات وأفكار تلتقي بالضرورة مع مصالح دولها، للتأثير في العقول والنفوس والأذواق والتحكم في الوعي العام. وكشفت مجموعة دراسات نشرتها المجلة الفصلية نفسها أن قناة الحرة الأمريكية التي أطلقت عام 2004 ركزت في خطابها الإعلامي على حملة دعائية ضخمة للترويج للنموذج الأمريكي في المنطقة ونشر مفاهيم الديمقراطية والمجتمع المدني وقضايا المرأة والدفاع عن إسرائيل، مركزة في الوقت نفسه على الشؤون العراقية. أما البي بي سي العربية فسعت برامجها للتطرق إلى موضوعات غير تقليدية على الساحة العربية واختراق المحظورات المتعلقة بالدين والجنس والسياسة، وخلصت دراسة أجرتها الباحثة بثينة حمدان عام 2010 عن تغطية البي بي سي للقضية الفلسطينية إلى عدم موضوعيتها. فيما تركز قناة العالم الإيرانية على مفهوم الأمة الإسلامية في مقابل الوطن العربي، وقضية القدس، واندفعت مؤخراً نحو الشأنين السوري والعراقي. أما دويتشه فيله الألمانية فتركز دائماً على الترويج للتجربة الألمانية بين النخب والشباب العرب.النخب والشباب
تناولت العديد من الدراسات تأثير تلك الفضائيات على النخب والإعلاميين والشباب، فأكدت أطروحة دكتوراه بعنوان "دور القنوات الأجنبية الموجهة باللغة العربية في ترتيب أجندة النخبة نحو القضايا العربية" أعدتها جامعة عين شمس المصرية، بالتطبيق على قناتي الحرة والبي بي سي العربية، اتفاق أجندة النخبة المصرية تجاه القضايا العربية مع أجندة القناتين. وكشفت دراسة أعدتها جامعة اليرموك الأردنية عن "اتجاهات الإعلاميين الأردنيين نحو الفضائيات الأجنبية الموجة للوطن العربي"، عام 2014، أن 71.2% من الإعلاميين الأردنيين يشاهدون تلك القنوات، ويثقون في مصداقيتها، وان قناة روسيا اليوم هي الأكثر تفضيلاً لديهم. فيما أوضحت دراسة أجرتها جامعة بترا الأردنية عام 2014 عن دور قناتي الحرة وبي بي سي الناطقتين بالعربية في إثارة الوعي السياسي لدى طلبة الجامعات الأردنية والإماراتية أن 73.6% من الطلاب يتابعون بي بي سي فيما يتابع الحرة 62% منهم. وبيّنت الدراسة أن الشباب الجامعيين يثقون أكثر في التغطية الإعلامية للبي بي سي مقارنة بالحرة وذلك بنسبة 75% في مقابل 55% للأخيرة. كما أكدت دراسة ميدانية بجامعة بغداد، عام 2008، أن 46% من الطلاب الجامعيين يعتمدون على قناة الحرة في متابعة الشأن العراقي، ثم قناة العربية 30% وأخيراً جاءت قناة الجزيرة بالمرتبة الثالثة بنسبة 24%، وأشارت الدراسة إلى أن الطلاب رأوا أن الحرة تمثل القناة الأمريكية الساعية إلى الإضاءة على القضايا الإيجابية بشأن ما يجري بالعراق، فيما تمثل قناة الجزيرة الأساس للصورة السلبية.تأثير محدود
أوضحت الدكتورة هويدا مصطفى، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، لرصيف22، أن تلك الفضائيات تعد إحدى الأدوات السياسية الخارجية والدبلوماسية الشعبية وإحدى وسائل القوة الناعمة للدول التي أطلقتها، مثل الإذاعات الموجهة التي كل لها صدى واسع في الوطن العربي، إذ كان المواطنون يلجأون إليها لمعرفة أخبار بلادهم في ظل التغطية المحدودة من قبل الإعلام المحلي للشؤون الداخلية والتعتيم على بعض الأحداث، وكان هناك اعتقاد لدى الجماهير العربية بأن الإذاعات الأجنبية الناطقة بالعربية تلتزم الحياد والموضوعية.17 فضائية أجنبية تتكلم اللغة العربية... ما هي أهدافها وهل تنجح في تحقيقها؟