شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
السيسي كاريكاتور لعبد الناصر

السيسي كاريكاتور لعبد الناصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 27 أكتوبر 201602:55 ص

افتتاح مشروع تنمية قناة السويس أعاد إطلاق المقارنات بين الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي وبين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، صاحب المشاريع التنموية الكبرى. لكن، على الرغم من بعض أوجه الشبه بين الزعيمين، فإن طريقة تفكير السيسي بعيدة جداً عن طريقة تفكير "أبو الغلابة".

بعد أحداث 3 يوليو، شاعت المقارنات بين الرئيسين وبلغت الظاهرة مداها الأقصى مع نزول المصريين إلى الشوارع حاملين صور السيسي إلى جانب صور عبد الناصر. "إن مصر بعد أن فقدت عبد الناصر كانت تبحث عن زعيم ولم تجده، والقدر هو الذي دفعنا في "حركة تمرّد" للثورة على نظام الإخوان، كي يخرج من أرض مصر زعيم نراه الأنسب والأوحد لرئاسة مصر وهو الفريق عبدالفتاح السيسي"، قال محمود بدر، أحد مؤسسي "حركة تمرّد".

أما الرئيس نفسه، فكان أكثر تواضعاً برغم وضوح فرحه بهذه المقارنات. "عندما يذكر أحد اسمي بجانب اسم الزعيم عبد الناصر أقول دائماً يا رب أكون على قدر هذه الثقة"، قال. بعد افتتاح السيسي مشروع قناة السويس الجديد قبل يومين، أشار المهندس عبد الحكيم عبد الناصر، نجل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، إلى أن السيسي، بافتتاحه المشروع، أكد قرار التأميم.

المقارنات لم تأت من فراغ. كلا الرئيسين عمل على خلق مجتمع أمني في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وكلاهما نظر إلى قضايا الحريات كقضايا ثانوية يمكن التضحية بها في سبيل "عظمة مصر".

سياسات السيسي في هذه المجالات تستعيد، إلى حد بعيد، سياسات عبد الناصر التي أنشات ديكتاتورية تذوب فيها الجماهير. ولكن ديكتاتورية السيسي ليست سوى نسخة كاريكاتورية، فارغة من المضمون، عن ديكتاتورية عبد الناصر.

الرؤية الاقتصادية للسيسي

على الرغم من الاحتفالية الكبرى، فإن مشروع تنمية قناة السويس لا يزال غير واضح المعالم بشكل كامل. التسرّع في إطلاقه قبل شرح التفاصيل المتعلّقة به كمشروع القانون الذي ينظمه وآلية تمويله والدراسات التي أنجزت حوله يدلّ على أن السيسي بحاجة إلى إظهار نفسه كرجل مشاريع كبيرة.

إن "المصريين لديهم حساسية من أن يكون تمويل المشروع عبر مصارف أجنبية ومستثمرين أجانب، لذلك إن التمويل سيكون من قبل المصريين أنفسهم". كيف سيتم ذلك؟ "إحنا في حاجة إلى 500 مليون سهم لهذا المشروع بما يعادل 100 جنيه للسهم و100 دولار للسهم للمصريين في الخارج، ممكن نعمل سهم 10 جنيه للشباب والبنات في الجامعات حتى يكون كل شخص له نصيب في المساهمة في هذا المشروع".

بهذه البساطة شرح السيسي آلية تمويل مشروع تتعدى تكلفته 4 مليارات دولار. هذه البساطة التي تقترب من السذاجة لا تذكّر إلّا بخطابه، مرتدياً بزّته العسكرية، حين قال "يا ترى أنا إديت للبلد دي إيه؟". وليزيد الطين بلّة وليكشف ضعف التخطيط، توجّه الرئيس المصري، بعد لحظات من إعلان رئيس هيئة قناة السويس مهاب مميش أن إنجاز المشروع يقتضي 3 سنوات، إلى رئيس هيئة أركان القوات المسلحة بالقول: "حضرتك مسؤول أمام المصريين بإنهاء المشروع خلال سنة، إزاي؟ معرفش".

يعشق السيسي الحديث عن المشاريع الضخمة دون إيضاح كيفية تمويلها. بعد ترشحه إلى الرئاسة، تحدّث في حوار تلفزيوني عن إنشاء 22 مدينة للصناعات التعدينية في الظهير الصحراوي لسيناء، و8 مطارات جديدة لتسهيل حركة التنقل إلى المدن الجديدة، وعن خطط لتوسيع جغرافيا العاصمة بحيث تصل فى مرحلة لاحقة إلى ميناء السخنة للتقليل من التكدس السكاني والاختناق المروري بالقاهرة، وعن تطوير شبكة ري لأراضي الدلتا سيوفّر 10 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً وسيساعد في استصلاح 4 ملايين فدان.

عندما تطرّق إلى حلّ مشكلة البطالة، طرح "حلاً سحرياً" يتمثل بتوزيع 1000 سيارة على الشباب لكي ينقلوا بواسطتها الخضر من سوق العبور إلى المناطق التي تشهد أزمات حيث يقومون ببيعها بسعر الجملة. في مناسبة أخرى، دعا إلى حل أزمة الكهرباء عبر استخدام المواطنين اللمبات الموفرة للطاقة. وأثناء مشاركته في سباق دراجات هوائية، قال للمشاركين: "حضرتك لو راكب عربية (سيارة) هتدفع تقريباً 4 جنيه في الـ20 (أو) 25 كيلو (متر) دول (مسافة الماراثون) ومصر هتدفع 8 جنيه في الـ20 كيلو (متر) دول. يعني أنا لو اتمشيت، إن كنت اقدر، أو لقيت وسيلة زي كده (دراجة) يبقى أنا في اليوم اللي هعمل فيه ده هدي مصر 16 جنيه" وأضاف: "طيب لما يكون فيه معايا 3000 بيعملوا كده يبقي في اليوم بكام؟ أنا قلت على مشوار واحد مش كل المشاوير. أيوا، مش هتتبني بلدنا غير كده".

