في سوق باب اللوق، أحد أسواق القاهرة القديمة، التفّت مجموعة من النساء حول بائع الخضروات، ورحن يتحدثن بغضب عن معاناتهن من ارتفاع الأسعار، الذي بات القاسم المشترك بينهن. لكن خوفهن من يوم 11 فرض نفسه على الحديث. "ربنا يستر بس والبلد متولعش يوم 11"، تقول زينب (ربة منزل) بقلق بالغ. فيجيبها البائع: "ومين سمعك يا حاجة، احنا مش ناقصين". أما وداد (موظفه على المعاش)، فبالرغم من غضبها من ارتفاع الأسعار، الذي حوّل حياتها إلى "مرار طافح"، على حد تعبيرها، ترى أن الغلاء وضنك المعيشة، أرحم ألف مرة من أن "نتحول إلى سوريا أو عراق آخر".
11 نوفمبر، ثورة فقراء؟
فجأة، وبدون سابق إنذار، تحوّل يوم 11-11 إلى فقرة ثابتة في غالبية برامج التوك شو، التي يمكن اعتبارها موالية للنظام السياسي المصري. الكل يتحدث عن الدعوات للتظاهر في ذلك اليوم، وكيف أن يوم 11 نوفمبر يشكل خطراً حقيقياً على البلد التي من الوارد أن تتحول إلى "دولة مستباحة مثل سوريا". كما حذر المذيع عمرو أديب بلغة متهكمة: أما المذيع أحمد موسى، الذي يعبر بشكل صريح عن دعمه للنظام المصري، فأشار إلى أن ذلك اليوم تقف وراءه جهات أجنبية وخونة يهدفون إلى تركيع مصر، وتدميرها، داعياً محبي الوطن للحشد خلف هاشتاغ #لا_للفوضى_يوم_11/11، ومناشداً المخلصين "فضح هؤلاء العملاء الممولين من الخارج لتدمير مصر". واتخد وائل الأبراشي، المذيع الأكثر مشاهدة في مصر، خطوة أبعد من مجرد التحذير، إذ تنبأ بما سيحدث يوم 11-11، مؤكداً أن الناس ستتصدى لتلك الدعوات، وأن الشعب رغم الأزمات، ما زال خلف بلاده، وخلف مؤسسات الدولة، داعماً ومؤيداً. الإخوان المسلمون وراء ذلك اليوم. و11-11 تعني 4، أي رابعة، وهو شعار الإخوان كما تعلمون! هكذا فسر تامر أمين دلالة اليوم، مؤكداً أن الإخوان هم وراءه، مضيفاً أن المصريين لن يسمحوا لهم بتدمير البلد، أو زعزعة الاستقرار. وأكد تامر أنه على ثقة أن اليوم سيمر بسلام، وستفشل المؤامرة. باختصار، تحدثت كل المنابر الإعلامية الموالية للنظام عن الدعوات للتظاهر يوم 11-11. لكن المدهش أنه حرفياً، "لا توجد دعوات" للتظاهر. فعند البحث في صفحات التواصل الاجتماعي عن من أطلق دعوات التظاهر أو نظمها، نكتشف أنه لا يوجد أحد. لا صفحات لا دعوات… ولا شيء. خالد عبدالحميد، عضو "ائتلاف شباب الثورة"، وأحد أبرز وجوه 25 يناير، قال لرصيف 22: "لم أسمع عن مجموعة دعت لهذا اليوم، ولا أعرف أحداً نظم أي فعاليات". وبسؤاله أليس غريباً أن يكون كل هذا الحديث عن دعوات لم تنطلق أصلاً؟ يجيب عبدالحميد: "بالطبع ذلك يبدو مريباً بالنسبة لي. ولكن بعيداً عمن الداعي، في حال وجود داعٍ أصلاً، المهم بالنسبة إلي هو أن هذا اليوم كشف عن غضب حقيقي لدى قطاعات واسعة"، مؤكداِ على ترحيبه بالسياسة مرة أخرى في الشارع، أياً كانت ملابساتها.كل وسائل الإعلام التابعة للنظام تحذر من مظاهرات 11-11، واللافت أنه ولأول مرة في مصر، مظاهرات مجهولة النسب لم يدعُ اليها أحد
