ينتظر لبنان انتخاب رئيس نهاية الشهر الجاري. الأنظار متجهة إلى ميشال عون. كثيرة المواضيع التي استند إليها اللبنانيون للهجوم على "الجنرال" والاستهزاء به. اصطفافاته السياسية، تاريخه العسكري، هروبه، الفساد المزعوم حوله … واليوم جاء دور زوجته. إذ تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورة "السيدة الأولى المفترضة" ناديا الشامي، وتحسر متابعون على حظهم بعدما خسر سليمان فرنجية حظوظه الرئاسية فقط لأن زوجته صاحبة إطلالة جميلة وأنيقة، كما استحضروا صورة "اللايدي" ستريدا جعجع، زوجة سمير جعجع الذي كان بدوره مرشحاً للرئاسة، في سياق ندب "الحظ العاثر".
في المقلب الآخر من الكوكب، كان دونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركي، يتباهى بزوجته الجميلة، بينما يدعو بعض المعلقين إلى التغاضي عن خطاباته المتطرفة بسبب زوجته عارضة الأزياء المثيرة التي قد تصبح "السيدة الأولى".
في المقابل، لاقى تداول صور زوجات الرؤساء والحديث عن مظهرهن أو أجسادهن المثيرة انتقاد الكثير من المتابعين، ووصفوا ذلك بأنه تصرف ذكوري وغير أخلاقي. وبين الـ"يجوز" و"لا يجوز"، يعود الحديث عن دور "السيدة الأولى" في تعزيز محبة زوجها في قلوب العامة أو العكس. التاريخ يزخر بسير زوجات غيّرن مصائر رؤساء، سلباً أو إيجاباً، ليبقى منصب "السيدة الأولى" منصباً شرفياً من دون راتب أو ضمانات مؤسساتية، لكنه يكاد يكون أبرز الأدوار التي يلعبها أحدهم في عهد أي رئيس.
عندما ظهرت "السيدة الأولى"
كان ذلك في العام 1992. استضافت مدينة جنيف مؤتمرً لمناقشة التقدّم الاقتصادي للنساء في المناطق الريفية، بمبادرة من ست سيدات يحملن لقب "السيدة الأولى". ومن هناك سلطت الأضواء على نساء الرؤساء والدور السياسي - الاقتصادي - الاجتماعي اللواتي بإمكانهن لعبه. زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك، سوزان مبارك، كانت من بين النساء الحاضرات. وفي العام 1995، التقت العديد من زوجات الرؤساء في مؤتمر بكين، واستقطب وجودهن وما تلاه من حديث عن نصيبهن في صناعة القرار في أروقة الحكم، الاهتمام العالمي. حينها كانت هيلاري كلينتون، المرشحة للرئاسة الأمريكية اليوم، سيدة أولى. في كتابها الذي نشرته منتصف العام الحالي تحت عنوان "السيدة الأولى"، تفصّل مراسلة شبكة "بلومبرغ" في البيت الأبيض كيت أندرسون براور معايير شخصية السيدة الأولى ومفاصل تأثيرها. تقول المراسلة المخضرمة "هو واحد من المناصب الأكثر تحدياً في العالم، ولا يلتفت البعض إلى حساسيته وأهميته"، فالسيدة الأولى عليها أن تكون مثالاً يُحتذى، فتكون محنّكة في السياسة، من دون أن تتدخل مباشرة بها. معظم من هن في هذا المكان يتجهن إلى الأعمال الاجتماعية والخيرية لدعم صورة أزواجهن”. على السيدة الأولى أن تتجاوز مع زوجها المطبات السياسية التي يمرّ بها، بينما يزداد دورها صعوبة في حالات الحرب. وعليها كذلك أن تعرف تفاصيل البروتوكولات، وأن تكون مضيفة من الطراز الرفيع للزوار من حكام وملوك ورؤساء ومشاهير، وأن تتقن التعامل مع الإعلام الذي سيلاحقها بعدساته. في الوقت عينه منوط بها دورها كزوجة وأم، ويجب أن تضطلع به على أفضل وجه، وتحفظ الأسرار وتتجاوز الخلافات الزوجية البديهية.التاريخ يزخر بسير زوجات غيّرن مصائر رؤساء، سلباً أو إيجاباً... ماذا عن العالم العربي؟
كان بن علي يسمى "زوج الست"، أما الملك فاروق، فقد تراجعت شعبيته بعد طلاقه من زوجته... لا تقللوا من أهمية السيدة الأولى عربياًفي كتابها، تُذكّر براور بدور نانسي ريغان في إنعاش الحلقة الإدارية لمكتب زوجها، ومساعي هيلاري كلينتون لإقالة رئيس موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل، وصولاً إلى العلاقات التي تجمع بين السيدات والدور الذي يلعبنه في تقريب الرؤساء بعضهم من بعض.
