يعاني السكان في المناطق المحاصرة في سوريا، لا سيما في الأرياف التي تشهد اقتتالاً بين المعارضة والنظام، أوضاعاً صعبة، بعد توقف الحكومة عن دعم هذه المناطق بالخدمات الأساسية كالكهرباء والاستشفاء والتعليم، لذلك لجأ السكان فيها إلى طرق بديلة للاستمرار.
توقف التعليم في كثير من المدارس فصولاً دراسية عدّة، قبل أن يُعاد إحياؤه عن طريق السكان المحليين أو عن طريق دعم بعض المنظمات الدولية، أو من خلال دعم الائتلاف السوري المعارض. يختلف هذا الدعم حسب التوزع الجغرافي للمدن والأرياف، فهو ينشط في المناطق الشمالية حيث تسيطر المعارضة ويقلّ في دمشق وريفها.
أفادت دراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة UNICEF في ديسمبر 2013، بأن ملايين الأطفال السوريين لم يذهبوا إلى المدرسة منذ بدء الأزمة. وبيّنتالدراسة أن واحدة من كل خمس مدارس في سوريا أصبحت غير صالحة للاستخدام إما لأنها تعرضت للتلف أو التدمير أو لأنها أصبحت ملجأ للمتشردين داخلياً. وفي البلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين فإن ما بين 500,000 إلى 600,000 طفل سوري لاجئ هم خارج الدراسة.
باستثناء المدارس التي انشئُت بعد احتدام الحرب في شمال سوريا، من قِبل بعض المنظمات الدولية، فإن جميع المدارس البديلة تعتمد المنهاج نفسه الذي يدرسه باقي التلاميذ في المدارس الرسمية، ما عدا مادة القومية التي حُذفت من جميع المدارس البديلة لتضمّن فصول عديدة منها سيرة الرئيس السابق حافظ الأسد وأقواله وبطولاته بالإضافة لجوانب من مسار الرئيس الحالي بشار الأسد وأقواله ومنجزاته.
في منطقة القابون المحاصرة في ريف دمشق لم يعد آمناً الذهاب للمدارس التي لم تسلم من القصف أو أعمال التفجير. الكثير من الأساتذة العاملين في مدارس المنطقة فُصلوا منها، وبعضهم لم يعد قادراً على الخروج من المنطقة خوفاً من الاعتقال، لذلك قرروا أن يجهّزوا مدارس مجانية بديلة لاستقبال الطلاب حتى المرحلة الإعدادية. من هذه المدارس، "مدرسة الحياة" التي تستوعب حوالي 700 طالب وطالبة ويبلغ عدد العاملين فيها قرابة 50 شخصاً، يتلقون رواتبهم من التبرعات التي تحصل عليها المدرسة من أهالي المنطقة. اُقيمت المدرسة في بناء قديم ومهجور تم تنظيفه وإصلاحه حتى بات أهلاً لاستقبال التلاميذ، لكون مدارس القابون كلها مدمرلها وغير صالحة للاستعمال.
يقول أحمد، وهو أحد أعضاء الكادر التعليمي: "مدرسة الحياة قامت بجهد من شباب المنطقة على نحو مستقل عن أي جهة سياسية". يقدم جميع الطلاب امتحاناتهم الخاصة في المرحلة الأساسية (أي من الصف الأول حتى الصف الثامن) في المدرسة. وفي ما يتعلق بشهادة المرحلة الإعدادية أو بشهادة المرحلة الثانوية، يضطر الطلاب لتقديم الامتحانات النهائية في إحدى المدارس الرسمية في دمشق، لكونها "امتحانات عامة وتصدر أسئلتها من الوزارة، ونحن نعمل بشكل مستقل عن الوزارة" يقول أحمد.
في منطقة الزبداني بريف دمشق قامت أيضاً مدرسة بديلة، تضمّ طلاباً من مرحلة التعليم الأساسي من الصف الأول حتى الصف التاسع. المدرسة، التي تستوعب الآن حوالي 250 طالباً وطالبة، تعمل بدعم من المجلس المحلي الذي أقيم لمدينة الزبداني مع بداية الثورة السورية. يصل عدد الكادر التدريسي فيها إلى نحو 25 مدرّساً ومدرسّة كانوا يعملون سابقاً في التعليم الرسمي في المنطقة، وفصلوا منه.