هل الدولة حقاً وراء زوبعة 11-11، أو غضب المصريين من سوء أحوالهم الاقتصادية؟ سنكتشف قريباًالناشط السياسي وائل غنيم وجه من جهته اتهاماً صريحاً للأمن عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، قائلاً إنهم وراء تلك الدعوات. ويفسر غنيم ذلك بأن بعض الأجهزة ترغب في خلق حالة ذعر من اليوم، فيبدو لاحقاً للجماهير وكأن المؤامرة فشلت. وأضاف غنيم: "مش فاهم هما ازاي مش واخدين بالهم إن البالونة اللي عمالين ينفخوها دي ممكن في النهاية تفرقع في وشهم". كلام غنيم وعبدالحميد المحسوبين على التيار المدني المعارض للسيسي، لا يختلف كثيراً عما قالته غ. طه، أدمن إحدى صفحات شباب الإخوان المسلمين، التي رغبت في إخفاء اسمها حفاظاً على سلامتها. تقول الطالبة الإخوانية: "لم ندعُ لشيء"، مؤكدةً أنها لم تسمع عن أحد من أي جناح في الإخوان دعا للتظاهر في هذا اليوم. وتضيف ساخرة: "عمرك سمعت عن تظاهرات من غير مطالب، مش لما يحبوا يفبركوا يوم يبقوا يفبركوه مظبوط". لكن بعيداً عن الذي دعا، وهل هناك من دعا للتظاهر فعلاً أو لا، فإن القلق سيد الموقف في الشارع المصري من هذا اليوم. وهو ما دعا البعض لاتخاذ قرار ملازمة منازلهم، خوفاً من القلق على حد تعبير سيد عبدالجليل، الذي يمتلك شاحنة نقل بضائع بين المحافظات. يقول: "الموقف كله مش هيشتغل يومها". مضيفاً: "من يضمن ألا تحدث تظاهرات واشتباكات، وتتعرض سيارتي للخطر، العربية دي فاتحة ثلاث بيوت، والمخاطرة لا داعي لها". "الوضع الاقتصادي في مصر حرج جداً، وقد ينتج انفجاراً في أي لحظة". هكذا تصف فادية صالح أستاذة الاقتصاد المشهد. وتشرح: "لدينا أزمة في العملة الأجنبية ناتجة عن عوامل عدة أبرزها انهيار السياحة. أضف إلى ذلك أن السعودية، الداعم الاقتصادي الأول للنظام، توقفت عن الدعم بشكل ملحوظ، لاعتبارات اقتصادية، تخص وضعها الاقتصادي الداخلي، ولعوامل سياسية متمثلة في الخلاف حول القضايا الإقليمية. باختصار هناك كل مقدمات الانفجار". وتضيف صالح: "لا أعلم شيئاً عن 11-11 ولا عن ترتيباته، لكن ما أعرفه جيداً هو أنه إن حدث انفجار شعبي فلن أفاجأ". في مكالمة هاتفية مع رصيف22، نفى اللواء طارق عطية مساعد وزير الداخلية المصري لقطاع الإعلام، أن يكون للدولة أي دور في صناعة وهم 11-11 كما يقول البعض. مؤكداً "أن الدولة ليست بحاجة لاختلاق مبررات، إذا كان هدفنا إلقاء القبض على البعض كما يزعمون". وأضاف: "سنتعامل بكل حزم مع أي محاولة لزعزعة استقرار البلاد، ويوم 11 نوفمبر سيمر بأمان على مصر والمصريين". هل الدولة حقاً وراء تلك الزوبعة، أو غضب المصريين من سوء أحوالهم الاقتصادية، بدأ يُسفر عن مواقف احتجاجية؟ لا يمكن الجزم بذلك، لكننا سنرى قريباً ما سيحدث.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.