السيدة الأولى عربياً: "زوج الست" و"أم الفقراء"
لم تكن قصة هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد نجاح الثورة في العام 2011 وحدها الحدث، كان للفساد الذي يحيط بحياة زوجته ليلى الطرابلسي وعائلتها حصة الأسد في الأخبار. ذكّرت قصة ليلى الطرابلسي (التي ينعتها التونسيون بـ"الكوافيرة" نبشاً في تاريخها الماضي) بالدور الذي تلعبه السيدات في مكانها، فيحظين بسلطة مطلقة من دون أي أسس دستورية أو قانونية. وصف البعض بن علي بـ"زوج الست المغلوب على أمره"، هي ليلى التي كوّنت لها ولأسرتها وأقاربها مواقع نفوذ ومال من دون حدود. وبعد سنوات على هروبه، ما زالت الروايات تخرج عن مآثر فسادها وتحكمها بمفاصل القرار. لم ينتظر الإعلام كثيراً حتى وصل الدور إلى سوزان مبارك، زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك. عُرفت "السيدة الأولى" في مصر بـ"ماما سوزان"، إذ كان لها من الهيبة والحضور ما يخطف الأذهان. ولكن بعد السقوط بدأ الإعلام يكشف أدوارها في التحضير لتوريث ابنها جمال مبارك، والضغط لعدم انتخاب نائب للرئيس. "ماما سوزان" التي أدارت العديد من المشاريع الخيرية العامة والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني، أثيرت قضايا لاحقة بخصوص مشاركتها بالفساد عبر سرقة أموال تلك الجمعيات وتحويلها إلى حسابات شخصية في مصارف خارج البلاد. ولأن جمال "السيدة الأولى" وأناقتها ورفعتها أمور تعكس صورة البلاد، فتكون مصدر تباهٍ للناس أمام الرأي العام العالمي، أشعلت زوجة الرئيس محمد مرسي موجة عارمة من الجدل. هي تلك السيدة العادية المحجبة، التي أثارت استهزاء البعض وتحسرهم على "السيدة الأولى" السابقة، وزادت خوف المصريات من كونها السيدة الأولى في تاريخ مصر التي تدخل القصر محجبة، لتكون نموذجاً مجسداً عن رهاب المصريات مما سيكون عليه حالهن مع الحكم الإسلامي. في المقابل، رحب البعض بالسيدة التي رفضت أن تُكنى بـ"الأولى" مكتفية باسم "أم أحمد" واعتبروا أنها "شبه الست المصرية" العادية. في الجانب الآخر، تعتبر زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، أسماء الأخرس الأسد، من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في ظل الحرب الدائرة في سوريا. ولعبت دوراً أساسياً في تعزيز صورة زوجها من خلال الاعمال التي تتابعها برغم الحرب. بدورها، لا تزال الملكة رانيا، زوجة الملك الأردني عبد الله، تتربع على عرش الإعلام المتحدث عن أناقتها وأدوارها في المجتمع الأردني. ولا تزال الأخبار عن "السيدة الأولى" في العالم العربي تشغل الرأي العام باعتبار الأخيرة عنصراً مؤثراً في عكس حال الحكم في منطقة ملتهبة. [caption id="attachment_79563" align="alignnone" width="700"] الملكة رانيا[/caption]سيدات فقن أزواجهن وأخريات بقين في الظل