لكن الوضع تغير حالياً في ظل تنوّع منابر الإعلام العربي وتعدد وسائله وقنواته، واكتشاف الجمهور أن تلك القنوات لم تكن محايدة، ومن ثم أصبح تأثير تلك الفضائيات محدوداً. وخلصت نتائج كثير من الدراسات إلى ارتباط أجندة تلك القنوات بالسياسة الخارجية للدول التي تبث منها، وهو أمر أصبح معروفاً لدى الجمهور، ولعل ذلك ما تسبب بفشل التجربة الأمريكية في تقديم حزمة من وسائل الإعلام الناطقة بالعربية لمخاطبة الشباب كانت في مقدمتها راديو سوا وقناة الحرة. فبالرغم من الميزانية الضخمة التي رصدتها واشنطن للحرة وأخواتها فإنها فشلت في جذب الشباب وبقي تأثيرها محدوداً للغاية. وتخلص د. مصطفى إلى أن الثورات العربية كانت عاملاً هاماً في زيادة وعي الجماهير بأهداف تلك الفضائيات وعدم حياديتها وانصرافهم عنها، لكن يبقى لتلك القنوات تأثير لدى النخب التي تحرص على متابعتها وفق رؤية تحليلية ونقدية.
أوقات الأزمات
واعتبر الدكتور حسن عماد مكاوي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن الجماهير العربية لم تعد تلجأ لتلك الفضائيات سوى في أوقات الأزمات والاضطرابات والحروب من أجل الاطلاع على مختلف وجهات النظر. فالحرة على سبيل المثال كان لها تأثير واسع في العراق في ذروة الاضطرابات التي عاشتها البلاد، أما الآن فإن العراق لديه أكثر من 200 قناة فضائية تعبّر عن مختلف الأطياف. ونجحت مئات القنوات العربية المتنوعة في ملء الفراغ الذي كان الإعلام الموجه يشغله، والجمهور بطبيعة الحال يتابع مضمون الوسيلة الإعلامية التي تتفق مع توجهاته واهتماماته، كما أن تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات أتاحت لجميع الجماهير إمكانية الحصول على أية معلومة. لكن الأكاديمي المتخصص في الإعلام المرئي يرى أن تلك الفضائيات لها تأثير على النخب العربية التي تحرص على متابعتها وقد تتأثر بها، ومن ثم تؤثر تلك النخب في الجماهير، مما يدفعنا إلى الإقرار بإمكانية تأثير تلك القنوات بشكل غير مباشر وعلى المدى البعيد على العرب. وأشار مكاوي إلى إيجابية في الفضائيات الأجنبية تتمثل في تقديمها برامج جادة ومفيدة بعيدة عن الغيبيات التي تمتلئ بها الفضائيات العربية.مخاطر التأثير؟
يعتبر الدكتور محمود يوسف، أستاذ العلاقات العامة بجامعة القاهرة، بأن الفضائيات الموجهة "استعمار إعلامي"، وتمارس دعاية دولية بنوع من الذكاء والاحترافية والمهنية وليس بالشكل الفج الموجود في الإعلام العربي، وتتبع أساليب وتكتيكات يصعب على غير المتخصص في الإعلام أن يستوعبها، فمثلاً هي تعرض الرأي والرأي الآخر، ولكنها تبتعد عن آراء المعارضة العقلانية المعتدلة وتلجأ إلى إبراز الآراء المتطرفة، كما تعمد إلى المبالغة، وإلى أسلوب التجاهل المتعمد لحقائق بعينها لا تخدم مصالحها والتركيز على معالجة جزئيات بعينها. ويشير أستاذ العلاقات العامة أن تلك الفضائيات تحقق أهدافها التي انطلقت من اجلها، بدليل استمرارها والتوسع فيها، لافتاً إلى أن الغرب يملك عقلية نفعية ولا يمكن أن يطلق تلك الفضائيات بميزانيات ضخمة ويستمر في ذلك دون تحقيق أهداف تخدم مصالحه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ 3 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ اسبوعينتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه