تستضيف واشنطن أكبر معرض للمصاحف في تاريخها. لا يمرّ خبر كهذا مرور الكرام في خضم الصراع الرئاسي الدائر في الولايات المتحدة، والذي يشغل فيه مستقبل المسلمين والمهاجرين حيّزاً من النقاش، وسط تصاعد غير مسبوق لموجة الإسلاموفوبيا.
كثيرة هي الأحداث التي تساهم في تشويه صورة الإسلام، أو في حصره بالصورة العنفية التاريخية. في الإسلام جانب مسالم وسمح، أبعده المتطرفون عن الواجهة، لتعود محاولات تكريسه بمبادرات مماثلة لهذا المعرض. هذا ما حاول المسؤول في الشركة الراعية لمعرض المصاحف والخطوط القرآنية ونائب رئيس مجلس "شركة كوش القابضة" يلدريم علي كوش التأكيد عليه، في المؤتمر الصحافي الذي استضافته العاصمة الأميركية، قائلاً "النظرة الحالية للإسلام بعيدة عن الواقع... لن ندع المتطرفين يتلاعبون بديننا".
مصاحف من ألف عام وأكثر
في مختلف جنبات المعرض، يتوزع أكثر من 60 نسخة مزخرفة للقرآن الكريم، تمّ جمعها من أنحاء العالم العربي، بالإضافة إلى تركيا وإيران وأفغانستان. جمال يعبق في المعرض الأمريكي، مذكّراً بالوجه الفني المنسي للكتاب السماوي، وبالإعجاز حتى في شكله. هذا ما يعكسه عنوان المعرض "فن القرآن: كنوز من متحف الفنون التركية والإسلامية". وسيكون هذا الفن متاحاً للجميع بدءاً من يوم السبت 22 أكتوبر إلى أواخر شهر فبراير من العام المقبل، في قاعة آرثر أم ساكلر Arthur M. Sackler في مجمع متاحف سميثسونيان Smithsonian في واشنطن. ليس الشكل وحده ما يضيء عليه المعرض، بل التاريخ أيضاً، إذ تعود أعمار المصاحف المعروضة إلى ما قبل ألف سنة، وصولاً إلى القرن السابع عشر للميلاد. كما يزوّد المعرض زواره بقصص فريدة عن بعض المخطوطات الثمينة المعروضة وحكايات صناعها ومقتنيها، ومن بينهم سلاطين عثمانيين ونخبة حاكمة، ويمرّ على مراحل تدوين المصحف وانتقاله من مرحلة الشفاهة إلى النص المكتوب. قد يكون المعرض الأمريكي ذا ملامح دينية، يهدف إلى مدّ الجسور مع المسلمين عبر نسخ قرآنية، لكنه في المقابل يحمل جانباً فنياً، ففي تطور نسخ القرآن تنضوي حكايات كثيرة عن فنّ الخط العربي وجمالياته من العراق مروراً بأفغانستان ثم تركيا. ثمة مخطوطات كُتبت على جلود حيوانات في العراق وإيران، تعود إلى ما بين القرن الـ18 والـ19، وهناك مصحف طوله متران وعرضه متر من مدينة شيراز الإيرانية يعود إلى العام 1599 ومطعّم بحروف من ذهب.عن القرآن والفنانين الغربيين
يُذكر أن جمع المصاحف بدأ في وقت الخلفاء الراشدين واستمر بعد ذلك، وكانت المصاحف تُخطّ بأمر من الخلفاء والسلاطين وكذلك الأثرياء أصحاب النفوذ، وغالبيتها (47 مصحفاً) تمّ تقديمها للعرض من متحف الفنون التركية والإسلامية في اسطنبول، أما الباقي فموجود أساساً في خزانة المتحف الأمريكي.العودة إلى جماليات القرآن خطوة إيجابية في وجه من حصروا استخدام آياته في تبرير القتل وسفك الدماء
مصاحف من ألف عام وأكثر في معرض تستضيفه واشنطن... وجمال يذكر بالوجه الفني المنسي للكتاب السماوي وبالإعجاز في شكلهوبعدما كان القرآن محفوظاً في مخطوطات متفرقة نتيجة تناقله شفهياً منذ عهد الرسول لمدة 20 عاماً، جمع في مصحف واحد في عهد الخليفة عثمان بن عفان، ليصبح بعد ذلك مرجعاً لكتابة المصاحف جميعها. ليس خافياً على أحد أن القرآن لعب دوراً أساسياً في شهرة الخط العربي وجماليته التي استخدمت عالمياً في العمارة والخزف والكتب وغيرها. وقد تأسست عدة مدارس لفن الخط تميزت بأساليب خاصة، كالفارسية والتركية والأندلسية المغربية ومدرسة بغداد التي أثرت في المجالات الفنية والهندسية والفلسفية. ولم يبق العالم بعيداً عن فنون الحضارة الإسلامية، وهو ما أكده كثر، من بينهم مدير متحف اللوفر الذي تحدث مراراً عن تأثير الحضارة الإسلامية العميق على الثقافة الغربية، بعدما افتتح اللوفر جناحاً دائماً للفن الإسلامي. وقد ألهم فن الخط العربي الكثير من الفنانين الغربيين كالرسام الفرنسي هنري ماتيس الذي اعتبر أن هذا الفن يحمل فضاء تشكيلياً بكل ما للكلمة من معنى. يتوقع المسؤولون عن المعرض، الذي يصاحبه إطلاق موقع إلكتروني يتعلق بفن نسخ القرآن وفنون الكتابة والخط، زواراً بالآلاف. هؤلاء كثر منهم قد لا يعرف شيئاً عن الإسلام سوى ذاك الوجه المخيف، وهناك سيكتشفون الفن الإسلامي والثقافة الإسلامية. هذا ما يتحمّس له المسؤول في مؤسسة "سميثسونيان"، ريتشارد كورين قائلاً "في هذا الوقت من تاريخ بلدنا، من المهم جداً أن نفعل ذلك، لتنتصر المعرفة على الجهل". يأتي ذلك قبل حوالي أسبوعين على الانتخابات الأميركية وفي ظلّ تصريحات ترامب ضد المسلمين، وهنا يشير كورين إلى أن "مظاهر التوتر والالتباس إزاء الإسلام تزداد في الولايات المتحدة، وإن توصلنا إلى ردم هذه الهوة عن طريق المتحف، نكون قد نجحنا في عملنا". تقول دراسة حديثة لمؤسسة الأزهر أن الاعتداءات ضد المسلمين جراء اتساع موجة الإسلاموفوبيا ازدادت بشكل كبير عن العام الماضي، لتصل إلى حوالي 2000 انتهاك بحق المسلمين ومقدساتهم. صحيح أن مسلمين كثر يتحملون مسؤولية تعزيز الإسلاموفوبيا، وصحيح أن معرضاً كهذا لن يحلّ معضلة عميقة ومتفاقمة، إلا أن العودة إلى جماليات القرآن تُعدّ خطوة إيجابية في وجه من حصروا استخدام آياته في تبرير القتل وسفك الدماء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com