"أبو الغلابة" والعدالة الاجتماعية

على العكس من السيسي، صاحب الأقاويل الاقتصادية الغريبة العجيبة، ترك عبد الناصر وراءه تجربة اقتصادية ثرية جداً انطلقت من مفهوم العدالة الاجتماعية ما جعل المصريين يسمّونه "أبو الغلابة". حين وصل إلى السلطة، عام 1952، كانت مصر دولة متخلفة اقتصادياً تعتمد بشكل أساسي على زراعة القطن وكان الأجانب يسيطرون على الاقتصاد الوطني وعلى "شركة قناة السويس" التي كانت توصف بأنها دولة داخل الدولة. "كان الاقتصاد المصري كبقرة ترعى في أرض مصر، ولكن ضروعها كانت كلها تحلب خارج مصر"، بحسب التوصيف الشهير الذي أطلقه الاقتصادي عبد الجليل العمري.

بعد أقل من شهرين على ثورة الضباط الأحرار صدر قانون الإصلاح الزراعي الأول معيّناً الحدّ الأقصى للملكية الزراعية بـ200 فدان للفرد وموزّعاً الأراضي الزائدة على صغار الفلاحين. ثم صدر قانون الإصلاح الزراعي الثاني، عام 1961، مخفّضاً الحدّ الأقصى لملكية الفرد إلى 100 فدان. وعام 1969، صدر قانون الإصلاح الزراعي الثالث وجعل الحد الأقصى لملكية الفرد 50 فداناً، ولكنه لم يجد الوقت لتطبيقه. خلال سنوات حكم عبد الناصر، تم توزيع 989,184 ألف فدان على الفلاحين منها 775,018 ألف فدان تم الاستيلاء عليها وفقاً لقوانين الإصلاح الزراعي وقد استفادت من هذا التوزيع 325,670 ألف أسرة. قامت الدولة، عبر الجمعيات الزراعية، بتخطيط اشتراكي شامل للزراعة فحددت أنواع المحاصيل وقدمت للفلاحين البذور والمبيدات والأسمدة واشترت منهم المحاصيل.

عام 1956، أمّم عبد الناصر قناة السويس ثم أطلق عملية التمصير، أي قيام رأس المال المحلي بالحصول على حصص الأجانب في ملكية بعض البنوك وشركات التأمين والشركات الأخرى، وخاصة البريطانية والفرنسية. وبين عامي 1960 و1963، انطلقت عملية تأميم واسعة شملت البنوك وشركات التأمين والصناعات الكبيرة وشركات النقل والتجارة والمقاولات والخدمات. أما أهم إنجازات عهد عبد الناصر فكان دون شك إنشاء السدّ العالي الذي ساعد على استصلاح حوالي مليوني فدان من الأراضي كما استخدم لتوليد الطاقة. حققت مصر اكتفاء غذائياً في كل المواد ما عدا القمح حيث بقيت تستورد 20% من حاجتها.

من ناحية ثانية، اهتم عبد الناصر بتطوير الصناعة الوطنية فنشأت صناعات ثقيلة كصناعات الحديد الصلب ومصانع إطارات السيارات ومصانع عربات السكك الحديدية ومصانع الكابلات الكهربائية. تم إنشاء حوالى 1200 مصنع. قرار تحديد الملكية الزراعية ساعد على دفع كبار الملاك إلى توجيه جزء من أموالهم للصناعة. من قطاع هامشي، وصلت الصناعة المصرية إلى قطاع أساسي يوفر فرص عمل كثيرة ويساهم بـ22% من الدخل القومي.

في عهد عبد الناصر، حققت مصر نمواً يقترب من 7% سنوياً، أُقرّت مجانية التعليم في جميع المراحل فانخفضت نسبة الأمية من 80% قبل 1952 إلى 50% عام 1970. وللحدّ من التفاوت الاجتماعي، تم تعيين حد أدنى وحد أعلى للأجور كما جرى تبنّي سياسات تساعد على إعادة توزيع الثروة كالضريبة التصاعدية والتأمينات الاجتماعية. حدث التوسّع في دعم أسعار السلع الغذائية فشمل إلى الخبز، اللحوم والدواجن والأسماك المجمدة والدقيق والسكر والشاي وزيت الطعام والكيروسين والصابون والأرز والعدس والفول والحلاوة الطحينية. كان عبد الناصر يعرف ماذا يريد ويبني علاقاته الدولية على هذا الأساس. عندما رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي، لجأ إلى الاتحاد السوفياتي.

الفرق الكبير بين السيسي وبين عبد الناصر يمكن تلخيصه بدعوة الأول المصريين الفقراء إلى التقشف وعمل الثاني على رفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة. منذ 1952 حتى الآن اختلفت الظروف الدولية كثيراً ولكن، على الرغم من ذلك، نحن أمام رجلين أحدهما يخطط ويبني علاقاته مع العالم بطريقة تسمح له بتنفيذ خططه. أما الثاني فهو يكثر من الكلام ولا يعرف سبيلاً إلى تنفيذ مشاريعه سوى طلب الدعم الخارجي من ملوك وأمراء الخليج داعياً الله إلى حماية دولهم من "أهل الشر".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image