أن تكون المنطقة العربية غارقة بحروبها ودمائها، ويأتيها من يتكلّم عن الاحتباس الحراري، فكمن يعطي شخصاً غارقاً بالطوفان مظلّة ليحتمي بها من المطر. فعندما تكون على مرمى حجر من عدّو متطرف أو من قنبلة غادرة، أو تكون محاصراً، أو جائعاً، أو خائفاً، فبماذا يهمك خبر اجتماع العالم للدعوة إلى خفض حرارة الأرض بدرجتين مئويتين، وإعادتها إلى سابق حرارتها قبل الثورة الصناعية؟
على عدة أصعدة، يصبح الكلام في ارتفاع حرارة الأرض ترفاً وفي بدء ذوبان القطب المتجمّد الشمالي هذياناً، لكن هل يمكن تجاهله بشكل تام؟ عند الدخول في تفاصيل هذه المشكلة المتفاقمة، قد لا يبدو الأمر بهذه البساطة. تكفي مشاهد الرعب في أحداث فيلم "نهاية العالم" (على ما فيها من مبالغة هوليوودية) لنأخذ فكرة عن شكل النهاية المرتقبة.
يؤكد خبراء الطقس أن الاحتباس الحراري سيقود الأرض إلى الفناء، بينما حذّر تقرير للأمم المتحدة أن 122 مليون شخصاً مهددون بالعيش في فقر مدقع وجوع وعطش مع حلول العام 2030، بسبب التغيّرات المناخيّة التي ستؤثر على الزراعة والمياه والحياة اليوميّة.
ما أضافه التقرير في هذا الإطار أيضاً، هو أن سوء تعامل البشر مع الطبيعة سيجعل إنتاج الغذاء مستحيلاً في أماكن واسعة من العالم، كما ستستمر أسعار المواد الغذائية بالتقلّب والارتفاع بشكل كارثي. أما الأسلحة الكيميائية والقنابل المستخدمة، فتأثيرها على ارتفاع الحرارة وتلوث المناخ لا يمكن الاستهانة به.
قمة مراكش وأوسكار ليوناردو
بعد سنوات من الصراع، منذ مؤتمر ستوكهولم الذي كان أول مؤتمر دولي يناقش القضية في العام 1972، احتفل المعنيون يوم الجمعة الماضي بتفعيل اتفاق باريس لمواجهة التغيّر المناخي، الذي وقعت عليه 192 دولة العام الماضي بينها 100 دولة صادقت عليه. هكذا أصبح "المستحيل ممكناً"، بحسب ما قالت وزيرة الطاقة الفرنسية ورئيسة قمة المناخ الماضية (21) في باريس سيغولين رويال، وذلك في افتتاح القمة 22 في مراكش المغربيّة يوم أمس. آثار التغيّر المناخي تشمل "الحضارة والتنمية الاقتصادية"، هذا ما قاله رئيس القمة الحالي صلاح الدين مزوار، في معرض دعوته العالم ليكون "أكثر طموحاً" متخطياً مصالحه الاقتصادية. في وقت تهدف القمة إلى إعداد خارطة طريق عالمية تضع آليات لمساعدة الدول النامية لتلحق بركب البلدان المتقدمة في مجال الحفاظ على البيئة. صرفت المملكة المغربيّة أموالاً طائلة لإنجاح قمة (كوب 22) التي تستمرّ حتى الثامن عشر من الشهر الحالي، وتستضيف ضمن فعالياتها حوالي 20 ألف مشارك منهم ممثلو بلدان القارات الخمس، والفاعلون والمهتمون بالقضية وبينهم فنانون وموسيقيون ورياضيون لعبوا دوراً في تسليط الضوء على "أخطر القضايا التي تهدّد البشريّة". من بين الضيوف الذين يتوقع المنظمون أن يعطوا للقمة زخماً الممثل الأميركي ليوناردو دي كابريو الذي سبق وشارك في مناسبات وأفلام عديدة للتحذير من الخطر القادم، بينما يشكل المؤتمر فرصة سانحة له لعرض فيلمه الوثائقي حول تغير المناخ "قبل أن يأتي الطوفان". يُذكر أن دي كابريو كان قد خصّص كلمته خلال الفوز بجائزة الأوسكار عن فيلمه "العائد" لدعم هذه القضية أيضاً. ومن بين المشاركين الفنان أرنولد شوارزينغر، والفنان ريدفور ريدفورد، الذي سبق له أن قام بأنشطة مكثفة برفقة جمعيات مدافعة عن البيئة، والمغنّي الإيرلندي بونو والفنان الأميركي ذي الأصل السينغالي إيكن والنجم الرياضي دييغو مارادونا الذين شاركوا في زيادة الوعي بشأن هذه القضيّة. كما أعدّت الفنانة المغربية أسماء لمنور أغنية خاصة بالمؤتمر بعنوان "حان وقت التغيير".فيضانات وسرطانات وأوبئة... وأكثر
يرى المعنيّون بهذه القضية التي تُعدّ "مملّة" أو "ثانوية" برأي كثر، أن إشراك الوجوه المشهورة والمحببة هو عنصر دفع باتجاه وعي أكبر، في وقت ينتقد مغربيّون وعرب "هدر مبالغ طائلة" لاستضافة القمة، وهي مبالغ يمكن صرفها في شؤون أكثر أهميّة. غير أن توصيف الـ"أكثر أهميّة" يبقى فضفاضاً. يدرك كثر أن القمم والمؤتمرات تشكّل باباً واسعاً للفساد والسرقة والهدر، لكن ذلك لا يعني الانتقاص من أهميّة المناسبة. وإن كان تأثير ذوبان القطب ليس بتلك المباشرة على المنطقة العربيّة، إلا أن ارتفاع حرارة الأرض وسط التلوث والحروب والفقر الغارقة فيه لا تُحمد عقباه. ارتفعت حرارة الأرض في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الضعفين منذ العام 1970، بحسب دراسة لمعهد "ماكس بلانكس" الألماني. وستستمر الحرارة في التزايد في منتصف القرن الحالي، لتصل في نهايته إلى 50 درجة مئوية، ما سيجعل الكثير من المناطق غير صالحة للسكن ويزيد من عدد "اللاجئين البيئيين" بشكل كبير. بحسب الدراسة، ومع استمرار بعث العالم لغاز ثاني أوكسيد الكربون إلى الأجواء كما الحال الآن، سيرتفع عدد الأيام الحارة جداً من 18 يوماً كما كان الوضع بين عامي 1985 و2005 إلى 80 يوماً في منتصف القرن، وصولاً إلى 118 يوماً في آخره. كما سيؤدي التلوث مع ارتفاع الحرارة إلى زيادة الأمراض، وبينها السرطان الذي ستتعدّد أشكاله، وازدياد نسبة الوفيات بين كبار السنّ والأطفال. منذ الثورة الصناعية والعلمية التي شهدتها كل من الولايات المتحدة وأوروبا، ثم التركيز على استخدام الوقود الأحفوري والطاقة الملوثة، مروراً بقطع الأشجار الاستوائية وجشع الشركات الصناعية، وصولاً إلى الممارسات الفردية وانعدام الثقافة البيئية. تتضافر الأسباب التي تقود العالم إلى الهاوية، أما التداعيات فلا تُحصى, بين موت وتشريد وخسائر اقتصادية. تتحدث الدراسات عن ازدياد الفيضانات والأعاصير التي تهدد مناطق كثيرة كبنغلادش وهامبورغ والبصرة بالغرق، وتحذر من ازدياد حرائق الغابات كما بدأ يحصل في تركيا واليونان ولبنان والبرتغال وغيرها. ثم تنتقل للتنبيه إلى مخاطر توسع موجات الجفاف والتصحر والعطش في المناطق الاستوائية الجافة، وبعدها الانتقال التدريجي للحشرات وما تنقله من أوبئة تحصد آلاف الأرواح، وانتشار الملاريا، إضافة إلى تفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب كما في فلسطين والهند ولبنان والأردن وما قد تسببه من حروب محتملة بين البلدان لامتلاك مجاري المياه. يُضاف إلى ما سبق، انقراض عدد من الحيوانات والحشرات، وما سيجرّه ذلك من اختلال في النظام البيئي.ترامب يهدّد الجميع، حتى المناخ
احتلت إمكانية وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى الرئاسة حيّزاً من النقاش في قمة المناخ. لماذا؟ لأن ترامب كان قد عبّر مراراً عن انسحاب بلاده من الاتفاقية في حال الفوز بالرئاسة. برأي ترامب، إن قضية التغيّر المناخي "خدعة"، وستضرّ بمصالح الشركات الأمريكية. وإن كان ترامب قد عبّر عن هواجسه صراحة، فالكثير من كبار الشركات وأصحاب النفوذ يشاركونه مخاوفه سراً، بينما يرون أن التزامهم بتوصيات اتفاقية باريس ستقلّص من أرباحهم. هذه النقطة ليست العائق الوحيد أمام قمة مراكش. بحسب تقرير لـ"مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، تقع على عاتق الدول المتقدمة مسؤولية تأمين مئة مليار دولار تمنحها للدول النامية بحلول العام 2020. لكن ليس من الواضح ما يعنيه هذا الاتفاق تحديداً. ومن المفترض أن تبحث القمة في ما إذا تمّ جمع هذه الأموال، وأن تجيب عن أسئلة شائكة على شاكلة من سيدفع وكم، وكيف سيتمّ استخدام تلك الأموال. ومن القضايا التي تثير الجدل كذلك، تلك المتعلقة بالخسائر، فضلاً عن مسألة التعويضات بشأن الآثار طويلة المدى للتغير المناخي. من جهتها، ترى الدول النامية أن ذلك هو التزام أخلاقي تتحمله الدول الغنية، بينما تتعاطى الأخيرة بحذر شديد من فكرة المسؤولية القانونية عليها بسبب الأضرار التي نتجت عن انبعاثاتها الغازية المسببة للاحتباس الحراري. ثمة عوائق كثيرة تحيط بهذه القضية الشائكة، تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية والنفطية، بينما يبقى لقمم مماثلة تأثير إيجابي في تعزيز الوعي ومحاولة إيجاد حلول، فضلاً عن إتاحتها عقد اتفاقيات ثنائية. لكن هل يعدّ ذلك كافياً؟ بالتأكيد لا. والسؤال الأهم: هل يبقى العالم غارقاً في التضليل الإعلامي وجشع الشركات العملاقة وجنون الحروب الطاحنة، والأرض تحث خطاها سريعاً نحو الهاوية؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...