في ريف إدلب شمال سوريا، يصبح الوضع أكثر صعوبة، لا سيما أن الريف كله يشهد صراعاً مسلحاً بين النظام والمعارضة. بُعد الريف عن مركز مدينة إدلب، وخوف بعض الطلاب من الذهاب إلى المدارس الرسمية في المناطق البعيدة يجعلان خياراتهم محدودة، فإما التوقف عن الدراسة أو متابعة التعليم في المدراس التي أصبح الائتلاف السوري المعارض يدعمها. يشمل دعم الائتلاف السوري قرابة 15% من منطقة ريف إدلب ولكنه يصبح أكبر في المدارس الواقعة في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب، وذلك لاعتبارات سياسية وعسكرية، يقول خالد الخلف، وهو صحافي عمل سابقاً لدى المكتب الصحافي لمديرية التربية في إدلب.
مديرية التربية الحكومية ما زالت، بحسب خالد، تؤمّن المستلزمات والرواتب في بعض المدارس الواقعة في مناطق سيطرة المعارضة، وهناك نسبة لا بأس بها من الأساتذة الذين لا يزالون يمارسون عملهم ويتلقون رواتبهم منها. في المقابل، فصل البعض الآخر بسبب مواقفه السياسية، فعيّن الائتلاف عدداً من المدرّسين الذين يعملون بشكل تطوعي، ويتلقون بدلاً مالياً يبلغ نحو 100 دولار في الشهر.
مديرية التربية لا تعترف بامتحانات الشهادة الإعدادية والثانوية التي تقدم في مدارس الائتلاف، والتي يضع أسئلتها المكتب التعليمي للائتلاف السوري المعارض. يقدم بعض التلاميذ غير المطلوبين للأمن امتحاناتهم في المدارس الرسمية، ولكن من لا يستطيع منهم الذهاب إلى المدينة، لا يكون أمامه سوى الاكتفاء بالشهادة التي يقدمها الائتلاف، ويصبح مصيره غامضاً بعد نيلها. أمجد، طالب في المرحلة الثانوية في إحدى قرى جبل الزاوية بريف إدلب، يقول: "قدمت امتحانات الشهادة الثانوية في مدارس الائتلاف لأنني خشيت الذهاب إلى المدينة لأجراء الامتحان النهائي إذ من الممكن أن أتعرض للاعتقال، لكن للأسف مديرية التربية لا تعترف بهذه الشهادة. لا يمكنني الاستفادة من شهادتي في سوريا، ولا خيار لي سوى الانتقال إلى تركيا لاكمال تعليمي الجامعي، وهو أمر صعب، فالمعيشة هناك مرتفعة".
بالإضافة إلى المدارس الرسمية، والمدارس المدعومة من الائتلاف، انطلق نوع ثالث من المدارس، قامت بإنشائها منظمة Save the Children العالمية. تختلف هذه المدارس عن النوعين السابقين باعتمادها منهاجاً جديداً لطلاب التعليم الأساسي، يتضمن بعض المواد العلمية واللغات، التي تدرّس في مبانٍ جديدة تولّت المنظمة إنشاءها أو استئجارها، كما عيّنت عدداً من المدرّسين المؤهلين، الذين يتقاضون رواتب جيدة. هذه المدارس قليلة إذ لا تتجاوز مساحة تغطيتها 15% من ريف ادلب.
يذكر أنه جرى بضع محاولات لتشكيل مؤسسات للمعلمين والتربويين خارج الإطار الرسمي (نقابة معلمين أحرار - مديرية تربية حرة) ولكن هذه المحاولات لم تتحقق وبقيت حبراً على ورق. مديرية التربية الحرة التابعة للائتلاف مثلاً لا تملك مبنى بحسب الصحافي خالد الخلف، وهي تكتفي بصفحة على الفيسبوك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...