في لبنان، تحضر سيرة زوجة الرئيس الأسبق الياس الهراوي، منى الهراوي، في سياق إيجابي كواحدة من أبرز سيدات لبنان. تفوقت منى على زوجها بالحضور والكاريزما، وحفظ لها اللبنانيون مبادراتها الاجتماعية والثقافية المؤثرة. في المقابل، بقي لكل من زوجة إميل لحود، أندريه لحود، وزوجة ميشال سليمان، وفاء سليمان، حضور باهت في السياق اللبناني على الرغم من مشاركاتهما الدائمة في النشاطات الاجتماعية. لا شكّ أن الإعلام يلعب دوراً في صقل صورة السيدة الأولى، لا سيما في عصرنا الحديث. اليوم، بات الرؤساء يولون اهتماماً بالغاً لحضور زوجاتهم لما يعود به عليهم هذا الحضور من منفعة. في الماضي، لم يكن دور السيدة الأولى في دمشق بهذا الحجم إذا ما قارناه بجهود أسماء الأسد. ومع ذلك، وجدت بعض سيدات القصر مكاناً لهن في الذاكرة العربية. من هؤلاء الملكة نور الحسين، زوجة الملك حسين، التي بقيت ملكة الأردن حتى وفاته في العام 1999، وقد اشتهرت بأعمالها الخيرية. ويحفظ المغربيون للملكة لالا سلمى، زوجة الملك محمد السادس، دورها في محاربة السرطان والأعمال الاجتماعية. أما جيهان السادات، التي غادرت المنصب بعد اغتيال زوجها مطلع الثمانينات، فعرف عنها دورها السياسي والدبلوماسي، وقد أثارت الجدل بتصريحات عديدة أعقبت الاغتيال. [caption id="attachment_79562" align="alignnone" width="700"] الملكة لالا سلمى[/caption] وحملت هيا بنت الحسين، التي تزوجت حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم في العام 2004، لقب سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، وهي تتولى إدارة الاتحاد الدولي للفروسية بسبب براعتها في هذا الحقل. أما الشيخة موزة، زوجة الأمير السابق لدولة قطر حمد بن خليفة، فقد شغلت العالم بإطلالاتها الأنيقة. ليس ذلك فحسب، بل تابع كثر أخبار تأثيرها على زوجها وابنها الذي تولى الإمارة لاحقاً. كما تتداول التقارير الصحافية أخبار ثروتها وممتلكاتها حول العالم. وهنالك الأميرة سبيكة، زوجة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، وهي رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، وترأست منظمة المرأة العربية بين عامي 2005 و2007. [caption id="attachment_79559" align="alignnone" width="700"] هيا بنت الحسين[/caption] وتقدّم الملكة فريدة التي تزوجت من الملك فاروق في العام 1938 مثالاً عن قدرة المرأة على التغيير من الداخل، فهي لقبت بـ"أم الفقراء" بسبب شخصيتها المحببة وجهودها الخيرية، وقد تراجعت شعبية الملك بعد طلاقها في العام 1948 بشكل كبير. في المقابل، بقيت زوجات رؤساء وحكام في الظل، منهن زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر التي اشتهرت بتواضعها وفقرها، كذلك صفية فركاش القذافي، زوجة الرئيس المخلوع معمر القذافي، التي غابت عن التغطيات الإعلامية التي تناولت زوجها وأولادها وحتى نسائهم. تُظلم سيدات كثر في هذا المنصب لصعوبة التوفيق بين السياسي والشخصي، بينما تستغل أخريات وجودهن للعب دور ريادي في خدمة المجتمع أو في سرقته. في المحصلة، بات يحظى هذا المنصب بمكانة كبرى في العالم العربي، ليحضر أكثر فأكثر المثل الفرنسي القائل، في كل مكان "ابحث عن المرأة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع